منذ يومين نشر الصحفي الفرنسي المعروف، ألكسندر أدلير، مقالا عنوانهquot; اللغز الإيراني والمفتاح العراقي.quot; عنواني هنا من وحي عنوانه ولكنه يضع تساؤلات أخرى حول وضعين معقدين متشابكين جدا. فالذي يجري في العراق بين الائتلافيين أنفسهم، وأزمة رفض الجعفري، والميل المنسوب للأمريكان لخيار آخر، أحداث تعكس في نفس الوقت العلاقات السياسية الحقيقة في إيران والأخبار عن صراع بين جناح خامنئي ـ نجاد وبين quot;البراغماتيينquot;، وفي مقدمتهم رافنسجاني. فالعلاقات إذن متبادلة بحكم سيطرة التنظيمات الشيعية على السلطة. ليست كل تحليلات أدلير مقنعة ويمكن قبولها، ولكن من المفيد عرض وجهة نظره لتضمنها معلومات ووجهة نظر جديدة. وملاحظاتنا ستأتي في نهاية هذا المقال.
يقول الكاتب إن التوتر المفاجئ بين الجعفري والأمريكان حدث غطى على الانتخابات الإسرائيلية. إن هذا الحدث إما أن يكون في خدمة زعزعة أكثر للأمن، وإما أننا نواجه الحدث الأكثر إثارة منذ انتخاب أحمدي نجاد. هناك أولا حسابات متعارضة ومتشابكة داخل العراق جاءت لتعدل المعطيات جذريا. حتى الآن كان الإرهابيون الزرقاويون يزرعون الموت والانقسام بين السنة والشيعة. غير ان الوضع تغير فجأة حسب رأي أدلير. فثمة انقسام رأي في سوريا بين دعاة المصالحة مع الغرب ومنهم الأسد وبين غلاة المتشددين الرافضين لكل مصالحة حتى في لبنان. وعلى هذا أيضا يسعى quot;المعتدلونquot; في سوريا لضم جهودهم لجهود عربية أخرى لجعل quot;المقاومينquot; العراقيين من السنة [ أي الصداميون ] يقبلون بالمشاركة في العملية السياسية والقبول بمعطيات الوضع العراقي وتوازن القوى فيه. ومن مظاهر هذا الانعطاف أن جماعات مسلحة عديدة تعلن الهدنة مع القوات الأمريكية وتواجه عصابات الزرقاوي حتى بالعنف، كما في الرمادي. أما مقتدى الصدر من جانبه، فقد تخلى عن مشروع مصالحة الطائفتين لتعبئة الجميع لمواجهة أمريكا، في سياق التوتر المشتد حول المشروع النووي الإيراني. من هنا في رأي أدلير يجئ الصراع بين المتشددين والبراغماتيين في طهران كقنبلة تشق نواة الحكومة العراقية. إن وضع العلاقات المتشابكة بين الأحزاب الشيعية العراقية هو quot;مفتاح اللغز الإيراني.quot; وإذا كان مقتدى الصدرممثلا لأحمدي نجاد في العراق، ولخامنئي علاقات متميزة مع الدعوة، فإن المجلس الأعلى والسيد الحكيم يعتبران quot;ظل رافنسنجانيquot; [التعبير له]. إن إعلان السيد الحكيم عن قبول إيراني للحوار مع الأمريكان حول العراق، يعني انعطافا في السياسة الإيرانية للحفاظ على ما تستطيع من نفوذها في العراق. إن هذا الخبر وإشارات أخرى، تكشف مناطق ضعف أحمدي نجاد. وكان هذا يتعرض باستمرار لنقد المجلس الأعلى لعدم اكتراثه بهجمات القاعديين على الشيعة. وفي هذا الوضع المتشابك يرى الإسلاميون الشيعة quot;المعتدلونquot; في العراق، ولا سيما بعد تفجير سامراء، ضرورة التوصل لاتفاق مع الأطراف التي تعمل باسم الطائفة السنية، ومن ثم تبيان أن لا ضرورة للبقاء الأمريكي. أما مقتدى الصدر، فحال التفجير أرسل أفراد جيش المهدي لتنفيذ حملات إعدام اعتباطية للسنة بحجة دعم القاعدة. لماذا يا ترى غير الصدر خطته حول الاتفاق مع القاعديين؟ يرى الكاتب أن السبب هو في حرص الصدر على عدم تهميشه والتظاهر بكونه الأكثر حماسا ضد كل حكم quot;سنيquot; محتمل!! كما فتحت مليشيا الدعوة النار على القوات الأمريكية ليتبع ذلك quot;إنذار بوشquot;؟ إن هذا الموقف الأمريكي ربما هو باتفاق مع الحكيم الذي هو quot;شريك رافنسجاني في العراقquot;. وبهذا يضع بوش ثقله لصالح نجاح رافنسجاني في إيران، وquot;هو الذي بفضله وافقت الحكومة الإيرانية على الحوارquot;.
ينتهي المقال برأي غريب يقول إن مصالحة بين الأطراف الشيعية المعتدلة مع السنة الراغبين في المشاركة في العملية السياسية سوف تعني quot;نهاية الحرب ضد الإرهاب البادئة منذ 11 سبتمبر.quot; نقول إنه رأي غير مقنع لأن خطر الإرهاب الإسلامي دولي، برغم كون العراق اليوم ساحته الأولى. فإذا أمكن حل الأزمة العراقية حلا صحيحا فلا يعني ذلك وقوف القاعديين عند حدهم لأن شبكات الإرهاب القاعدية منتشرة داخل الغرب نفسه، كما برهنت جرائم مدريد ولندن ومن قبلها 11 سبتمبر. إن خروج العراق من الأزمات نحو الديمقراطية المدنية سيكون ضربة كبرى لقوى الإرهاب، ويعني فشلا ذريعا لمخططه في العراق والمنطقة، ولكن لن تكون هنا نهاية هذا الإرهاب الإسلامي في العالم.ليس هذا وحده خلافنا مع الكاتب، فثمة أسئلة مهمة عن الموضوع يصح توجيهها:
1 ـ من هو حاكم إيران الفعلي؟ ليس طبعا رفنسنجاني ولا أحمدي نجاد. إنه المرشد الأعلى الذي تعلن برامج الأحزاب الشيعية العراقية عن الإيمان بدوره quot; الإرشاديquot;؛
2 ـ قد يكون قبول الحكومة الإيرانية ببحث الوضع العراقي مع الأمريكان انعطافا كما يقول الكاتب، وقد يكون واحدة من المناورات التي يتقنها النظام الإيراني للتخفيف من الضغط الدولي عليه، وهو لا يعني رغبة حقيقية في وضع نهاية حقيقية للتدخل الإيراني في العراق؛
3 ـ مهما كان الوضع العراقي شديد الأهمية لأمريكا والغرب، فإن موضوع القنبلة الإيرانية يكتسب أهمية استثنائية وكبرى. فالنظام الإيراني رغم الموافقة على quot;الحوارquot; ماض بخطى سريعة لإنتاج القنبلة النووية، وفي آخر المعلومات أن مدة عامين فقط تفصل حتى إنتاج القنبلة فعلا. ولهذا تتعرض مواقف الاتحاد الأوروبي المتراخية من إيران لنقد متزايد، ومن ذلك مقال آخر للخبيرة الدولية في شؤون الطاقة النووية، المؤلفة quot; تيريزا ديلبيش، مؤلفة كتاب quot; إيران واستسلام الدول.quot; وظهر المقال في وقت واحد مع مقالة أدلير. وتدين الكاتبة في نهاية مقالها quot;تلك الدول التي رفضت تحمل مسؤولياتها عندما كان لا يزال هناك وقت.quot;
إن من المفيد كما قلنا الاطلاع على مختلف وجهات النظر عن ترابط الوضعين العراقي والإيراني، حتى عندما لا نقتنع بمضامينها أو ببعض مضامينها. ومواقف الصحافة الفرنسية لها مغزى على ضوء الحملة السياسية والدبلوماسية والإعلامية الفرنسية الشرسة ضد حرب تحرير العراق،رغم أن تعديلات مهمة قد طرأت على جوانب من تلك المواقف.
التعليقات