-1-
لم نسمع أن الجهة الأصولية الارهابية، التي هددت مفكرنا الليبرالي الكبير سيد القمني، واضطرته قبل شهور للتوقف عن الكتابة، استجابة لتهديد تلقاه منها كما قال في ذلك الوقت، أن أصدرت فتوى بالعفو عن المفكر سيد القمني. ولكنا فوجئنا بأحد المواقع على الانترنت ينشر له اليوم مقالاً جديداً عن الإخوان المسلمين بعنوان ( الإخوان يتمقرطون)، ويعد القراء بمزيد من المقالات في الأيام القادمة.إذن، لقد انفك الحصار المزعوم عن أستاذنا الكبير، فعاد، والعودُ أحمد.
-2-
ولكننا لم نعرف ولم نفهم، لماذا كان ذلك الحصار، وكانت تلك (الهيصة) الكبيرة، التي جاءنا بها القمني قبل أشهر، وأقام الدنيا ولم يقعدها. وقام حواريوه ومريدوه - وأنا منهم - بالتعليق على حادث الامتناع والاقتناع والانتفاع ذاك؛ أي الامتناع عن الكتابة، والاقتناع بعدم جدواها في ظل التهديد بالقتل والعياذ بالله (فيا روح ما بعدك روح) ، و (اللي إيده في النار مش زي اللي إيده في الميّه)، والانتفاع بتلك (الهوجة) التي أثارها القمني لمزيد من الانتشار والنجومية، وهو النجم الأشهر، الذي لا يحتاج الى كل هذه (الهوجة)، و (الهيصة).
-3-
لقد تساءلت اليوم، وأنا أقرأ مقال القمني الجديد (الإخوان يتمقرطون) وذلك quot;بعد التحرير ودحر الأصوليين في معركة فاصلةquot;، لماذا ما زلنا نحن بعض الليبراليين على وجه الخصوص، عاطفيين وساذجين وخُرقاء، حين كتبنا مؤيدين لمسرحية القمني البائسة، وقلنا بأن له الحق فيما فعل، حفاظاً على حياته وحياة أسرته (ويا روح ما بعدك روح). وقلنا بأن أولئك الليبراليين المتأمريكين القابعين في أحضان حماية FBI وCIAِ بأمريكا quot;بقرة الاستعمار الجديد المقدسةquot;، لا يشعرون بالنار التي تصلي أقفية الليبراليين في الشرق الأوسط. ولو كان أولئك الليبراليون المتأمركون أصحاب quot;البقرة المقدسةquot;، يعيشون في الشرق الأوسط لكانوا قد خرسوا الى الأبد، بل وقطعوا ألسنتهم بأيديهم.
-4-
لقد كنت أدرك، بأنني كنت قاسياً وجلفاً وفظاً وغليظ القلب في ما كتبته عن هُزال المسرحية القمنية تحت عنوان (سيد قمني: بئس المفكر الجبان أنت 5/7/2005)، لأنني لم أرَ في تلك المسرحية ما يُضحك أو ما يبكي، وأنها لا تقول شيئاً، وأنها لا تمت الى العقل بصلة، ولا تمت الى عقل القمني بصلة أيضاً ، بقدر ما هي لعب بهلواني. وقد ثبُتت صحة كلامي اليوم (أمرتهم أمري بمنعرج اللوى، فلم يستبينوا النُصح إلا ُضحى الغدِ). وتلقيت اللوم الكبير والقاسي من الأصدقاء والصيادين في الماء العكر، لأنني استكثرت على مفكر ليبرالي كبير كالقمني صاحب الدور التنويري المهم في الثقافة العربية المعاصرة، أن يحوّل عقله من كشّاف تنويري إلى بطيخة، ومن نافورة فكرية الى قصعة عدس، وأن يقوم بدور هزلي وهازل وهزيل كالدورالذي قام به، لا لشيء إلا من أجل الإثارة، وهو سيّد التنوير والإنارة.
-5-
واستغربت، كيف في ساعة من ساعات التيه، وفقدان التوازن، وظلمة الطريق، ووحشة الصحراء، ينسى سيدنا القمني أن مثل هذه المسرحيات لا تليق به، وهو الكبير.
فلا هو بالراقصة التي في بداية حياتها تريد (فرقعة) المسارح لكي تشتهر.
ولا هو بالنجم الشاب الطالع لتوه، ويريد فضيحة جنسية أو أخلاقية لكي يصبح حديث الصباح والمساء.
ولا هو بالحاكم العربي الجديد الأرنب، الذي يريد أن يظهر بجلد أسد أو نمر من ورق، فيقوم ببعض الحركات البهلوانية للفت الأنظار.
فلماذا قام القمني إذن، بتمثيل هذا الدور الرديء، وهو النجم الأشهرـ والبدر الفكري الأبهر؟
أنها ساعة من ساعات التوهان، وفقدان التوازن، يُصاب بها كل إنسان، والعياذ من الشيطان!
-6-
اليوم، يعود إلينا سيدنا القمني سالماً مُعافاً.
فلا رأسٌ قطعت، ولا جلود سُلخت، ولا أصابـع بُترت، ولا أرجل تكرسحت، ولا أضـلاع خُلعت، ولا أقـلام كُسرت!
فحمداً لله على السلامة يا سيدنا القمني.
الحمد لله لعودة العقل.
والحمد لله على اندحار الشعوذة، وأخيلة الجان، وكوابيس الفتاوى.
الحمد لله لعودتك لنا سالماً مُعافاً، حاملاً قلم النور في وجه الظلام والارهاب والأصولية النتنة. فعودتك دون أن تسيل منك قطرة دم، أو تنكر فكرة من أفكارك، أو أن تتخلّى عن مبدأ من مبادئك، سوف تخفف عنا وعثاء الطريق، وظلمة الليل، وسيوف الارهابيين. وسوف تضيف الى الليبرالية قوة ومناعة وبأساً، على قوتها ومنعتها وبأسها الآن.
فأنت بيننا، خيرٌ من أن نكون بدونك.
فكم نحن بحاجة الى عقلك في هذه الظلمة الموحشة، وفي هذه الطريق الوعرة، تلك الطريق التي أصبح أدلاؤها من الغُربان، وإشاراتها من رماد طالبان.
وليحفظك الله من كل مكروه، ولا نامت أعين الجبناء.
[email protected]
التعليقات