أعلن الدكتور عدنان الباججي، بصفته رئيس الجلسة الأولى (عميد السن) الدعوة الى استئناف هذه الجلسة يوم الاثنين 17 نيسان (أبريل) القادم ويمكن اعتبار هذا القرار مطلباً دستورياً وشعبياً. فحتى لو برر البعض تعليق الجلسة الأولى على اعتبار أن روح الدستور تقبل ذلك بسبب الظروف المحيطة بالنواب وكتلهم، فان الحس السليم يفرض معاودة الجلسة خلال يومين أو ثلاثة لا أكثر. وقد صرح د. الباججي في مؤتمره الصحفي أنه اتخذ هذا القرار احتراماً للدستور العراقي وأن القادة السياسيين يحترمون الدستور. وهذا صحيح ولكن المطلوب أن يصل هذا الاحترام الى الحد الطبيعي المطلوب وهو التزام الجميع بتطبيقه فعلاً.

وأود هنا تذكير بعض أصحاب التعليقات والرسائل أن مقالة اليوم كالمقالة السابقة (أزمة الجعغري أم الثقافة السياسية) لا أقصد بها تأييد طرف معين، فالمرشح الآخر للائتلاف د. عبد المهدي هو صديقي الشخصي منذ أكثر من ثلاثين عاماً بينما لم أتعرف على الجعفري الا عام 2003 على شاشات التلفزيون. ولم يكن رأيي ليختلف لو تعلق الأمر بشخصية أخرى، فكل ما يهمني هو تشخيص الممارسات المختلفة (مع احترامي الكامل) واقتراح الحلول التي أراها مناسبة. لذلك يجب التخلي عن تصنيف الكتاب على طريقة الاتهامات، لأن من شأن ذلك نشر الابتزاز الفكري وتعطيل البحث والرأي الحر، بينما نحن في أمس الحاجة الى تعميق الأفكار بالنقاش الموضوعي والنقد الهادف.

أعتقد اذن بأن أزمة تسمية الجعفري لم تكن لتوجد أصلاً، لو تم الالتزام بالدستور، وذلك للأسباب التالية:
1- كان على الهيئة القيادية لكتلة الائتلاف أن تعلن منذ البداية (أي قبل الانتخابات) مرشحها لرئاسة الوزراء ليتعرف الناخبون بوضوح على هوية الشخص الذي سيكلف بتشكيل الوزارة في حال فوز الائتلاف بالانتخابات. بينما لم يبدأ مناقشاته لحسم هذا الأمر الا بعد اعلان النتائج النهائية ليتخذ قراره بعد مفاوضات طويلة وتوازنات مضنية أعيت القريب والبعيد. تصرف الائتلاف اذن كمجموعة نواب يقررون بأنفسهم شخصية رئيس الوزراء، بينما المفروض أن يتصرف كهيئة سياسية تقرر قيادتها بشكل طبيعي شخص رئيس الوزراء وتعلنه منذ البداية بحيث يصبح من غير المعقول الاعتراض عليه بعد فوزه في الانتخابات.

2- بعد الاعلان المتأخر بتكليف الجعفري من قبل نواب الائتلاف، انبرى بعض القادة السياسيين ليعلن اعتراضه على هذا الترشيح، وككل مراقب استغربت للأمر وحاولت أن أفهم أسباب الاعتراضات. استغربت لأن المرشح بشكل عام، وحسب نفس المعترضين، يمثل شخصية محترمة عموماً ولم توجه اليه أي تهمة خطرة تبرر الطلب باستبعاده. وحاولت فهم الاعتراضات من خلال قراءتي لها فلم أجد فيها ما يسبب اقصاء الجعفري وتفضيل منافسيه الائتلافيين. فالمعترضون الأساسيون ينقسمون الى فصلين: 1- شكل القادة الأكراد الفصيل الأول من المعترضين بسبب قضية كركوك وسفرة تركيا، اضافة الى أسباب أخرى. 2- جبهة التوافق بأحزابها تبنت موقف الاعتراض مستندة على ما حصل أيام الوزارة المنصرمة من quot;انتهاكاتquot; (دون الخوض فيها) على يد منظمة بدر التابعة للمجلس الأعلى وكذلك وزير الداخلية وكانت تتهمهما باستمرار. والسؤال المهم، كيف أصبح د. عادل عبد المهدي (مرشح المجلس الأعلى) هو الأفضل بالنسبة لهؤلاء؟؟ لذلك أصبح من الواضح لي أن هناك أسباباً سياسية جزئية أو خاصة (لا علاقة لها بموضوع الحكومة الوطنية) تفسر هذا الموقف.

أما القائمة العراقية فقد اتخذت موقفاً معتدلاً وصرح د. علاوي عدة مرات بأن المهم ليس الشخص بل البرنامج ومنهج العمل. في المقابل، لا ينبغي نسيان دور السفير الأمريكي في دعم موجة الاعتراضات على الجعفري، ولا داعي بالتذكير بظهور البعض معه ومع جون أبو زيد لاعلان سخطهم ثم اعتراضهم.. ويبدو أن تخوف الأمريكان من التيار الصدري (حليف الجعفري داخل الائتلاف) لعب دوره في تكوبن موقفهم، ضمن مخاوف أخرى لا تهم العراقيين. أما بالنسبة لايران، فان المجلس الأعلى ليس أقل علاقة بها من التيار الصدري.

3- المهم أن هذه المخاوف والأسباب لا تعبر عن مصالح وطنية متفق عليها لتبرير اقصاء الجعفري لصالح مرشح آخر من الائتلاف. ثم ان مجرد ذكر الاتهامات لا يكفي لتنفيذ مثل هذا الاقصاء بمعانيه الخطيرة، رغم ادعاء الكل باحترامهم الجعفري... وكان يمكن للمعترضين تبيان موقفهم لقادة الائتلاف قبل ترشيح الجعفري، لأنه سيحسب عند ذاك ضمن التشاور وتبادل الآراء، وقد أعلن الأستاذ محمود عثمان، أحد قادة التحالف الكردستاني، أنه تبنى هذا الرأي ولكن القادة الآخرين فضلوا انتظار قرار الائتلاف إإ ومن جهته، صرح الرئيس الطالباني عدة مرات، آخرها في 12 نيسان (أبريل) 2006، بأن تحديد المرشح هو من شأن الائتلاف. لذلك فالتناقض واضح في الموقف وهو الذي يدفعني للقول بأنه لا يمكن اللجوء الى غير الدستور والآليات الديمقراطية لحل الموضوع، ليس فقط لأنه الاجراء الحضاري والديمقراطي، بل لأنه أيضاً الأكثر واقعية أي الأقل خطراً على وحدة الصف التي نريد جميعاً الحفاظ عليها.

4- كان على رئيس الائتلاف، السيد عبد العزيز الحكيم، إعلان موقف الائتلاف كتابياً وواضحاً، أما باستبعاد الجعفري، أو بتأكيد ترشيحه. لأن غياب هذا الجواب الواضح أوحى بأن المجلس الأعلى يأمل بتقديم مرشحه بديلاً عن الجعفري. ان غياب هذا الموقف أوحى للسياسيين والاعلاميين أن الائتلاف لم يحسم أمره بعد، وأعطى صورة quot;المنقسمquot; وquot;المسؤولquot; بالنتيجة عن بقاء البلد في هذه الأزمة.

وأخيراً، يجب التنبيه الى أن تنازل الائتلاف عن قراره يعني نهايته، اذ لا يمكن فرض التنازل على أغلبيته (وجماهيرها) المؤيدة لترشيح الجعفري بعد أن فازت بالتصويت (مهما كان الفارق) بحجة أن الوطنية تفرض النزول عند رغبة الآخرين (المعترضين). لأن الفريق الأول يستند الى الشرعية بينما الثاني يستند الى ما يشبه المزاجية السياسية إإ من هنا تأتي ضرورة الاحتكام الى الدستور، مهما كانت ملاحظاتنا عليه، وفسح المجال أمام مجلس النواب ليقول كلمته، مهما كانت وحتى لو أتت في الآخر برئيس وزراء من قائمة أخرى، فهي كلمة الفصل وعليها وعلى أساس الدستور، بمكن أن نبني وحدتنا الوطنية الحقيقية.

[email protected]