تاريخ المنطقة الخليجية خلال الحقب الثلاث الأخيرة قد شكل قضية متفجرة على الدوام وذات أبعاد دولية تتخطى الإقليم الخليجي بكثير، وتتجاوز رغبات شعوبه الداعية للأمن والسلام والإستقرار والتنمية وتعويض سنوات التخلف والعزلة التاريخية الطويلة، فمنذ الإنسحاب العسكري البريطاني من شرق المتوسط إعتبارا من عام 1968 وإستكمال إستقلال الدول الخليجية، عانى الخليج من سياسات التهور والمغامرة بل والبلطحة ومحاولة إحياء البطولات والأمجاد الفارغة وتحقيق شهوات الهيمنة الإقليمية، وكان خطر حكم الشاه الإيراني ماثلا وبحقيقة مرعبة وهو يحاول تكوين أحلامه الإمبراطورية المريضة عن طريق الإستهانة بعرب المنطقة ودولهم وحيث كانت سياسة النعرة القومية الفارسية في أعلى مراحلها مستندة للدور الستراتيجي للملكة الإيرانية وقتها بإعتبارها (شرطي الخليج العربي)، وحيث حاولت علنا (سرقة عروبة البحرين) متذرعة بأسباب تاريخية واهية، فلما فشلت في ذلك لجأت لسياسة البلطجة العلنية وبشكلها السافر عن طريق إحتلال الجزر الإماراتية الثلاث المعروفة في رأس الخليج العربي (طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى) منذ عام 1971 وحتى الوقت الراهن، كما كان نظام الشاه البائد يحث الخطى ووفق أساليب مبرمجة لمحاولة تغيير التركيبة الديموغرافية في الخليج عبر الإصرار على (فارسيته)!! فلم تكن هنالك كلمة تثير حساسية أهل السياسة في إيران سوى صفة (العربي) على الخليج؟ وهي الخصلة التي ورثها الثوار الذين أطاحوا بالشاه وأحلامه الإمبراطورية بعد تفكك قوته العسكرية وإنهيار نظامه الشمولي منذ أواخر عام 1978 وحيث إنتهى ذلك النظام وتحلل نهائيا في فبراير 1979 وحيث بدأ يعدها عهد ونظام إيراني جديد إتسم بالهوية الإسلامية وفي ظل دعايات واسعة حول التضامن مع العالم العربي والموقف العدائي من إسرائيل وغيرها من الأمور السياسية العالقة والمعلقة و تنفس العالم العربي والخليج منه بشكل خاص الصعداء بعد إنهيار البلطجة العسكرية الشاهانية التي مارست كل سياسات الإبتزاز وأحلام العظمة المريضة، ولكن للأسف لم تدم الفرحة طويلا، فقد إستبدلت سياسة الهيمنة العسكرية بسياسة جديدة لا تقل خطورة عن أحلام الشاه المجنونة وهي سياسة ما عرف ب (تصدير الثورة)!! والتي أختلف حول معناها ومغزاها!، فمن قائل أنها لا تعني في الحقيقة سوى تصدير (قيم الثورة الأخلاقية ومبادئها) عن طريق التبشير السلمي وهو حق متاح للجميع ولا ضير منه؟ بينما كان الواقع عكس ذلك تماما وبالمطلق؟ ودعا الإيرانيون في واحدة من أفظع لحظات التاريخ لشعارات إسقاط الأنظمة الإقليمية وإقامة الكيان الإسلامي الموحد على النمط الإيراني مع كل ما يعني ذلك من تشجيع لتيارات طائفية ودينية معينة للتحرك!! وقد شهدت المنطقة بسبب تلكم التداخلات واحدة من أبشع المآسي وهي الحرب العراقية/ الإيرانية المجنونة الطويلة (1980 / 1988) والتي قامت بسبب هوامش ذلك الشعار بالإضافة لأسباب أخرى ليس هنا مجالها!.

وقد حفلت تلك الحرب بجوانب مأساوية مرعبة لشعوب المنطقة وأدت لواقع جيو سياسي كان له الأثر البعيد في مستقبل المنطقة وهو عودة القوات الأجنبية لحماية طرق النقل البحرية للبترول منذ أيام حرب الناقلات إعتبارا من عام 1985، ثم حرب المدن، وحروب التدخل والإغتيالات والتفجيرات الصغيرة كما حصل في الكويت والسعودية والبحرين وتعطيل خطط التنمية وإستمرارية حالة الإستنزاف الإقتصادي المريعة والمكلفة، وفوق كل شيء فإن تلك الحرب المجنونة قد أسست لكارثة لا تقل سوءا إن لم تزيد الأوضاع كآبة و قتامة، وهي كارثة الغزو العراقي لدولة الكويت التي أجهزت على النظامين الإقليمي والدولي وكانت الولادة الحقيقية للنظام الدولي الجديد!، وكانت إيران وقتها تتفرج على مصرع خصمها اللدود السابق (النظام العراقي البائد) وتشمت على بلادته وغبائه! بل وتساهم في زعزعته من طرف خفي رغم حديث الشعارات الحماسية المعلن والذي دفع نظام صدام لحركته الغبية المعروفة في تصدير طائراته وإيداعها أمانة عند الإيرانيين لحين إنتهاء المعركة (أم المعارك)!! فشفطت إيران الصفقة ثم إدعت أنها لم تر طائرات!! وإن ما حصلت عليه كان جزءا من تعويضات الحرب السابقة!! وكان ذلك خازوقا سياسيا مريعا نجح الإيرانيون في إدارته وبقيت ملفاته مطوية حتى اللحظة!!، واليوم يكرر الإيرانيون ذلك المشهد القاتم والمثير للسخرية في جوانب عديدة، وتعود للواجهة عنتريات النظام العراقي البائد وأساليبه الإعلانية المقيتة في مرحلة ما قبل غزو الكويت حينما إدعى أن (التصنيع العسكري) قد نجح في صناعة (أواكس) عراقية!! وإن الصواريخ العابرة للقارات والتي أعطاها أسماءا ودلالات دينية كالحسين والعباس ستحرر فلسطين!! وإن (الكيمياوي المزدوج) وهو قنبلة الفقراء النووية قد أضحى سلاحا عراقيا ستراتيجيا!! وأن الجيش العراقي بإستطاعته هزيمة جيشا الولايات المتحدة وروسيا بالسلاح التقليدي!! وغيرها من المبالغات والتي على رأسها حشر موضوعة حرق (نصف إسرائيل)!! و التي يبدو أن حكومة (أحمدي نجاد) مولعة بها وهي لا ترى الدنيا إلا من خلال إستعراض عضلاتها وفق الأسلوب الصدامي السابق وإنتحال نفس الخطاب السابق وتكرار حكاية إن (إسرائيل في طريقها للزوال)!! وإستعمال مأساة الشعب الفلسطيني كلعبة في ألعاب المناورة السياسية، رغم أن الجميع يعلم بأن قوة النظام الإيراني الرئيسية تكمن في تهديد وإبتزاز دول الخليج العربي المسالمة والمنخرطة في مخططات طموحة للتنمية وبناء الإنسان فيما المشاريع الإيرانية والتي ستنتهي نهاية كارثية كما سنرى في القريب العاجل لا تهدف سوى لخداع النفس والإيغال في محاولات تحقيق الأحلام الآيديولوجية لتيار (الحجنية) السائد اليوم في إيران والمنتشر في العراق المجاور والذي أضحى ساحة لعب إيراني رئيسية وهو التيار الذي يراهن على الإسراع في تهيئة الظروف لإستحضار الإمام المهدي المنتظر والغائب بأسرع وقت!! ولو كلف ذلك الإنتظار والحلم مستقبل وحياة شعوب المنطقة!!... الخليج العربي يعيش على حافة الكارثة، وجنون الآيديولوجيا سيحيل المنطقة لقطعة من جهنم.. فما ترانا فاعلون؟... الله وحده يعلم.... وسترك يا رب؟.

[email protected]