بدءاً من الحرب التي لم تلقَ صدىً شعبياً (ولم يُعلَن فيها عن الانتصار حتى الآن) إلى فضيحة التنصت المثيرة للريب، مروراً بثأر البيت الأبيض المزعوم على أعدائه السياسيين، إلى المطالبة بلوم أو معاقبة الشعب على تسجيلهم نسبة تأييدٍ منخفضة، فإن ولاية بوش الثانية قد تصبح كولاية الرئيس السابق رتشارد نكسون.
ما يدعو إلى السخرية أن استنزاف القوة الرئاسية، الذي جاء عقب استقالة نكسون والهزيمة في فيتنام، هو ما حاولت إدارة بوش أن تعمل بعكسه. ويُعتبر حجر الزاوية في شرعية بوش ما إذا كان نجح أم لا في تجديد القوى الرئاسية وامتيازاتها، الأمر الأكثر أهمية من حملته لتطبيق الديمقراطية في الشرق الأوسط.
بعد هذا كله، يسرع مسؤولو الإدارة الكبار الى التأكيد على وجهة النظر البعيدة المدى حين تُناقش النتائج المستعصية على جبهة الإصلاح والهزائم المُدمِّرة في العراق.
ولكن المعارك المستمرة في المحاكم، وتحديات الديمقراطيين لسعيه بالحصول على القوة الدستورية، التي تضاءلت بعد ووترغيت، كان لهما هذا الاهتمام المباشر. وفي حال نجح بوش أو فشل، فإن النتيجة هي التي ستُعرّف عن رئاسته بوضوح ويكون لها تأثير على أتباعه.
وبعيداً عن احتجاز الرهائن بصورةٍ عشوائية في معتقل غوانتانامو، والاجراءات الأخرى المرتبطة بالحرب ndash; التي تعد حالياً المثال الأكثر وضوحاً على هجوم بوش الشديد على الامتيازات الرئاسية ndash; تجدر الإشارة إلى برنامج التنصت السري المحاذي لاجراءات الوقاية بعد حرب فيتنام. ونظراً لاستخدام نكسون وسائل التجسس لمراقبة أعدائه السياسيين، أعلنت إدارة كارتر عن قانون مراقبة المخابرات الأجنبية عام 1978. وقد أعادت محاكم قانون مراقبة المخابرات الأجنبية النظر في الأمر وصدّقت، في الحالات الاستثنائية، على مطالبة الحكومة باستخدام وسائل التجسس.
لم يكن ذلك مناسباً بما فيه الكفاية لكثيرٍ من المسؤولين الكبار المخضرمين منذ عهد إدارة فورد (1973-76) مثل رئيس هيئة الأركان السابق دونالد رامسفلد، ووكيله دك تشيني، الذين طالما عارضوا قيود قانون مراقبة المخابرات الأجنبية على السلطة الرئاسية.
وكما قال نائب الرئيس دك تشيني السنة الماضية، بعدما تسربت أنباء البرنامج السري لصحيفة quot;نيويورك تايمزquot;: يحتاج رئيس الولايات المتحدة إلى أن تكون له صلاحيات دستورية تامة من ناحية إدارة سياسة الأمن القومي. هذه وجهة نظري الشخصية.
بيد ان وجهة نظر سيناتور نبراسكا، والمنافس المتوقع على رئاسة الحزب الديمقراطي، روس فينغولد، مختلفة تماماً. فقد قدّم تشريعاً الشهر الماضي ينتقد فيه بوش لاستخدامه البرنامج.
ان معظم الأميركيين الآن قلقون بشأن الحرب في العراق، وأسعار الطاقة المرتفعة، ونظام الرعاية الصحية المزعِج، والنقاش حول إصلاح قانون الهجرة. وفي كل موضوعٍ من هذه المواضيع، لا يتفق ستون في المائة من الأميركيين مع معالجة بوش لها.
أضف إلى مشاكل الجمهوريين دور الاختفاء السياسي؛ فقد اختفت مطالبة بوش المتبجحة بالدعم الشعبي للحرب على الإرهاب وللأمن القومي. وحسب استطلاع quot;واشنطن بوستquot; الذي أُجري الأسبوع الماضي، كانت نسبة الموافقة على هذه القضايا تتذبذب حول 50 في المائة، وكان احتكاره لهذين الموضوعين في 2004 قد منحه الأفضلية على منافسه الرئاسي السناتور الديمقراطي جون كيري، كما منحت حزبه الأفضلية في سباقات الكونغرس المحتدمة.
وانتقالاً من السيء إلى الأسوأ، وهي النزعة المعتادة في منتصف ولاية بوش الثانية، تهدد مجموعةٌ من الفضائح باكتساح البيت الأبيض.
إذ ستعمل الأولى على التقليل من مصداقية بوش كقائدٍ أخلاقي ومدافعٍ وفيّ عن مصالح الأمن القومي الأميركية، بينما ستلحق الثانية الاساءة بسمعة الحزب الجمهوري، وستتسبب بضرر للعلاقات العامة مع البيت الأبيض.
وما زلنا بصدد التحقيق في تسرب هوية عميلة الاستخبارات المركزية، زوجة أحد نقاد الإدارة الرسميين والمشهورين، وهو سفير الولايات المتحدة السابق جوزف ولسون. فقد كشف المدعي الفيدرالي باتريك فتزجيرالد عن quot;خطة لتكذيب، أو لمعاقبة، أو للانتقام من ولسونquot;. واختتم تقريره بالقول: quot;من الصعب أن أتصور ماهية البيّنة التي يمكنها أن تدحض جهود البيت الأبيض لمعاقبة ولسونquot;.
وفي تحليلٍ لتقرير فتزجيرالد، أشار لاري ساباتو أستاذ السياسة في جامعة فيرجينيا إلى أن quot; سبب الأذى في هذا الأمر، يتلخص في أنه يذكّر الناس أن الاستخبارات كانت سيئة، وليس ثمة ما يشير الى وضع حد لاخطائنا في العراقquot;.
وما يعادل ذلك في الإشكال، الاتهامات الناشئة عن سباق مجلس هامبشاير الذي يحوي دليلاً تفصيلياً دامغاً يربط حملة الجمهوري السابق جيمس توبن بمكتب الشؤون السياسية في البيت الأبيض الذي كان يرأسه كين ميلمان، رئيس الحزب في الوقت الحالي. وقد ربح الجمهوريون ما كان يمثل سباقاً شديداً، إذ هزم جون سونونو الديمقراطي جين شاهين بـ 51% مقابل 46% .
وكان توبن قد اُدين مؤخراً بالتخطيط لتعطيل الهواتف في المراكز الديمقراطية. وتعطل أحد هذه المراكز، بينما أوقف مسؤولو الحملة الآخرين الخطة من أن تنفذ بشكلٍ كامل. ولكن في الأيام الثلاثة قبل وأثناء الانتخابات، رتب توبن عدداً من المكالمات إلى مكتب ميلمان. وكانت اجراءات التشغيل القياسية،حسب الجمهوريين، أن الديمقراطيين زعموا أن المكالمات أثبتت أنه كان على ميلمان أن يبقى حذراً من خطة توبن لتعطيل المكالمات. وإضافةً إلى هذه المؤامرة، يرفع الحزب من السندات المالية الخاصة بتوبن.
وحينما تضاف هذه إلى أرقام الاستطلاع المنخفضة الخطرة، فإنه يمكن لهذه الفضائح أن تعزز من التأييد الشعبي لتحرك فينغولد لانتقاد الرئيس، وخاصة إذا اجتذب هذا السيناتور عدداً كبيراً من المستقلين. ولكن الانتقاد لا يحل محل العقوبة، فهو ليس أكثر من ضربةٍ على اليد. بالإضافة إلى ذلك، فإن الواجهة الوحيدة من تصرفات بوش التي يمكن أن تُناقَش في جلسات الكونغرس ويكون فيها مستحقاً للانتقاد هي معالجته لبرنامج التنصت السري.
أخيراً، قد يؤدي طموح الرئيس الأعمى وولاؤه الخاطئ لبعض المسؤولين الذين لا يستحقون الثقة، وخاصة نائب الرئيس تشيني ووزير الدفاع رامسفلد، إلى هزيمة حزبه وتلطيخ سجله بشكلٍ دائم. المأساة الحقيقية هي أن القيم الأميركية التي طالما نادى بها في المحافل لم يعد لها سوى ذلك التأثير الضئيل في وطنه.
الارجح ان بوش سيكمل ولايته الثانية. ولكن السؤال: ماذا عن أميركا؟

كاتبة اميركية، عملت مساعدة لوزيرة الخارجية السابقة مادلين اولبرايت. النص الانكليزي للمقال على الموقع

www.moroccotimes.com
*ترجمة: سامية المصري