لا تكاد نقول أن مشكلة الأخوة الفلسطينيين ستحل، حتى تعود إلى نقطة الصفر مرة أخرى، لترفع الشعارات من جديد، ويتبارى الخطباء، ويتبادل (الزلمات) الاتهامات، لا فرق بين الفتحاوي العروبي، أو الحمساوي الإسلاموي، فهذا وذاك كشهاب الدين وأخيه، لافرق!
قضية فلسطين (مصّـتنا)، ودوختنا، وأفرزت الإرهاب، وهي سبب تخلفنا، وباعث كل أمراضنا الحضارية. هذه حقيقة أقولها ويقولها بالمناسبة أغلب الخليجيين.
ركضنا لأكثر من أربعين سنة خلف المسيو عرفات. صبرنا على (تبويسه)، وعلى (براطمه)، وعلى كذبه، وعلى نصبه، وعلى لعبه، وعلى كل حركاته ndash; كالأكروبات - في السيرك، وعلى تنقلاته المكوكية بين بلاد بني يعرب، كأنه مُكلف ببلاد العُـربِ يذرعها.
وفي النهاية جنينا بعد كل ما استثمرناه سياسياً ومالياً وحضارياً الفشل!

مات عرفات.
قلنا أن quot;أبومازنquot; أعقل، وأعمق، وأكثر موضوعية، وبُعداً عن الشعارات، و(الرقص) على طاولات المفاوضات كما كان سلفه عرفات.. غير أنه ظهرَ متهالكاً ضعيفاً هشاً يصلح أن (يُدير) شركة علاقات عامة، لا أن يرأس سلطة في بلد تنوء ب (العروبوية) و(الإسلاموية)، فيروسا تخلف بني يعرب، وتقوم أعراف أهلها على أن (السلاح) أفضل (لغة) لاستقطاب الأنصار، والتعامل في الشأن السياسي.
تراجع أبومازن إلى الوراء، وسلـّـمَ البيت والضّـبة والمفتاح إلى اللحى الفلسطينية، وسمح لنفسه أن يكون زعيماً لا يهش ولا ينش، ولا يملك من السلطة إلا اسمها، تماماً كأنه ( ديك ) ورقي عند خالته (إم سليم)!
لم تفز اللحى الفلسطينية لأنها الأفضل، أو لأن لديها مشروعاً جاداً للسلام، أو لأنها ستنقل الإنسان الفلسطيني من التخلف إلى الحضارة، وإنما عملاً بالمثل الذي يقول : (لا حباً بعلي ولكن بغضاً لمعاوية) ، أو (لا حباً بحماس ولكن بغضاً لفتح) !
غير أن الناخب الفلسطيني المغلوب على أمره إكتشف متأخراً أنه عالج الطاعون بفيروس الإيدز، فأصبح كذلك الأحمق المستجير من الرمضاء بالنار.
اللحى الفلسطينية التي أتى بها الناخب الفلسطيني بعد أن (يأس) من فتح، لا تعرف في السياسة إلا كما يعرف حمار بني تغلب على ما يبدو.
حمار بني تغلب ndash; كما تقول الأسطورة ndash; تـّعوّد على أن يسلك طريقاً واحداً عندما تغيب الشمس ويحل الظلام مؤداه بنو عبد قيس. تحاربت بنو تغلب مع بني عبد قيس، فركبَ أحد التغلبيين حماره ليذهب إلى (بني حنيفة) في الليل ليستنجد بهم، فذهب به حماره إلى بني عبد قيس بدلاً من بني حنيفة، فقد كان الحمار ndash; للأسف ndash; لا يعرف إلا طريقاً واحداً لا غير ينتهي ببني عبد قيس!
خالد مشعل العقل المدبر لسياسة الحماسيين وعلاقاتهم بالخارج، بدأ رحلات البحث عن المساندة والدعم بإيران كما هي العادة. كانت إيران على خلاف يكاد أن يتفجر بالغرب وبالخليجيين معاً بسبب السلاح النووي.. فلماذا إيران، وقبر الخميني، وليس السعودية، وقبر الرسول مثلاً؟.. يقول العارفون : لأن حمار بني تغلب لم يتعود إلا على مسار واحد.
عاد خالد مشعل من طهران بخفي حنين، ودعاء حار وتمنيات من (الأخ) أحمدي نجاد بأن يكلل (جهود) حكومته (الإسلامية) الفتية بالنجاح.
تورطت حماس بالحكومة، و اكتشفت أن (خزينة) أبوعمار - رحمه الله ndash; والتي كانت مُترعة بالمال الخليجي، قد تقاسمها الورثة، وتم تنظيفها بالمبيدات الحشرية خوفاً عليها من أن تصبح عشاً للصراصير، ولأن النظافة من الإيمان أيضاً !
تأكد الحماسيون أن تفخيخ الأجساد، وقتل البشر شيء، والعمل السياسي و الدبلوماسي شيء آخر.. وأن العلاقة بين العمل الثوري و العمل السياسي مثل العلاقة بين القتل و السلام. وهاهم الفلسطينيون على مشارف الفشل كما كانوا دائماً ، وليعودوا مرة أخرى إلى نقطة الصفر من جديد.
الآن..
وبعد أن دعمنا الفلسطينيين بكل ما أو تينا من مال ومن جهد، وبعد أن وظفنا كل علاقاتنا الدبلوماسية كخليجيين لخدمتهم، وبعد أن ذهب (عروبويو) فتح، وجاء (إسلامويو) حماس، وتأكدنا أن الحركتين وجهان لعملة واحدة، اتضح ndash; بصراحة - أن هذه القضية مستعصية على الحل، سواء كان الزعيم (شهاب الدين) العروبي أو (أخاه) الإسلامي، والسبب أن ثمة (طحالب) تتغذى على بقاء القضية الفلسطينية دون حل، وحلها هو نهايتهم لأن هذه الطحالب ستتعرض للشمس لأول مرة. فهل نحن الخليجيين نخدم (طحالب) أم نخدم قضية بشر؟.
لذلك دعوا الفلسطينيين يواجهون واقعهم، وخياراتهم السياسية، وأوقفوا الدعم، ليضطروا اضطراراً للسلام.
هذه هي الحقيقة التي لا بد من مواجهتها بكل جرأة وصلابة يا أبناء الخليج.