وصفت ثلاث من أكبر الصحف البريطانية ما وقع في وسط القاهرة يوم الخميس الماضي بأنه quot; مقدمة لمخاض quot; جديد شمل كافة أطراف المجتمع المدني المصري، وذلك عندما خرجت غالبية العناصر المحركة إيجاباً وسلباً لديناميكية الإصلاح مطالبة بنصرة القضاة في موقفهم المطالب بالاستقلال من ناحية وتصدت لهم قوات الأمن بالقمع والاعتقال من ناحية ثانية..
تقول صحيفة الاندبندنت أن احتشاد المئات من النشطاء المصريين حول بناية دار القضاء العالي قبل ساعات من بدء محاكمة القاضيين هشام البسطاويسى ومحمود مكي بتهمة quot; تشويه صورة القضاء quot;، يؤكد أن الجماهير تُصدق ما جاء على لسانيهما في شهر سبتمبر الماضي عندما أعلنا أن الاستفتاء على تغيير المادة 76 من الدستور quot; شهد تزويراً واسع النطاق quot; وان نسبة الإقبال التي أَعلنت عنها الجهات المختصة quot; كانت غير دقيقة quot;..
وتقول الصحيفة أن القضاة عندما قالوا إن لديهم أدلة مصورة على هذا التزوير، كانوا يلفتون نظر أطراف المجتمع المصري كله إلى quot; عمل لا يتسم بالشفافية quot; لا بد أن تتصدى له الجهات التنفيذية المسئولة بالجدية اللازمة لإثبات عدم مصداقيته بعرض أدلة دامغة تؤكد نزاهة الخطوات التي اتخذتها وصحة البيانات التي اعتمدت عليها، أو بالإعلان صراحة عن صحة ما قُدم إليها من أدلة quot; حدوث وقائع تزوير quot; ثم تقوم بالتحقيق فيها وتقديم من يثبت quot; تلوث يداه بهذه الجريمة quot; إلى المحاكمة..
ما حدث من وجهة نظر الصحيفة هو العكس، حيث بدأ التنافر بين أجهزة الحكومة وعدد كبير من القضاة الذين تمسكوا برأيهم وفتحوا الأبواب أمام منظمات المجتمع المدني وبعض قوى المعارضة لكي تعترض على الكثير من الإجراءات التي ترى أنها غير منطقية.. و تذكر الحكومة بوعود لم تف بها.. وتصر على أن تكون خطوات الإصلاح السياسي والاقتصادي حقيقية وملموسة.. وتطالب بحقها في المشاركة quot; الفعلية والفعالة quot; في صنع القرار الذي يمس أمنها على كافة المستويات..
أما صحيفة صحيفة الديلى تلجراف فأشارت إلى أجواء التوتر والاحتقان التي عاشها من كانوا بداخل دار القضاء العالي ومن تظاهروا حوله، ونشرت قتامتها على قوات الأمن التي فرقت المتظاهرين بالعنف والقمع والتحرش واعتقلت العشرات منهم، وعلى النشطاء الذين خرجوا للتعبير عن مطالب تمس حقهم في الحياة الحرة الكريمة الطبيعية.. والتي فرضت شريعة الغاب على مجتمع ذو حضارة عريقة حين تصادمت وجهات النظر فيه بين فريقين أحدهما لا يملك إلا أن يرفع صوته مطالبا بالإصلاح، بينما يلجأ الثاني إلى إسالة الدماء وقصف الأقلام وتكميم الأفواه والتعريض بوسائل التعبير المحلية والإقليمية والعالمية..
وفى حين أشارت الصحيفة إلى تصريح البرتو فرنانديز المتحدث باسم الخارجية الأمريكية الذي قال quot; لدينا قلق كبير من الأحداث الأخيرة سواء القبض على المتظاهرين أو الإصرار على عدم استقلالية القضاء وهدر حرية الصحافة المحلية quot;.. قالت أن الإدارة الأمريكية وان كانت تميل إلى مواصلة تقديم الدعم السنوي للحكومة المصرية والذي يبلغ حوالي 2 مليار دولار، إلا أن الكونجرس ربما سيكون له رأى آخر عندما يحين موعد النظر في استحقاق quot; دفعة الدعم التالية quot;..
الأمر بدا مختلفاً عند رئاسة تحرير صحيفة الفينانشيال تايمز حيث صرفت كل اهتمامها ناحية ما تعرض له الصحافيون المصريون والأجانب على أيدي أجهزة الأمن المصرية، فقد وصفته بأنه quot; أكبر اعتداء يتعرضون له أثناء قيامهم بتغطية وقائع واحدة من التظاهرات التي تشهدها ميادين مختلفة حول العالم كل يوم دون ان يلاقوا نفس المصير السيئ الذي تعرض له زملاء لهم في وسط العاصمة المصرية quot;.. تقول الصحيفة quot; لقد شنت قوات الشرطة حملة اعتداءات عشوائية ضد ممثلي الإعلام المصري والأجنبي على حد سواء quot;.. ونقلت عن مندوب وكالة رويترز أن قوات الأمن المـَدنية اعتقلت ستة على الأقل من الصحفيين، وقال الرجل انه شاهد مراسلة لوكالة أنباء أجنبية تسقط بين أرجل رجال الأمن ولا يهتم بها أحد ..
وتضيف الصحيفة أن اهتمام رجال الشرطة تركز حول مصوري الأخبار لمنعهم بكافة السبل عن أداء مهمتهم التي تتمحور حول نقل صورة واقعية لما يشهده المجتمعة المصري المدني من مواجهات غير متكافئة مع أجهزة الأمن quot; فالمصور التركي صودرت الكاميرا التي كانت معه وألقى القبض على مصور تلفزيون دولة قطر واختطفت الكاميرا التي كانت مع فريق فضائية الجزيرة الإعلامي quot;..
هذا الاحتقان الذي لاحظت هيئة الإذاعة البريطانية تصاعده في الآونة الأخيرة لأسباب متعددة منها : توقف عجلة الإصلاح السياسي وانتقالها من خانة التفعيل إلى مرحلة التعطيل ومنها تفشى الفساد والإفساد ومنها تدنى قيمة المواطن المصري ومنها تزايد المواجهات الدامية بين المواطنين المصريين ومنها تكتل رجال السياسية مع رجال الأعمال ضد الصالح العام ومنها القوانين سيئة السمعة المقيدة للحريات ومنها تدنى مكانة مصر وعدم اهتمام نظام حكمها بأمن الوطن سواء داخلياً بإهمال كل ما يعود على أبنائه بالنفع أو خارجياً بإدارة الظهر لما يحدث في فلسطين والعراق والسودان وسوريا وإيران.. لا يبشر من وجهة نظر محلليها بخير..
وهناك من المحللين من يربط بين الإرهاصات التي يعيشها المجتمع المصري منذ أكثر من عام وبين ما شهدته الأشهر التي سبقت اغتيال الرئيس أنور السادات ويتساءلون : هل يكرر التاريخ نفسه، أم أن هناك على القمة في مصر من يقرأ ويعي ويستوعب ويستخلص النتائج وينفذ الحلول التي تحافظ على مصر من الانهيار ؟؟..

استشارى اعلامى مقيم فى بريطانيا
[email protected]