ما الذى يجرى فى مصر؟ وهل سيتمخض هذا الحمل عن تغيير حقيقى ام فوضى؟
وهل الوحشية التى يتبعها النظام المصرى ستؤدى إلى عصيان مدنى ام وأد لكل الأصوات المعارضة ودفن الأصلاح؟ وهل اعطت امريكا لنظام مبارك الضوء الأخضر لقمع المعارضة حتى لا يتكرر نموذج حماس فى مصر؟ وهل زيارة جمال مبارك لواشنطن مؤخرا كانت من آجل هذا الغرض وليقبض ثمن مساعدة مصر فى أفشال حماس ولو ظاهريا أمام الامريكيين؟.
أسئلة كثيرة تدور فى ذهن المتابع للشأن المصرى وما يدور على الساحة المصرية هذه الأيام ولكن للأسف الصورة محزنة والاحوال متدهورة والنظام مصرمستمر فى لعبته القديمة الممجوجة بتدمير كل قوى الأصلاح والتغيير والليبرالية، وكان اخر ذلك الحكم الظالم الجائر على ايمن نور الذى أيدته محكمة النقض بحبسه 5 سنوات، ليظل فى الساحة هو والقوى الظلامية الأخرى وهى الاخوان المسلمين وتكون الخيارات امامنا بين أسلام حكومى متطرف وأسلام أخوانى أكثر تطرفا.رجعنا مرة أخرى إلى المربع رقم واحد الذى حظر منه الجميع فى الغرب والشرق بعد 11 سبتمبر والذى أنتج التطرف والأرهاب الدولى ،وهو إسلام حكومى يروج للعنصرية والتطرف وإسلام حركى يختار من هؤلاء من يصلح لينضم إلى قافلة الأرهابيين..
الأوضاع لا تبشر بكثير من الخير فيما يتعلق بأوضاع الإنسان المصري وحالة الديموقراطية وحقوق الإنسان في مصر، فالشارع المصري يتنازعه الرغبة في التغيير مع هوس ديني غير مسبوق يجعل التغيير قد يكون كابوسا، ومع ارتفاع سقف تطلعات المواطن المصري نحو التغيير أرتفع أيضا سقف طموحات جماعة الأخوان المسلمين الذين يبذلون جهدا غير مسبوق لركوب الموجة والمزايدة على التغيير ومحاولة دفع البلاد إلى حالة من الفوضى يدركون أنهم سيكونون أول المستفيدين منها، وفي نفس الوقت يركبون على كل الحركات الأخرى التي تسعي للتغيير للتأثير عليها تارة واختراقها تارة أخرى أو محاولة تأميم نتائج جهودها لصالحهم حتى أصبح الأخوان المسلمون ومن يدور في فلكهم كالوباء ينفرون الغرب والشرق معا من هذا التغيير المرتقب.
وفى نفس الوقت الأوضاع متدهورة فى مصر سياسيا واقتصاديا واجتماعيا فكافة التقارير التي صدرت عن منظمات دولية ذات سمعة محترمة كلها تصنف مصر في مؤخرة دول العالم على كافة المستويات.
ففي دراسة مؤخرا أعدها البنك الدولي عن الفقر في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا جاءت مصر واليمن في ذيل القائمة، حيث أن هناك 45% من الشعب اليمنى يعيشون على أقل من دولارين في اليوم في حين أن هناك 44% من الشعب المصري يعيشون أيضا على أقل من دولارين في اليوم.
وفي أحدث تقرير لمنظمة quot;فريدوم هاوسquot; عن الحريات السياسية والمدنية لعام 2006 جاءت مصر أيضا في ذيل القائمة، فوفقا لتصنيف منظمة فريدوم هاوس هناك ثلاثة فئات: دول بها حريات ،ودول بها حريات جزئية، ودول لا يوجد بها حريات، والدرجات هي من 1-7 حيث تكون الدولة بها حريات كاملة إذا حصلت على درجة (1) وتكون خالية تماما من الحريات إذا حصلت على درجة (7)، وبالنسبة لمصر فيما يتعلق بالحريات السياسية Political Rights جاءت مصر في فئة لا يوجد حريات بمجموع درجات (6) وفيما يتعلق بالحريات المدنية Civil Liberties أيضا صنفت مصر ضمن مجموعة لا يوجد حريات بمجموع درجات (5).
أما بالنسبة لحرية الصحافة والأعلام فجاءت مصر في مرتبة متأخرة أيضا فوفقا لتقرير منظمة quot;مراسلون بلا حدودquot; لعام 2005 جاء ترتيب مصر رقم 143 ضمن 167 دولة رصدت المنظمة أوضاع الصحافة فيها.
أما بالنسبة للشفافية والفساد فوفقا لأخر تقرير أصدرته quot;منظمة الشفافية الدوليةquot; لعام 2004 جاء ترتيب مصر رقم 77 ضمن 146 دولة قامت المنظمة برصد معدلات الشفافية بها، أما بالنسبة للفساد فقد قدرت المنظمة حجم الفساد في مصر 69% من جملة المعاملات التي تتم في المجتمع المصري، وقد قال لي خبير مصري أن هذه النسبة لا تعبر في الواقع عن الحقيقة إذ أن معدل الفساد أعلى من ذلك بكثير حيث يندر أن تتم معاملة بدون فساد أحد طرفيها.
أما بالنسبة لمؤشر الديموقراطية، وفقا للدراسة التي أعدها مركز المعلومات التابع لمجلة إيكونوميست عن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فقد حصلت مصر على 3ر4 من مقياس 10 وبالتالى رسبت مصر أيضا في اختبار الديموقراطية في حين حصلت إسرائيل على 2ر8 من عشرة درجات لتتصدر أعلى معدلات الأداء الديموقراطي في الشرق الأوسط شمال أفريقيا.
أما بالنسبة لأفضل 500 جامعة في العالم عن عام 2004 وفقا لتصنيف معهد الدراسات العليا التابع لجامعة تونج الصينية، فخلت مصر والدول العربية من أي منها في حين يوجد فى إسرائيل 7 جامعات وأمريكا على رأس القائمة (170) جامعة، وحتى جزيرة نيوزيلندا المعزولة عن العالم بها 3 جامعات ضمن أفضل خمسمائة جامعة في العالم، أما مصر التي كان بها أحد أقدم معاهد العالم في الفلسفة واللاهوت وهى مدرسة الأسكندرية فخلت من أي جامعة محترمة.
والجامعات العشر الأولي كما جاء في التصنيف هي: هارفارد ببوسطن، استنافورد، كاليفورنيا، كمبيردج بريطانيا، بركلي كاليفورنيا، MIT بوسطن، معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، برينستون نيوجيرسي، أوكسفورد بريطانيا، كولومبيا نيويورك، جامعة شيكاغو بشيكاغو.
وحتى لا نظلم مصر فقد تفوقت في إحصائيات أخرى حيث خرج منها ثلث إرهابي العالم ورؤسهم الكبيرة وفقا لدراسة فرنسية، وبها أكبر جامعة في العالم من حيث العدد وهي جامعة الأزهر وفقا لتصريحات رئيسها عام 2005، وقد صدرت بها كميات لا بأس بها من الفتاوى المتخلفة والتي طال بعضها تكفير مفكرين وفنانيين، وتنافس أجهزتها الأمنية والمخابراتية أبو مصعب الزرقاوي ورفاقه في إرسال الفتاوى بالقتل للمفكرين والكتاب الأحرار بتوقيع أسماء أسلامية وهمية.
والأزهر يقوم بنشاط لا ينكر في مصادرة الكتب وإرهاب المفكرين ونذكر على سبيل المثال وليس الحصر فخلال العامين الماضيين تم مصادرة رواية quot;ريح الجنةquot; لأن مضمونها يتهم المسلمين بالقيام بتفجيرات 11 سبتمبر، ومصادرة رواية quot;سقوط الأمامquot; لنوال السعداوى لأنها تتعارض مع ثوابت الأسلام، وكتاب quot;الماسونية ndash; ديانة أم بدعةquot; من تأليف إسكندر شاهين لأنه يروج للماسونية كما ذكر تقرير الأزهر، وكتاب quot;نداء الضميرquot; لمؤلفه على يوسف بزعم أنه يشكك في السنة، وكتاب quot;مدينة معاجز.. الأئمة الاثني عشر ودلائل الحج على البشرquot; لمؤلفه سيد هاشم لأنه شيعي، وديوان quot;وصايا في عشق النساءquot; للشاعر أحمد الشهاوى لأنه فى رأيهم يحض على الفسق والفجور، وكتاب quot;الإسلام ليس عقيدةquot; لعبد الغني محمد، وكتاب آخر لأنه يهاجم الوهابية وهو quot;كشف الارتياب في إمامة بن سعود وبن عبد الوهابquot; وهو من تأليف لجنة البحوث بالطريقة العزمية، وكتاب quot;جهد الدين الانفراديquot; لمحمد بن صابر لخروجه عن الذوق العام، وكتاب quot;استحالة ظهور المسيح الدجالquot; وكتاب quot;حوار مع جن مسلمquot; لمصطفي عيسي وكتاب quot;البدوي الأخيرquot; ومنع دخول كتاب quot;دراسات النبوءات الإسلاميةquot; ل ديفيد كوك ومصادرة كتاب quot;الإمام المهدي واليوم الموعودquot; لمؤلفه خليل رزق ومنع تداول وتدريس كتاب quot; النبىquot; لجبران خليل جبران وما خفي كان أعظم.
و يمتد الأرهاب الفكرى ليؤذى الكتاب فقد حبس الباحث الأزهري على متولي ثلاث سنوات بسبب إجازته زواج المسلمة من المسيحي واليهودي، وقضي ثلاث سنوات في السجن وأفرج عنه 24/4/2006، وحبس صلاح الدين محسن ثلاث سنوات أيضا عن كتابه quot;ارتعاشات تنويريةquot; والآن يعيش كلاجئ في كندا. وفصلت جامعة الأزهر أحمد صبحي منصور لأنه شكك في السنة، وفصلت مؤخرا الطالب عبد الكريم نبيل سليمان لأنه هاجم المتطرفين الإسلاميين الذين تسببوا في أحداث الإسكندرية ضد الأقباط في أكتوبر 2005 في مقالة على موقع عراقي على الانترنت وهو الحوار المتمدن، وأحدث ضحايا الأزهر هو إحالة أثنين من الباحثين الأزهريين للمحاكمة، يوم 10 مايو 2006 بتهمة إنكار يوم القيامة والصلاة وهما حسن (62عاما) ورضوان (30 عاما) كما جاء فى تقرير العربية نت بتاريخ 10 مايو 2006.
ووفقا لموقع شفاف الشرق الأوسط فإن محمد عمارة كتب تقريرا يكفر نصر أبو زيد مرة أخرى عن بحثه quot;فلسفة التأويلquot; عقب رجوعه إلى مصر بعد هروب لمدة 8 سنوات من جراء تكفير سابق صدر ضده من عبد الصبور شاهين وتسبب فى حكم جائر بتفريقه عن زوجته.
كما كفر الأزهر العفيف الأخضر وحيدر إبراهيم والشاعر اودنيس أثناء انعقاد مؤتمر المجلس الأعلى للثقافة حول تجديد الخطاب الديني عام 2004 كما ذكر موقع شفاف الشرق الاوسط... والقائمة تطول .
ولوزير الخارجية المصري الهمام أحمد أبو الغيط الفضل في تفجير أزمة الرسوم الدينماركية، كما ذكرت نيويورك تايمز حيث نقلها إلى منظمةالمؤتمر الإسلامي في اجتماعها بجدة ومنها انطلقت الحملة التخريبية لتطول أماكن كثيرة في العالم.
وحتى الحريات الأكاديمية لا تخلو من رقابة الأزهر والإسلاميين حيث تم مصادرة ثلاثة أبحاث في جامعة عين شمس فى اغسطس 2005 بناء على طلب الأزهر
لانها تسئ للاسلام بطرحها موضوعات الحادية ،وفي تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش بتاريخ 9 يونيو 2005 تحت عنوان quot;الاعتداءات على الحريات الأكاديمية في مصرquot; ذكرت أن الحكومة المصرية تخنق الحرية الأكاديمية في الجامعات عن طريق فرض الرقابة على الكتب الدراسية، وحظر الأبحاث التي تتناول قضايا جدلية، وترهيب نشطاء الطلبة، كما تتقاعس السلطات عن حماية المواطنيين من النشطاء الإسلاميين الذين يعتدون علنا على الأساتذة والطلاب بأساليب شتى مثل الإهانات اللفظية، والاعتداءات البدنية ، ورفع الدعاوى القضائية، لمنعهم من بحث قضايا دينية أو أخلاقية جدلية.
أما تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية عن التعذيب في السجون وأقسام الشرطة المصرية، والاختفاء القسرى، وأحكام الطوارئ ، وأنتهاك حقوق المرأة، ومطاردة نشطاء المجتمع المدني، والسجناء السياسيين، واضطهاد الأقباط فحدث ولا حرج، فهناك عناوين كثيرة لتقارير دولية تشعرك بالألم مثل quot;الدعوة للإصلاح في مصر تواجه بالوحشيةquot; ، quot;حبس المعارض أيمن نور بتهم ملفقةquot;، quot;قيود حديدية على منظمات المجتمع الدوليquot;، quot;المسيحيون في مصر يتعرضون لموجات مستمرة من العنف وسط تؤاطي حكومي رسميquot; ... الخ.
ضمن العديد من الأسباب أستطيع أن أوجز رؤية المجتمع الدولي لمصر مؤخرا وسمعتها المتردية على كافة المناحى لسببين رئيسيين.
الأول: النكوص الواضح لنظام الرئيس مبارك عن الإصلاح الذي وعد به أثناء حملته الرئاسية ووعوده التي قدمها للغرب في هذا السياق ، وهذا التراجع مصحوب بوحشية تتزايد يوما بعد يوم في قمع المعارضة والمجتمع المدني ودعاة الإصلاح، مع استمرار سياسة الفساد والبلطجة والقمع متعدد الأوجه.
الثاني : تزايد اضطهاد الأقباط في السنة الأخيرة بشكل ملحوظ ،وأشير هنا أن أحدث الاعتداءات على الأقباط في الإسكندرية في 14 أبريل الماضي، والذي كان يوافق الجمعية العظيمة في الغرب، حظي بتغطية إعلامية غربية لم أراها من قبل في العشر سنوات الأخيرة، وخروج المتطرفين بالسيوف في شوارع الإسكندرية تحت نظر مراسلي الصحف الكبرى ووكالات الأنباء ووسط تواطيء وتحريض أمني لا تخطئه العين، قد كشف مرة واحدة أكاذيب النظام المصري التي يردها منذ ربع قرن عن أوضاع الأقباط، وتهاوت الثقة لدي الغربيين في نظام الرئيس مبارك وتصريحاته وتقارير حكومته الملفقة.
إلى أين تتجه مصر؟ وما هي السيناريوهات المتوقعة لفترة القادمة؟ وما هو دور امريكا فى هذه السيناريوهات؟
هذا ما سوف نستكمله في المقال القادم.
[email protected]
التعليقات