شهدت تجربة مبكرة في عالم الصحافة الورقية، كنت في السنة الأخيرة من الثانوية العامة حين نشر لي أول موضوع صحفي في جريدة الرياض السعودية، قبل أكثر من عقد ونصف، واكتشفت حينها خطوه من بداية العالم!
وجدت عالما جديدا ومثيرا يفتح أبوابه، مارست الركض بلا توقف في مهنة الصحافة إلى جانب دراستي الجامعية، وأخذتني معها الصحافة إلى أول التحولات، حيث تنازلت عن دراستي العلمية إلى الأدبية، ودراسة الصحافة، كان التجديد في الصحافة الورقية سريعا، أو كنت اعتقد انه كذلك حينها، مرت سنوات الجامعة بسرعة وquot;الإغراء الصحفيquot; لا يمكن إلا أن أتذكره بحب.
بعد أن عملت في أكثر أقسام الصحيفة، وجدت الفرصة بعد ست سنوات بين الدراسة والعمل الصحفي الحر، ثم التفرغ الكامل، للذهاب إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لدراسة اللغة الانجليزية، حيث تميزت جريدة الرياض عن باقي الصحف السعودية بمنح بعض صحافيها فرصة الذهاب إلى دراسة اللغة الانجليزية، كانت الفرصة مواتية لأكون في العام 1996 في إحدى ضواحي أمريكا الصغيرة،كمبتدئ في دراسة اللغة، وكان ذلك العام يشكل احد ابرز سنوات الانفجار المعرفي والشعبي والتجاري لشبكة المعلومات العالمية الانترنت، والتي كنا نسمع و نقرا عنها_ مثل حلم- لم نكن واثقين من وجودها.
ومرة أخرى، خطوة عالمية ثانية- هكذا كنت اعتقد، أو كذا افعل دائما، إغراء جديد دفعت قيمته من دراسة متعمقة للغة، إلى اللهو بالانترنت، والغلو بهذه الشبكة المترابطة بالحاسبات على امتداد الكون، أصابني بذهول حتى اللحظة.
وبعكس الأسلوب العربي كان معمل الحاسب الالي مفتوح طوال الوقت لكل من يحمل بطاقة جامعية، وفي مكتبة الجامعة يوجد العشرات من الأجهزة المتاحة لاستخدام الطلاب، وبجهل باللغة والحاسب، كانت المحاولات مستمرة للمسك بزمام أهم عاملين معرفيين في العصر الحديث،وكلما تطورت اللغة تطور استخدام الانترنت ومعرفتها.
وحين عدت إلى معقل جريدة الرياض في السعودية آخر العام 1998 لم تكن الانترنت ولدت رسميا في السعودية، كان الاتصال يتم عن طريق البحرين..! وعن طريق شركات غير معروفة، لكن الإغراء كان ملحا وكلفا، أو ذلك كان ابرز اعرض الإدمان، أو قوة الإدمان في مقدماته.
حينها لم تكن لدى الصحف مواقع مستحقة على الانترنت، كانت هناك مواقع بسيطة لمطبوعة على الأكثر، وكان الحديث ساخنا حول تشريعات الانترنت وبدايتها الرسمية في البلاد والتي تأجلت أكثر من مرة لأسباب فنية او إدارية، لكن في العام 1999 حلت الانترنت بشكل رسمي في البلاد. وكانت الفرصة مواتية لأتقدم بمشروع بناء أول موقع لجريدة الرياض السعودية على الانترنت، ليتم إنشاء أول إدارة انترنت بالصحافة السعودية، قامت على إعداد وتنفيذ أكثر من موقع للجريدة ومؤسسة اليمامة الصحفية، إضافة إلى القيام بمهام إصدار صفحتين يوميتين بالجريدة تعنى بالانترنت والاتصالات.
وللمرة الثالثة وجدت المسار يتحول من الجانب الصحفي إلى الجانب التقني، لكن هذه المرة المعلوماتية، وتحديدا في شبكة الانترنت.
كان بعض الزملاء يرونه ابتعادا عن الصحافة، وكنت أجده توجها إلى صحافة أخرى، وخلال سنوات شاركت فيها في بناء مجموعة من المواقع العربية وإداراتها على الانترنت، كان الإيقاع يتسارع بشكل مذهل ومغري، حيث بناء موقع جريدة الشرق الأوسط ndash; المتعدد اللغات- وسيدتي والاقتصادية ومجلة المجلة، وكافة مواقع المجموعة السعودية للتسويق والنشر.
اليوم استقر المقام مع الصحافة الالكترونية، في أعمق تجربة لها، حيث إيلاف الجريدة الالكترونية العربية الأولى والأشمل، والتي أصبحت رقما مهما في الصحافة الالكترونية ومؤسسة لها.
تميزت إيلاف بكونها مولودا شرعيا من الانترنت ولها، تأخذ روحها وتعمل بنسقها، لتفتح نوافذ جديدة أكثر اتساعا، او لنقل نافذة من لا نافذة له!
الصحافة الورقية والزملاء العاملين فيها طالما وجدوا في إيلاف، عملا صحفيا راقيا في الصياغة والتحليل، ومساحة حرة للكلمة والتعليق، وهذا ما صرح فيه بشكل مباشر أكثر من زميل صحفي في أكثر من وطن عربي.
المصادفة الأجمل توقيت ارتباطي ومشاركتي لطاقم إيلاف الالكتروني، في فصل جديد من استمرار هذه الولع، فيما العزيزة تحتفل بالقفز نحو عامها السادس.
اتذكر ان الانترنت حين انطلقت في نهاية الستينيات كان من اشتركوا في تصميمها يضعون في اعتبارهم شبكة للاتصالات العسكرية تؤمن استقرار عملية القيادة والسيطرة في حال التعرض لهجوم نووي من قبل الاتحاد السوفيتي حينذاكrlm;..rlm; لم يخطر ببال أي من هؤلاء أن تتحول هذه الشبكة لتكون هي محور التنمية والتقدم في العالمrlm;!.ايضا لم يخطر في بالهم ان صراع قوى نووية وصل الى منطقة الخليج وان جريدة الكترونية هي ايلاف تقدم رصد وتحليل للاجواء،بشكل غير مسبوق.
كما ان فين سيرف كلمة الانترنت إلي قاموس الشبكات، لم يدرك أن البروتوكول الخاص بالاتصال الذي يستخدم في هذه الشبكة سيكون هو البروتوكول الذي يحوي في داخله كل بروتوكولات الاتصال في العالم، وان جيلا جديدا من الاعلام الرقمي سيولد في رحم هذه الشبكة....
ان حرية الإنترنت والحفاظ عليها تحد أساسي ومتزايد في الوقت الحالي. ففي فترة قصيرة ـ بصورة تبعث على الدهشة ـ أصبحت الإنترنت أهم مورد للأخبار والمعلومات في التاريخ، كما أصبحت محفزا على الإبداع والابتكار. واستطاعت أن تثبت أنها قوة بالغة الفعالية في توفير الحرية في مختلف أركان القرن، بتمكينها حوالي الباحثين من الاشتراك في الوثائق والمعلومات، وتمكينها بليون إنسان ـ في كل لحظة ـ من التواصل مع بعضهم البعض.
وذلك لا يمنع أننا نعارض الممارسات المحظورة التي تتم عبر الإنترنت، مثل انتهاك حقوق النشر، واستخدام الأطفال في مواد إباحية، والتحريض الإجرامي على ارتكاب أعمال العنف.
ولعل بوسعنا القول إن حرية الإنترنت فرع من حرية التعبير التي يصونها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وقانون حقوق الإنسان.