*كيف تتحدث فى الموبايل ساعتين بخمسين قرش فقط؟؟؟؟
*التحذير من الرادار بالنور المتقطع ووصلات الدش الشعبى هى تنفيس عن القهر وإنتقام سرى من السلطة
* إخترعنا ثقافة التحايل والإنتقام من المفترى فى السر!.
إقتحم صديقى غرفة الكشف فى العيادة وصرخ وقلبه يكاد يقفز من بين ضلوعه :الحمد لله..الحمد لله إنى ماسمعتش كلامك وصممت إنى مابيعش المحمول بتاعى وفضلت محافظ عليه حتى آخر رمق!، وعندما أخبرته أننى لم أتصور أن محموله يعد ثروة قومية وضميراً وطنياً يجب الحفاظ عليه والموت فى سبيله إلى هذا الحد، رد على وهو يهز رأسه من الأسى والرثاء لحالى :تليفونى النوكيا ال 3310 الذى كنتم تشبهونه تارة بالشبشب وتارة بالقبقاب وتسخرون منه ومن ضخامته ونغماته المعيزى وشكله غير الرومانسى وملمسه الفلاحى، هذا التليفون صار كنزاً الآن تتسابق محلات المحمول على شرائه وإستبداله بنوكيا 6600 أبو كاميرا وبوليفونيك الذى يبلغ أربع أضعاف ثمنه، وشركات المحمول تريد بالتعاون مع وزارة الداخلية سحبه من السوق إجبارياً وتجريد الغلابة من ثروتهم النوكيية الغالية، وتنفس صديقى الصعداء وهو يقول :أخيراً سأستطيع أن أعيش حياتى بدون ميسد كول!، وسألت صديقى العزيز عن سر هذه الفرحة وكيف إكتشف فجأة أن تليفونه أصبح ثروة قومية بعد أن كان يريد التخلص منه وبرغم محاولاته المتكررة للتملص منه إلا أنه كان يعود إليه كمركوب أبى القاسم!، طبق الصديق أمام عينى تجربة عملية لإثبات أن النوكيا 3310 أهم موبايل فى العالم، قال صديقى لافض فوه : شوف يامسكين يابتاع البيزنس وإسمع كلام أخوك أبو كارت، موبايل ال3310 بتاعى هو الوحيد فى العالم اللى بطاريته ممكن تتشال من الطرف السفلى وتقدر تطلب منها، وعندما إندهشت معلناً غبائى فى فهم هذه التكنولوجيا المصرية المتقدمة، قام الصديق بتجربة عملية أمامى وقال لى عايز تشوف وأعلمك كيف تسرق شركات المحمول بدون معلم؟، وبالفعل إنعقد لسانى وأصابنى الوجوم، فقد فتح الصديق باب موبايله ورفع البطارية من الطرف السفلى وطلب نمرتى وبعد أن فتحت الخط عليه لم يقف قلبه كعادته عندما كنت أفتح الخط وأكلفه بل إبتسم ملء شدقيه وزحزح الشريحة ودفعها لتقع تحت البطارية وهكذا خرج من حساب كمبيوتر شركة المحمول وظل الخط مفتوحاً وقال لى ماتقفلش لإنى سأتكلم فى التليفون ساعة بالغيظه فى بتوع المحمول إن شالله أغنى الأطلال وأجعر زى ماأنا عايز، وبعد ساعة وجدت رصيده لم ينقص إلا خمسون قرشاً بالتمام والكمال!، لاأكذب عليكم إنبهرت وكأننى فى السيرك أمام ساحر يخرج الأرانب من القبعة ويخرج الكتاكيت من مناخيره فقد كانت آخر معلوماتى عن الفهلوة المصرية إستعمال قطعة صفيح بدلاً من العملة فى تليفونات كباين الشوارع، وأخرج الصديق لسانه لى وهو يصفق الباب وراءه ويخرج نافخاً صدره بإكتشافه المذهل مزهواً بنفسه وكأنه مبلبع طن فياجرا، وكأن كل مشكلة حياته كانت الحديث فى المحمول، وعندما قابلته فى اليوم التالى قال لى إن فيه مشكلة واحدة تؤرقه الآن وهى أن إبنه الصغير ضبطه متلبساً وهو يتحدث فى المحمول الذى إستغنى به عن تليفون البيت فأصبح يتحدث محلى وترنك ودولى من المحمول وبخمسين قرش بس، والمشكلة إن إبنه سأله سؤال مباشر وصريح وصادم : مش اللى إنت بتعمله ده يابابا حرام، مش دى سرقة؟، وتلعثم الأب الصديق أمام سؤال الإبن المباغت ولم يستطع الرد بسرعة فهو لايريد أن يتورط فى وعد لطفله الصغير بألا يستخدم الموبايل ويفقد بإرادته نشوة وأورجازم التحدث والرغى ببلاش، ولايريد أيضاً أن تهتز صورته أمام ضناه فيفقد الإبن القدوة ويطلع غشاش وحرامى وحينها سيخرس الأب لأنه هو الذى هداه للطريق، فنصحته بأن يتحدث إلى شيخ فى التليفون على أى فضائية ولتكن قناة الناس ويستفتيه فى أمر التحدث بالنوكيا ال 3310، قال لى الصديق :عملتها وإتصلت بالشيخ فلان ترك الحلقة وسألنى كيف أزحزح الشريحة؟، أما الشيخ علان فقال ماإتفق عليه الفقهاء هو السامسونج أما النوكيا فجائز والله أعلم!، وإحتار دليلى مع صديقى بماذا أنصحه؟ فالمشكلة معقدة والأمور ملتبسة والرؤية غائمة.
تركت صديقى غارقاً فى همومه بعد أن أغتيلت فرحته التى لم يهنأ بها، وبدأت فى التفكير والتحليل والتساؤل، ماسر نشوة صديقى وماسر إنبهارى وماسر الشعور المشترك بالإنتصار؟، علمنى د.زكى نجيب محمود الذى قابلته وأنا مازلت فى السنة الأولى من كلية الطب أن الفلسفة أن تغوص فى الجذور، وأنا قررت أن أغوص فى جذور هذه الظاهرة لتفسيرها، الصديق مقتنع بأن سرقة من يمص دمه هى مبررة ومسموح بها بل وأحياناً يمنحها غطاء الشرعية الدينية ويصفها بأنها حلال، ويقول الدعاة الجدد نفسهم بيشتغلوا بالهاتف الإسلامى والزيرو تسعمية ودخلوا لعبة المحمول والمسابقات، وبيردوا بالفتاوى بسعر مرتفع لايتناسب مع الخدمة المقدمة، وهو مقتنع أيضاً بأنه مسروق فى الفاتورة وبيشترى الكارت بمائة وعشرين جنيه وهو مكتوب عليه مائة جنيه وعندما يدخل الرقم يجد القيمة فجأة وبدون مقدمات ومبررات قد إنخفضت إلى تسعين جنيه، يعنى ببساطة إتسرق عينى عينك فى تلاتين جنيه قبل ماينطق بكلمة، فالناس تريد مظاهرة سرية للضحك على ذقن السلطة سواء فى صورتها الحكومية أوفى صورة رجال الأعمال، وهم يحسون بأن هذه السلطة الغاشمة تضع أيديها فى جيوبهم فلا عيب أن يضعوا هم أيضاً أيديهم فى جيوبهم وفى مناطق أخرى!.
أعتقد أننا لابد أن نفتح الزاوية أكثر ونربط هذه الظاهرة بغيرها من الظواهر المشابهة والتى تشترك كلها فى عنوان واحد وهو شهوة الإنتقام من السلطة، فعلى سبيل المثال نجد ظاهرة ترعيش نور كشافات العربيات على الطرق السريعة لتنبيه القادمين على الإتجاه المضاد بأن هناك راداراً موجوداً على الطريق، فبرغم معرفة الجميع أن هذا الرادار لمصلحتهم ولضبط السرعة الجنونية على الطرق السريعة إلا أن شهوة الإنتقام من ضباط المرور والموجودة عند سائق الميكروباص وسائق المرسيدس، تجعل مسألة ترعيش النور ترجمة فورية لهذه الكراهية المخزونة لدى المواطن المصرى تجاه ضابط المرور، فهو يفسر الحملات المرورية بأنها زنقة فى السيولة المالية لابد من تحصيلها من قائدى السيارات أو المركبات بلغة العقيد أحمد عاصم!، وهو أيضاً يعانى من عجرفة البعض الذين يتلككوا على حزام الأمان أو بوية العربية وسمكرتها لمجرد الجباية برغم أن أول من يكسر الإشارة ويمشى فى الممنوع ضباط البوليس، ولذلك تحدث مظاهرة ترعيش النور على الطرق السريعة وكأنها إحتجاج صامت على تعنت الداخلية.
وكما ينتقم المصرى الذى يغنى أنا مصرى وأبويا مصرى من شركات المحمول التى لاتهتم بشبكاتها الواقعة ونازله سرقة فى أبدان وأقوات الناس، ومن إدارة المرور والطرق التى لاتهتم بالطرق الخربانه ونازله جباية وسحب رخص من الغلابة، قرر المصرى أن ينتقم أيضاً من محتكرى الفضائيات وكأس العالم من خلال مايسمى بالدش الشعبى، وهو لمن لايعرف وصلات لدش مركزى بين البيوت ينقل الأوربيت والإيه آر تى وغيرها من القنوات المشفرة بإشتراك شهرى عشرة جنيهات فقط لاغير، فمتعة الغلبان المصرى الوحيدة هى مشاهدة الدش وخاصة كرة القدم، وتليفزيون بلده الوطنى الحكومى المدعم من جيبه غشيم ولايستطيع التفاوض على نقل كأس دورى أبو طشت فمابالك بنقل دورى كأس أوروبا أو كأس العالم!، فماذا يفعل الغلبان اللى بيكمل عشاه نوم ومافيش معاه ثمن تذكرة سينما المولات أو مسرح القطاع الخاص، بالطبع يشترك فوراً فى الدش الشعبى، ويبقى ضرب عصفورين بحجر واحد، شاف وإستمتع وإتبسط، وبالمرة إنتقم من السلطة المتمثلة فى رجل أعمال مصرى أو شيخ خليجى يقوم برشوة رجل الأعمال المصرى أو الإتنين اللى بيحاولوا يضحكوا عليه ولكن هو قرر إنه يضحك عليهم ويبرر لنفسه إنه مابيعملش حاجه غلط ولاحرام!.
مرة سألت صاحب ورشة دمياطى فى قريتنا إنت ليه يوم مابييجى مأمور الضرائب القرية بتقفل الورشة وتهرب وتفضل تتهرب من الضرايب، وظللت أسمع له ماحفظته عن أهمية الضرائب التى تتحول إلى خدمات له ولأسرته، ظل صاحب الورشة يسمعنى حتى نهاية خطبتى الحماسية وقال لى :أدفع ضرايب ليه؟، علشان أرصف شارع فى مصر الجديدة أو أعمل نفق حيطانه رخام فى الزمالك، ماهو إنت شايف يادكتور لما الدنيا بتمطر فى دمياط بنبقى معزولين عن العالم وبنتحبس فى بيوتنا ومابنعرفش نخرج إلا لابسين الجزمة اللى برقبة، بيبقى تزحلق على الطين مش على الجليد، ماإنت شايف المجارى عندنا سايحه على الميه والبلهارسيا وفيروس سى بينخروا فى أكبادنا وشبابنا اللى شايل الطحال بيموت من الإستسقاء وماحدش سائل فى اللى خلفونا، وبعدها بتقول لى أدفع ضرايب، ده أنا أبقى مجنون لو دفعت!!، وهكذا إتحد النوكيا 3310 وترعيش النور والدش الشعبى وتهرب الغلابة من الضرائب فى بوتقة واحدة أساسها ثقافة التحايل التى إستطاع المصرى أن يكمل بها حياته الضنك، هذه البوتقة إسمها الإنتقام من المفترى.
[email protected]
التعليقات