-1-

مشروع القرار الذي أقره مجلس النواب الأمريكي في 24/5/2006 ورفعه الى مجلس الشيوخ لإقراره أو تعديله والذي ينص على وقف المساعدات للشعب الفلسطيني ومنع زيارة أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية لأمريكا واغلاق مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن وهناك قائمة طويلة من الإجراءات التعسفية الأخرى بحق الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية.. هذا الإجراء ومشروع القرار كان غريباً ومستهجناً من قبل العالم ومن قبل الرأي العام الأمريكي كذلك. ففي استطلاع عاجل لمؤسسة زغبي لاستطلاعات الرأي العام سمعنا احتجاجات من الرأي العام الأمريكي تقول بأن أمريكا قد تخلّت عن دورها كحكم في المنطقة بين اسرائيل والفلسطينيين وتحولت الى خصم لهم. بل انني سمعت هنا في القدس نخباً اسرائيلية غير راضية تماماً عن هذا القرار، وتقول الفم الملآن بأن هذا القرار لا يساعد الطرفين المتخاصمين على حل المشاكل العالقة بينهما بقدر ما يساعد على تعقيدها أكثر فأكثر. وإذا كان مجلس النواب الأمريكي بغالبته العظمى يعتقد بأن مشروع هذا القرار من شأنه أن يرضي غرور الرأي العام الإسرائيلي فهذا خطأ والصحيح أنه أرضى الحكومة الإسرائيلي ة ولم يرض الرأي العام الإسرائيلي الذي يعتقد أن فرص السلام الآن في المنطقة متوفرة أكثر من أي وقت مضى. وأن مشروع قرار مجلس النواب الأمريكي هو عقبة جديدة وصخرة بلهاء في خارطة طريق الحل الشامل.

-2-

لا شك أن اللوبي الصهيوني في امريكا قد لعب دوراً كبيراً في صياغة مشروع القرار هذا. ولا شك أن قصر نظر نواب الشعب الأمريكي وعدم معرفتهم وفهمهم لطبيعة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي قد ساهم مساهمة كبيرة في صناعة مشروع القرار الأخير. فلا نحسب أن النواب في الكونجرس الأمريكي لديهم وعي تام وكامل بتفاصيل الصراع الفلسطيني - الأمريكي. ومن من يجهل طبيعة هذا الصراع وتاريخه جهلاً كبيراً. والخطأ في ذلك لا يتحمله فقط هؤلاء النواب ولكن يتحمله الجانب العربي أيضاَ ففي الوقت الذي يقيم اللوبي الصهيوني في امريكا علاقات وثيقة مع هؤلاء النواب على كافة المستويات وتكاد تكون يومية، يهمل العالم العربي بانظمته وجمعياته ونخبه ومثقفيه هذا الجانب المهم، ولا يبادر الى الاتصال بصناع القرار الأمريكي ويترك الساحة سداح مداح للوبي الصهيوني وللهيئات الصهيونية المختلفة في امريكا لكي يضع صناع القرار الأمريكي في جهة واحدة وفي وجهة نظر واحدة للقضية الفلسطينية، ظناً منهم من أن هذا هو الحل. وربما يكون هذا هو الحل في اخفاء الحقيقة الى حين ولكن ليس هو الحل في اخفاء الحقيقة الى الأبد.

-3-
الأمل الكبير في أن يرفض مجلس الشيوخ هذا القرار، أو يقوم بتعديله تعديلاً منصفاً للطرف المظلوم. فامريكا اكتسبت عظمتها واحترام العالم لها من أنها كانت دائماً تلعب دور القاضي والحكم الى جانب الحق. وهذا ما فعلته في الحرب العالمية الأولى والثانية، وما فعلته في حرب الخليج 1991 وفي مناسبات أخرى في البوسنة والهرسك وفي دافور، وبعد ذلك وقبل ذلك. وحين تفقد أمريكا دور الحكم وتتقمص دور الخصم كما هو الحال في مشروع قرار مجلس النواب الأمريكي، فلن يبقى لأمريكا بعد ذلك غير دور المتسلط الأعظم، وليس دور الحكم الأفخم. ولعل الاستطلاع السريع الذي قام به جيمس زغبي لاستطلاع الرأي العام الأمريكي حول مشروع القرار المذكور قد بيّن لنا بأن الرأي العام الأمريكي يريد من الساسة الأمريكيين أن يكون دائماً حكماً لا خصماً في نزاعات الشعوب الأخرى. فهذا هو الدور التاريخي المنوط بامريكا دائماً.

-4-

إن مشروع القرار الذي صدر عن مجلس النواب الأمريكي قد جاء متزامناً مع صدور الوثيقة التاريخية المهمة عن السجناء السياسيين الفلسطينيين (وثيقة الوفاق الوطني) التي تخلت لأول مرة في تاريخ النضال الفلسطيني عن المقاومة المسلحة وشطبت من بنودها الثمانية عشر كلمة quot;مقاومة مسلحةquot; واكتفت بذكر كلمة quot;مقاومةquot; فقط، ووقع على هذه الوثيقة ممثلون من حركة فتح وحركة حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية. فهل جاء مشروع قرار مجلس النواب الأمريكي بمعاقبة الشعب الفلسطيني صفعة شديدة لهؤلاء الموقعين على وثيقة السلام الفلسطيني - الإسرائيلي. أم أن مجلس النواب الأمريكي كان آخر من يعلم باخبار هذه الوثيقة التاريخية المهمة التي يحاول اليمين الإسرائيلي والفلسطيني انكارها وحرقها وتذرية رمادها في وجه ريح التعصب والتشدد العنصري والديني على وجه الخصوص؟