-1-
احتفل الأردن في الأسبوع الماضي بعيد استقلاله الستين. وكالعادة في كل عام، قام الإعلام الأردني بمهرجانات اعلامية كبيرة شهدتُ جزءاً منها على شاشة التلفزيون. وكان أبرز ما في هذه الاحتفالات كلمة الملك عبد الله الثاني، وقصيدة شاعر البلاط الأردني السفير السابق حيدر محمود. وكانت هذه القصيدة في رأي الناقد الأدبي أسوأ ما يمكن أن يُسمع من مديح مبتذل، ذي مستوى فني رخيص. فالمديح ليس فناً رخيصاً بحد ذاته، ولكن المديح والمبتذل الخالي من الأسس الفنية هو المديح السيء، كما سبق وقال طه حسين في كتابه (حديث الأربعاء). وكما قلتُ فإن المهم في هذا الحدث الوطني ، هي كلمة الملك عبد الله الثاني، في حفل عيد الاستقلال.
لقد سلك الملك عبد الله في كلمته في هذه المناسبة مسلك أبيه الراحل الملك حسين، وهو أن يلقي خطاباً عاطفياً في مثل هذه المناسبة، خالياً من الحقائق التي على الأرض، وخالياً من الأرقام، وخالياً من الخطط والمخططات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وهو في هذا الخطاب - كما درج والده الراحل على ذلك - أذكر الأردنيين بما فعل الملوك الهاشميون للأردن وللشعب الأردني، وما فعله بعض رجالات الأردن في مختلف القطاعات من خدمات جليلة للأردن طول ستين عاماً مضت، حسب خطاب الملك.

-2-
في مثل هذه المناسبات الوطنية المهمة اعتاد الزعماء في العالم وفي البلاد المتقدمة، على تقديم عرض سياسي واقتصادي وثقافي واجتماعي صادق وكامل للمستقبل القريب والبعيد. واعتادوا أن يقدموا لشعوبهم خططاً مفصلة للمستقبل، واستعراضاً صادقاً غير كاذب، وصريحاً وسريعاً لما تم انجازه على مختلف الصُعد. لكن أن يكون الاحتفال بمثل هذه المناسبة عبارة عن خطاب عاطفي من شيخ قبيلة لقبيلته، ولتحية (النشامى والنشامات) على حد تعبير الملك، وكفى الله المؤمنين شر القتال، فذلك ما لم يكن متوقعاً من الملك عبد الله، إلا أذا كان الملك صادقاً مع نفسه وصادقاً كثيراً مع الشعب الأردني صدقاً يصل الى حد أنه ليس لديه من جديد يقوله، ولا يملك شيئاً لكي يقال. وليس في يده، أو في جعبته ما يستحق أن يقدمه لهم في الحاضر وفي المستقبل، غير تلك الأوسمة التي منحها للرعيل الأول من بناة الوطن الأردني. وعلى هذا يُشكر الملك لأنه لم يطعم شعبه (جوز فاضي) ، ولم يزرع لهم البحر (مقاثي) كما يقول الأردنيون. وهو قد قال لهم بصراحه وبطريقة ذكية وغير مباشرة، بأن عليهم أن يشدوا الأحزمة أكثر ف أكثر على البطون، هذا أن بقيت بطون للأردنيين تُشدُّ بالأحزمة، وهم الذين يكتوون بالفقر والعوز وغلاء الأسعار، وارتفاع نسبة البطالة، وتدني مستوى دخل الفرد، الذي لم يتعدَ حسب آخر تقرير نشرته مجلة الايكونومست البريطانية أكثر من 1800 دولار سنوياً أي بمعدل ستة دولارت يومياً، لا تكفي لشراء الخبز الحافي اليومي فقط.

-3-
مرّت سبع سنوات على اعتلاء الملك عبد الله العرش الأردني، وهي سنوات كانت كافية لكي يقوم الملك الشاب بانقلاب كبير في الحياة السياسية الأردنية، وفي الحياة الاقتصادية الأردنية وكذلك في الحياة الاجتماعية والحياة الثقافية، كما وعد قبل سبع سنوات وكما انتظر منه الأردنيون ذلك، حتى يبارك الله له ما تصرفه عليه وعلى عائلته الخزينة الأردنية، من مصاريف باهظة، الله وحده يعلم مقدارها. فهو لم يحقق أي انجاز حقيقي حتى الآن للأردنيين. فالحراك الاقتصادي المحدود الذي يشهده الأردن الآن، وينعكس على أداء البورصة الأردنية العالي، مرده الى عوامل كثيرة لم يكن لعهد الملك فيها أي يد أو فضل فيه. فهذا الحراك الاقتصادي مرده - كما هو معروف للقاصي والداني - الى حرب العراق، وتدفق آلاف الأغنياء العراقيين للإستثمار في الأردن، وكذلك تدفق مجموعات استثمارية سورية هرباً من المستقبل الذي ينتظر سورياً ، اضافة الى أثر معاهدة السلام الأردنية - الإسرائيلية التي أمكنت الأردن من تصدير منتجات اردنية الى الأسواق الأمريكية تقدر بأكثر من مليار دولار في عام 2005. اضافة ال ى ارتفاع أسعار البترول، ولجوء كثير من المستثمرين الخليجيين للإستثمار في الأردن.
من ناحية أخرى لم يقم الملك عبد الله بما وعد به الشعب الأردني، وقت توليه صولجان الحكم من اصلاح التعليم اصلاحاً حقيقياً. كما لم يقم بالالتفات الى الناحية الاجتماعية ومحاولة تخفيض نسبة البطالة الأردنية التي ما زالت حتى الآن أكثر من عشرة بالمائة، وما زال دخل الفرد الأردني متدنياً الى حد كبير الى الآن. أما الناحية الثقافية فحدث ولا حرج . فما زالت الرقابة الأردنية تشدد قبضتها على الثقافة الأردنية، بشكل بشع ولا يمت الى الحياة الديمقراطية التي يتبجح بها الإعلام الأردني دائماً. وما زال الكتاب الأردني تأليفاً ونشراً يعاني الأمرين، دون عناية أو رعاية. وكنا ننتظر في عيد استقلال الأردن الستين، أن يعلن الملك عن قيام جوائز سنوية من الدولة للمبدعين الأردنين في مجال الثقافة، انصافاً لهم، ودعماً لحركة الإبداع الأردنية ، ولكن لا حياة لمن تنادي.

-4-
لقد شعرت بالحزن العميق، وأنا اشاهد فعاليات عيد استقلال الأردن الستين. ففي هذا العيد الكئيب، لم تُرفع لنا راية اقتصادية، ولم تُرفع لنا راية تعليمية، ولا اجتماعية، ولا ثقافية. وظلت الحياة السياسية الأردنية حياة السياسيين القبليين. فما زال في الأردن أكثر من عشرين حزباً سياسياً قبلياً. وما زال التيار الديني السياسي هو التيار المسيطر على الحياة السياسية الأردنية بمباركة القصر، والمؤسسة الملكية، كما كان كذلك منذ الخمسينات، وكأن الأردن طيلة ستين عاماً مضت لم يتطور سياسياً، وكان محلك سير.
فكيف للأردنيين أن يسعدوا والحال هذه بعيد استقلالهم الستين.
وأين هو الاستقلال؟
وأين هي سعادة هذا الاستقلال؟