جرائم نظام البعث السوداء... دروس للتاريخ؟

أثارت المحاكمات الدائرة اليوم في العراق لرموز النظام البعثي البائد الكثير من التعليقات والتداعيات والإشكاليات سواء على مستوى الشارع أو على مستوى الفعاليات القانونية العربية والدولية ولكن الشيء المهم الذي لا يعرفه الكثيرون من أبناء الجيل الحالي والذين من ضمنهم فريق المحامين العرب خصوصا الذين يشككون بعدالة وشرعية محاكمة رموز النظام العراقي البائد هو أن المحاكمات الجارية حاليا هي حدث غير مسبوق في العراق والعالم العربي مقارنة بما كان يحدث في عهد النظام البائد من خروقات فظيعة لحقوق الإنسان لم تستطع للأسف الحكومة العراقية الحالية ولا حتى المحكمة الجنائية إستعادة نبش أوراقها وذكرياتها وأيامها ولم يستطع أهل الإعلام العراقي الحر ذاته أن ينشطوا الذاكرة التاريخية وإن يعيدوا إلى الأذهان الحقائق والبدايات الأولى للمشروع الإرهابي التدميري البعثي وعبثه بالعدالة والقانون وسرقته للعراق وشعبه في ليل بهيم وتحويل البلد بأسره لمعسكر إعتقال وتعذيب وسلخ ومحاكمات غير قانونية ولا شرعية وميدانا للحروب العبثية وساحة واسعة لحز وقطف وإستئصال كل قوى المعارضة الوطنية العراقية الحرة وبما أفرغ الساحة الوطنية من الكفاءات الحقيقية وأسس بالكامل لحالة التشظي والتفتيت الطائفية السائدة حاليا والتي كانت حصيلة و ثمرة من ثمرات التسلط الإرهابي البعثي ولكون عمليات الإبادة البشرية والجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم فإننا ومن خلال السطور القادمة سنتابع بدايات الإرهاب السلطوي البعثي ودور المجرمين من كبار المسؤولين السابقين والذين هم اليوم رهن المحاكمة العادلة الشفافة النزيهة (رغم أنهم لا يستحقونها)!! في عمليات القتل والإرهاب منذ ما يقارب أربعة عقود مضت ومن أبرزهم وأهمهم دور المجرم (طه ياسين رمضان الجزراوي) الذي كان رئيس ما يسمى بمحكمة الثورة السيئة الصيت والسمعة عام 1970 وساهم مساهمة مباشرة في قتل العشرات من صفوة المجتمع العراقي على خلفية مؤامرات وهمية وبهدف مركزي محوره إفراغ الساحة العراقية من المعارضين وفرض الإرهاب على الجميع وضمان الهيمنة على السلطة كما نركز على دور النظام البعثي البائد في الإستفادة الجمة من مرحلة الحرب الباردة والتي جعلت مصالح الأطراف الدولية المتصارعة على المنطقة تتقاطع لتخدم المشروع السلطوي البعثي التدميري.

قتل بالجملة ومؤامرات وهمية!

لعل البداية الرهيبة والسافرة كانت ليلة 20 يناير (كانون الثاني) 1970 والتي أعلن النظام البعثي وقتها عن إكتشافه لما أسماه بمؤامرة صهيونية/ أمريكية/ إيرانية.. لإسقاط النظام في العراق! تحركت بعدها آلة الموت البعثية السوداء لتعلن عن هويتها الحقيقية ولتدشن بداية المشروع الإرهابي البعثي الكبيير الذي سحق العراق وقاده بإمتياز نحو الجحيم... وقتها وكما عرف فيما بعد وتكريسا للحقيقة التاريخية لا غير ساهمت قيادة الحزب الشيوعي العراقي وقتها بتقديم خدمة تاريخية لخصمها اللدود حزب البعث والذي تقع على عاتق قادته أبشع جرائم التصفية الجسدية ضد الشيوعيين العراقيين عام 1963! تمثلت تلك الخدمة بتقديم قيادة الشيوعيين معلومات للرئيس العراقي الأسبق أحمد حسن البكر مصدرها المخابرات السوفياتية مفادها أن هناك مؤامرة إنقلابية يقودها العقيد القومي وأحد شركاء البعث السابقين السيد عبد الغني الراوي بالتعاون مع المخابرات الإيرانية وبعض السياسيين العراقيين بهدف تغيير الحكم في العراق وإبعاد حزب البعث عن السلطة!! أي أن الروس كانوا هم العنصر الفاعل في تحريك الأحداث وحماية النظام رغم سوابقه الثقيلة في ذبح حلفائهم الشيوعيين العراقيين!! وهي معادلة غريبة ولكنها مفهومة في ظل صراع الأقطاب الدولي المحتدم وقتها فتحركت الآلة الأمنية البعثية التي كانت تعتمد على عتاة الشقاة والفتوات و (البلطجية) والتي مقرها في (قصر النهاية) وهو المركز التعذيبي المعروف والشهير لتستغل الموقف وتقوم بأبشع عملية تصفية جسدية ضد مخالفيها أو من تتوقع منهم شرا!! أو من المخالفين لتوجهاتها وتشكلت محكمة مجرمة من عتاة الشقاوات و (السرسرية) والأميين لا علاقة لها بالقانون من كل من المجرم (طه الجزراوي) والمجرمين الراحلين (ناظم كزار) و (علي رضا) وتحركت القيادة القطرية البعثية بأسرها لتقيم في (قصر النهاية) وتشرف على حملات الإعدام الشاملة وعلى التحقيقات الأمنية وعلى وضع قوائم التصفيات الجسدية وحفلات الإعدام المرعبة وكانت مجزرة رهيبة سجلها التاريخ العراقي المعاصر وتناستها الأجيال الراهنة وغابت عن معلومات المحامين العرب الذين لا يعلمون أضر الله أم نفعا!! وهم المتحمسون للدفاع عن أبشع زمرة إرهابية مجرمة مارست من القتل والترهيب ما تعجز عن تصديقه الروايات الموثقة وكانت تلك المجزرة الرهيبة عنوانا ولسعا لحقيقة المدرسة البعثية في الحكم والإرهاب. كما أنها كانت البروفة التمهيدية لتدمير العراق بأسره خلال المراحل اللاحقة وهنا أؤكد لذلك المحامي المصري المتحمس للدفاع عن موكله المجرم طه الجزراوي من أن جرائم موكله الفظيعة التي حجبتها حالة ضعف الذاكرة الوطنية العراقية تجعل من مهمة الدفاع عن ذلك الفاشي القاتل وصمة عار وشنار ! فذلك المجرم العريق هو المسؤول الأول عن أبشع مجزرة بشرية وعن سلسلة من الإعدامات العشوائية والمجرمة شملت حوالي 57 معتقلا عراقيا بريئا أدينوا بمؤامرة إنقلابية ورقية لا علاقة لهم بها وتمت تصفيتهم إعتباطيا وفي حديقة (قصر النهاية) في بغداد ليلة 20/21 يناير (كانون الثاني) 1970 وبهدف تدمير وسحق كل الأصوات المعارضة أو التي يعتقد أنها ستعارض المشروع البعثي التدميري مستقبلا وشهادة المناضل الوطني والقومي العراقي المعروف الأستاذ المحامي والوزير السابق السيد أحمد الحبوبي المقيم في القاهرة منذ السبعينيات هي وثيقة تاريخية وسياسية وقانونية تم تجاهلها كما تم تجاهل كل التقارير والمعلومات التي أصدرها الناشط العراقي المعروف في مجال حقوق الإنسان عن هذه القضية وغيرها وهو الدكتور عبد الصاحب الحكيم أمين المنظمة العراقية لحقوق الإنسان في بريطانيا و الذي يمتلك إرشيفا هائلا وموثقا وجامعا ومانعا عن كل جرائم النظام البعثي البائد فكتاب السيد أحمد الحبوبي المعنون (ليلة الهرير في قصر النهاية) هو شهادة حية لشخص ما زال حيا يرزق رأى بعينيه كل صور الجريمة وشاهد عشرات الجثث البريئة التي أعدمت ظلما وعدوانا ومن دون محاكمة ولا حق دفاع ولا قرائن ولا أدلة! ولا وجود طبعا لمحامين عرب ولا عجم ولا بربر ولا أي شيء!! فالرفيق (طه ياسين رمضان الجزراوي) كان رئيسا لمحكمة الثورة التي أصدرت خلال ساعات حكمها بإعدام 57 بريئا وبدم بارد وعدم مسؤولية تم إعدامهم على وجبات وخلال ساعات في حديقة (قصر النهاية)! ثم نراه اليوم وعبر شاشة التلفاز يشكو ويتظلم أمام أعدل محكمة في تاريخ العرب الحديث وأكثرها شفافية وقد تناسى بشفافية غريبة و صلافة أعجب كل جرائم الماضي القريب أيام رئاسته لمحكمة الثورة السيئة الصيت والسمعة ولكن اللوعة الحقيقية تكمن في عدم الرد عليه من قبل أهل القانون والإعلام والسياسة في العراق فالذاكرة الوطنية قد ضعفت بشكل مزري وأهالي القتلى والمعدومين لم يحركوا ساكنا والسلبية القاتلة للمجتمع العراقي قد حولت زمرة من اللصوص والمجرمين والقتلة لأبطال التحرير والتصدي للهيمنة الأميركية!! وتلك مهزلة عظمى لقد قتل العديد من الشخصيات الوطنية بأوامر من زمرة شقاة و (هتلية) و (سرسرية) جلاوزة البعث في قصر النهاية كان منهم كل من: الشهيد جابر حسن حداد الذي قتل أمام القيادة القطرية البعثية المقيمة في قصر النهاية طعنا بالسكاكين!.

الشهيد حسن الخفاف الشهيد راهي عبد الواحد الحاج سكر الشهيد الرائد عبد الستار عبد الجبار العبودي الطيار أنور الجميلي الطيار صلاح الغبان اللواء رشيد محسن الجنابي اللواء صالح السامرائي.... وغيرهم العشرات هذا غير المعتقلين لفترات طويلة وقد كان الناطق الإعلامي لتلك الجريمة المنسية مدير الإذاعة العراقية وقتها محمد سعيد الصحاف الوزير الكاذب السابق والذي يعيش اليوم سعيدا على ضفاف الخليج العربي! وهو الذي كان يعلن بصوته وقتها من راديو بغداد قرارات الإعدام؟ فهل من أحد اليوم يتصدى لنفاق المحامين العرب وللمتباكين على العدالة المفقودة في العراق ويفتح صفحات تلك الفترة على الهواء مباشرة لتعرف الشعوب العربية حقيقة إجرام الزمرة التي حكمت العراق وأمعنت في تمزيق شعبه ونهبه والمساهمة في إيصاله لواقعه المرهق التعيس الراهن؟ نتمنى أن تتحرك قوى الشعب الحية لفضح جرائم المجرمين ورد كيد أعداء الحرية في العراق لنحورهم ولإفهام الفاشلين من زمرة المحامين العرب بأنهم كالزوج المخدوع تماما (آخر من يعلم).....!.

[email protected]