لم يتراجع القمع الذي تعرض له موقعوا اعلان بيروت- دمشق من قبل النظام السوري و قد بدأ مع اعتقال المفكر ميشال كيلو. ثم توالت الاعتقالات من دون اي مسوّغ قانوني يعتد به،سوى اتهامات تتعلق بتعريضquot;المعنويات الوطنيةquot; اعادتنا بالذاكرة الى عصر الدكتاتوريات التي بقي منها عدد محدود لا يزال ينتمي الى تلك المرحلة التي المنتهية بسقوط جدار برلين. لم يتراجع القمع و انما توسعت مروحته باتخاذ الرئيس الحكومة السورية ناجي العطري قرارا تعسفيا بفصل عدد من موقعي الاعلان من الموظفين في القطاع العام في سوريا عقابا لهم على شهادة الحق التي ادلو بها في ما يختص بالعلاقات اللبنانية ndash; السورية. هؤلاء عوقبوا لانهم لم ينصاعوا الى قراءة النظام التي اجتهدت لاسباغها على ادائها المافيوي في لبنان المستنسخ عن ادائها داخل سوريا ndash; قراءة ارادت ان تقول ان النظام السوري (لا سوريا) هو قلب العروبة النابض، و هو يمثل جبهة الممانعة في وجه المشاريع الاميركية و الصهيونية في المنطقة. قراءة ارادت ان تقول ان النظام مؤلف من مناضلين قوميين وعروبيين دأبوا على تقديم التضحيات الجسام على مذبح الرسالة الخالدة و الامة الواحدة! قراءة ارادت ان تقول ايضا و ايضا ان النظام (اشدد على كلمة النظام) انما دخل لبنان في سبيل ايقاف الحرب، و صون وحدة البلاد، وتحرير ارضه من الاحتلال الاسرائيلي.

هذه الصورة التي اجتهد النظام في سوريا على بنائها طوال اعوام طويلة، لم تخف حقيقة اخرى و هي انه بعد ان خاض حربا تاريخية تحسب له في تشرين 1973 كان الانتصار فيها ثمرة صمود ابطال الجيش السوري ومنعهم اسرائيل من الانتصار، عقد النظام اتفاقية لفصل الاشتباك تحولت معه جبهة الجولان حتى يومنا هذا الى جبهة quot;نعيمquot; لاسرائيل. وازاء الانتقادات كان النظام يجيب بنظرية انه quot;لن يسمح لاسرائيل ان تحدد زمان و مكان المعركةquot;. وانه من الافضل ان يخوض معها مواجهات بالواسطة منخفضة الوتيرة تبقى في حدود مضبوطة لاتهدد المنطقة بحرب شاملة. وكلنا يتذكر جيدا اجتياح لبنان سنة 1982 التي لم تحرك فيها القيادة في سوريا ساكنا قبل ان يتجاوز الجيش الاسرائيلي عمق الاربعين كيلومترا التي كانت تشكل منذ 1976 الخط الاحمر غير المنظور المتفق حوله مع اسرائيل مع دخول الجيش السوري لبنان.فطالما ان اسرائيل اجتاحت جنوبي لبنان بعمق لا يتجاوز اربعين كيلومترا لم تحدث مواجهة. لكن ارييل شارون وزير حرب العدو آنذاك خرق الاتفاق متجاوزا عمق الاربعين كيلومترا، ففوجيء النظام الى حد انه ابقى قواته في لبنان من دون اوامر، فتراجعت هذه الاخيرة بفوضوية محاولة عدم الاشتباك مع الاسرائيليين الذين غدروا بعشرات الاليات العسكرية التي ضربت وهي تنسحب من مناطق الشوف و عاليه و جزين و صيدا و جنوب البقاع الغربي. وفي المقابل من منا لا يذكر البطولات الفردية (من دون اوامر) التي نفذتها قوات من الجيش السوري في مناطق قرب مداخل بيروت، و قد استشهد مئات لابل آلاف الجنود من الجيش النظامي والقوات الخاصة دفاعا عن بيروت. و من منا لا يتذكر القوات السورية في قلب بيروت التي حوصرت مع ابناء بيروت و المقاومة الفلسطينية، وقد تصرف قائدها من دون اوامر من قيادته التي تركت لواء بكامله لشأنه، وانخرط في القوات المقاومة للاسرائيليين. وهب يومها اهل بيروت ليقدموا للجندي السوري المأكل والمشرب باعتباره كان يدافع عن شرف مدينتهم الى جانب المقاومين الآخرين، و ذلك نيابة عن العرب جميعا.

في حرب اجتياح لبنان لم يخض النظام في سوريا مواجهة إلا عندما تجاوز شارون الحدود المتفق عليها. وما لبث ان اكمل بعد بضعة اشهر ما كان الاسرائيلييون بدأوا به في بيروت، فإستكمل تصفية المقاومة الفلسطينية في طرابلس بعد ان حاصرها ودك بيوتها وساحاتها براجمات الصواريخ والمدفعية الثقيلة، ليخرج ياسر عرفات منها على ظهر باخرة فرنسية توجهت به الى تونس. فكان مشهد رحيل عرفات من طرابلس على يد النظام السوري مستنسخا عن مشهد رحيله بالباخرة ايضا على يد الجيش الاسرائيلي!
ان المحطات تلك التي تقاطعت فيها مصالح النظام البعثي في سوريا مع مع مصالح الاميركي والاسرائيلي على حد سواء اكثر من ان تحصى في عجالة. من هنا لا نخالها صدفة تلك المعلومات الواردة من واشنطن نفسها التي تفيد ان معركة جماعات الضغط السورية واللبنانية الديموقراطية ضد سياسات النظام السوري في العاصمة الاميركية تكاد تتحول الى معركة مباشرة مع مختلف قوى اللوبي المؤيد لاسرائيل التي لا تزال تعتبر النظام في سوريا احدى الضمانات الراسخة لامن الحدود الشمالية لاسرائيل: الجولان وجنوب لبنان مثالاً.

خلاصة الامر: ان الحركة الديموقراطية التغييرية في سوريا لا تزال وحدها في مسيرتها نضالها. مثلما هو التيار الاستقلالي الديموقراطي في لبنان. الطرفان يحتاجان الى العمل معا لان التغيير في لبنان لن يكتمل من دون تغيير في سوريا،مثلما ان التغيير في سوريا نحو الديموقراطية والحرية كرامة الانسان لن ينطلق قبل اكتمال الاستقلال و البناء الديموقراطي في لبنان و رسوخه.