كان لا بدّ من صوت مسيحي يعرّي النائب ميشال عون على غرار الصوت المسلم الذي كشف حقيقة quot;حزب اللهquot; ووضعه في مكانه الحقيقي محدّداً بدقة موقعه الأقليمي وأمتداداته ودوره على هذا الصعيد. كان الصوت المسلم الذي أزال الأوهام في شأن كلّ ما له علاقة بquot;حزب اللهquot; صوت الزعيم الوطني والعربي وليد جنبلاط الذي لم يتردد في قول ما يجب قوله عندما وجد أن من المناسب الخروج عن صمته وتسمية الأشياء بأسمائها. الآن جاء دور الرئيس أمين الجميّل لقول ما يجب قوله بالأستاذ ميشال عون العسكري في السياسة والسياسي عندما يفترض أن يكون عسكرياً. وقد أظهرت التجربة، أن الرجل ذا التفكير الساذج الذي يحاول تغطيته بالكلام البذيء والنكات الثقيلة الدم والذي صار أسير حلم مستحيل، لا يصلح لا للعسكرية ولا للسياسة. كلّ ما في الأمر أنّه يصلح أداة تستخدم في كل ما يصبّ في غير مصلحة لبنان واللبنانيين.
لا حاجة ألى تكرار مآثر الأستاذ عون الذي يعتبر نفسه عبقرية عسكرية من الطراز الأوّل، علماً أنّه خسر كل المعارك العسكرية التي أصرّ على خوضها غير مدرك في أيّ لحظة أهميّة موازين القوى التي تشكل ألف باء العلم العسكري.
هذه المعارك التي خاضها عون بعيداً عن روح المسؤولية تتحدّث عن نفسها بنفسها وتوجّها quot;الجنرالquot; بتسليم قصر الرئاسة في بعبدا ألى السوريين بعد فراره منه تاركاً عائلته في عهدة أيلي حبيقة ،أحد رجال النظام السوري في تلك المرحلة. حصل ذلك في خريف العام 1990 ، أي في تاريخ لم يمرّ عليه الزمن. فضّل ميشال عون تسليم قصر بعبدا ألى القوات السورية على أن يكون القصر في عهدة الرئيس اللبناني المنتخب الشهيد رينيه معوّض. ولو كان في لبنان قضاء حقيقي، لكان ميشال عون مثل أمام محكمة لسؤاله عن مسؤوليته غير المباشرة عن مقتل رينيه معّوض الذي مثّل في مرحلة معيّنة الروح الحقيقية لأتفاق الطائف.
لقد ترك ميشال عون، الذي تمرد وقتذاك على الشرعية، رينيه معوّض تحت رحمة من يريدون أفراغ أتفاق الطائف من مضمونه الحقيقي الهادف ألى أستعادة لبنان سيادته من دون الدخول في صدام مع النظام السوري الذي شاء أن يكون له تفسيره الخاص للأتفاق. يتلخص التفسير السوري للأتفاق بأن لبنان بلد يجب أن يُحكم من دمشق وأن المطلوب أستمرار الخلافات بين اللبنانيين ألى ما لا نهاية كي يكون السوري هو الحكم بينهم. أوليس هذا الدور الذي لعبه الراحل ألياس الهراوي، رحمه الله، غصباً عنه فكان عليه أن يتظاهر بأنه على خلاف مع الآخرين، خصوصاً مع رئيس مجلس الوزراء، لطمأنة النظام السوري ألى أنه يلتزم تفسير دمشق للطائف؟ أليس هذا الدور الذي لعبه العماد أميل لحود عن سابق تصوّر وتصميم ولم يحاول يوماً تجاوزه تأكيدأً لولائه للذين صنعوه من منطلق أدراكهم التام لحدود قدراته العقلية من جهة ومدى حقده على الشهيد رفيق الحريري من جهة أخرى؟
لم يستطع ميشال عون يوماً تحقيق أي أنجاز بأستثناء خدمة النظام السوري في وضع يده على لبنان. وحقق الأنجاز الأكبر في هذا المجال عندما قبل ما رفض أمين الجميّل القبول به في أي وقت من الأوقات وفي أيّ ظرف من الظروف. لقد قبل ميشال عون الدخول في مواجهة مع ميليشيا quot;القوات اللبنانيةquot; مستخدماً الجيش اللبناني البطل في عملية أقلّ ما يمكن أن توصف به أنها ذروة الغباء واللامسؤولية. كيف يمكن لقائد عسكري أصبح رئيساً للحكومة الموقتة في لبنان في أيلول- سبتمبر من العام 1988 أن يدخل في مواجهة مع ميليشيا من دون معرفة مسبقة بموازين القوى على الأرض وبقدرات هذه الميليشيا؟ كيف يمكن لقائد عسكري زجّ جنوده في معركة خاسرة سلفاً وأن يحولّ المناطق المسيحية في لبنان، بما في ذلك بلدة القليعات في كسروان، ألى خطوط تماس بين الجيش وعناصر ميليشيا لا يمكن ضبطها. هل هناك من يستطيع أن يكون في هذا المستوى من أنعدام المسؤولية والتهوّر؟
كان في الأمكان تفهّم أن quot;الجنرالquot; لا يفهم في السياسة ولا يعرف شيئاً عن موازين القوى الأقليمية والدولية وأنّه مجرد ساذج مصاب بالعمى السياسينتيجة هوسه بموقع الرئاسة، لكنّ الأمر الذي يثير الريبة أن ميشال عون قبل الدخول في مواجهة مع quot;القواتquot; على الرغم من علمه التام بأنّ ليس لدى الجيش ما يكفي من الذخائر والوقود التي تسمح له بمتابعة معركة تتجاوز مدّتها بضعة أيّام. لكن السر أنكشف سريعاً، اذ جاءت الأمدادات من الذين نذر quot;الجنرالquot; نفسه، أقلّه ظاهراً، لمحاربتهم والقضاء عليهم على طريق تحرير لبنان. جاءت الأمدادات من كلّ التابعين للنظام السوري والأجهزة السورية في تلك الأيام. جاءت الأمدادات من الحزب السوري القومي الأجتماعي الذي يعتبر مجرّد أمتداد للأجهزة السورية ومن الراحل أيلي حبيقة الذي لم يكن سوى أداة سورية صغيرة تستخدم في تأدية حاجات وضيعة.
يمكن أن تكون لأي لبناني مآخذ على الشيخ أمين الجميّل وما شهده عهده من أحداث. وحده التاريخ قد ينصف أمين الجميّل أو يدينه. لكن ما لا يمكن تجاهله في أي وقت أن الرئيس السابق الذي كان في بعبدا بين العامين 1982 و1988 رفض في كلّ الظروف والأوقات، وعلى الرغم من كلّ المغريات ومن كلّ ما تعرّض له من أهانات، أدخال الجيش في مواجهة مع quot;القوّاتquot; نظراً ألى انّه كان يعرف تماماً النتائج التي يمكن أن تترتب على الصعيد الوطني على مثل هذا التصرف الأهوج. والمرة الوحيدة التي كان في أستطاعة الجيش السيطرة على quot;القواتquot; من دون معركة وأراقة دم كانت عندما تسلل مقاتلو أيلي حبيقة ألى المنطقة الشرقية في بيروت وسيطروا على مواقع عدّة فيها قبل أن يتصدّى لهم اللواء العاشر في الجيش اللبناني ويردّهم على أعقابهم. وقتذاك، لجأ ميشال عون، قائد الجيش، ألى مكان غير معروف ورفض، أستناداً ألى الرئيس الجميّل الحضور ألى غرفة العمليات في وزارة الدفاع في الوقت الذي حدّده الجميّل، بموافقة البطريرك الماروني، لبدء عملية بسط سلطة الجيش على المنطقة الشرقية. لم يقبل ميشال عون التصدي لquot;القوّاتquot; حين كان يجب التصدي لهم، بل فرّ من المواجهة وأختار التوقيت السوري للمعركة بغية أعداد الأجواء لتسليم قصر بعبدا ووزارة الدفاع ألى القوات السورية بدل أن يكونا في عهدة الرئيس المنتخب رينيه معوّض.
ما لا يمكن تجاهله أيضاً أنّ الرئيس أمين الجميّل ترك قصر بعبدا لدى أنتهاء ولايته الرئاسية بعدما تحمّل الكثير من quot;القوّاتquot; وغير quot;القواتquot;، لكنه فضّل المحافظة على مقام الرئاسة الذي سعى ميشال عون ألى تدنيسه عندما رفض تسليمه ألى رينيه معوّض بحجة أنه لا يوافق على أتفاق الطائف. من حسن الحظ أن الرئيس السابق قرر أخيراً الخروج عن صمته، ذلك أن لدى أمين الجميّل الكثير يقوله عن ميشال عون، بطل معركة تدمير القليعات وبطل معركة الضبيه وبطل الهروب ألى مقر السفير الفرنسي بعدما قصفت الطائرات السورية قصر بعبدا تاركاً عائلته في القصر في عهدة أزلام النظام السوري.
في موقف أمين الجميّل بداية أمل في أن الأوضاع في لبنان ستسير نحو الأفضل خصوصاً في الوسط المسيحي. ففي الفترة الأخيرة، كانت الشكوى من أنّ المسيحيين أكتشفوا اخيراً من هو ميشال عون، لكنّ ليس هناك مكان يذهبون أليه. الآن يوجد على الأقل شخص يستطيعون الأستماع أليه يخبرهم عن حقيقة quot;الجنرالquot; ومآثره وكيف تخلّى، كلّما سنحت له الفرصة، عن جنوده في أرض المعركة. هل من يريد أن يتذكّر أن ميشال عون لم يذهب يوماً ألى جبهة سوق الغرب ألاّ مضطراً. نعم كان مضطراً ألى أن يفعل ذلك، لأنّه كان عليه مرافقة امين الجميّل ألى أرض المعركة. ولذلك، انّ الصورة الوحيدة التي ألتقطت له في سوق الغرب كانت لدى مرافقته الرئيس الجميّل ألى الجبهة... هذا الكلام الحقيقي يغني عن مزيد من الحديث عن مآثر quot;الجنرالquot; الذي يتبيّن كلّ يوم أنه لا يصلح ان يكون اكثر من نكتة سمجة طالت أكثر مما يجب!