كما كتب بعض كتابنا فإن الوضع العراقي قد صار أسوأ وضع عرفه في تاريخه وحتى في العهد الفاشي المنهار. إن كل ما عقدناه من آمال على الدستور المؤقت والانتخابات الأولى تبددت تدريجيا، ومنذ العام الماضي تألمنا جدا لما ورد في تقرير صحفي أمريكي نشرته الصحف عن الوضع العراقي. لقد عنون مقاله تحت quot;عنوان :يحنون إلى ديكتاتور اضطهدهمquot;!! وكان الكاتب قد التقى في مناطق متعددة من بغداد بمواطنين عراقيين ما بين شيعة وسنة اشتكوا مما يعانونه اليوم في مجال أمنهم وأمن عائلاتهم، وكيف صار الواحد ينتظر الموت في كل لحظة. أما اليوم فالخوف صار عاما شاملا بحسب ما نقرأ وما نسمع من أصدقاء في بغداد. لقد وصل الاستبداد الإسلامي بفرعيه السني السلفي والصدامي وانفلات من المسلحين الشيعة [المليشيات وخصوصا المهدي وبدر]، حد قتل الزبالين والحلاقين وبائعي الخبز واليوم بائعي الثلج في جهنم الحر وتحريم امتلاك الثلج لكونه لم يكن موجودا زمن الرسول. عندما قرأنا النبأ في مواقع عراقية لم أصدق تماما، حتى أكده أقارب في بغداد. لقد عدنا أيضا وتدريجيا لعهد المقابر الجماعية التي تكتشف كل يوم بجثث معذبة ورؤوس مقطوعة.
يلومون الأمريكان الذين حقا اقترفوا أخطاء كبرى في الفترة الأولى من سقوط صدام. يزعم هؤلاء أن القوات الأمريكية لو أرادت لأوقفت العمليات الإرهابية حالا ويصرخون كما طالب سبعون نائبا بوجوب تسليم كامل الملف الأمني للحكومة. لكن؟ لمن يتم التسليم الكامل؟ هل لسلطة الإتلافيين المهيمنين على الداخلة وسائر الأجهزة الأمنية والتي تسللت لها اليوم ضباط المخابرات لإيرانية كما تسللت العناصر الصدامية قبلهم في العام الثاني؟ هل لأجهزة السجون السرية التي تم كشفها؟ ثم ماذا حدث عند قمع فتنة الفلوجة الدموية؟ ألم يصدر الدكتور الجعفري تصريحا يدين الغارات الأمريكية بحجة ذهاب ضحايا أبرياء مع علمه التام بأن الإرهابيين كانوا يتسللون في العديد من المساكن حيث يلقون العناية عن طوع أو خوف ولحد تزويج القاصرات لأمراء الإرهاب التكفيري القاعدي؟ ثم تم إقناع مجلس الحكم بإصدار بيان بنفس المضمون والمطالبة بالحل السلمي؟ كل هذه وقائع قربة ومعروفة، مثلما نعرف من الذين أنقذوا جيش المهدي وأسلحتهم أثناء احتلالهم الحرم الحيدري وتحويله لساحة قتال؟
لقد فشلت سلطة الإتلاف، ليس فقط في المعالجة الجزئية لموضوع الخدمات والفساد، بل وقبل كل شئ المشكلة الأمنية في مواجهة حرب قوى الإرهاب الصدامي - القاعدي المسنود بأموال خليجية وبالتواطؤ السوري الفاضح والمكشوف.
إن حرب الإرهابيين على الشعب العراقي لن تعالج بالسماح بالتدخل الإيراني الواسع ولا بالرد على الحرب الطائفية للإرهابيين بالرد الطائفي للمليشيات الموجودة رغم أنف الدستور والوعود. ومواجهة الإرهاب الدموي اليومي،، الذي صار يطال المواطنين الشيعة قبل سواهم، لا تتم بوضع المناصب كبيرها وصغيرها تحت تصرف الأنصار والأصدقاء لحد أن فراشا في إحدى الوزارات أصبح هو مديرا للمهندسين هناك! وهذا مجرد مثل ليس إلا. كما أنها لا تعالج بالمشاركة في اضطهاد المسيحيين والصابئة وملاحقة السافرات ولابسي لباس الرياضة، ألخ ..ألخ أما الفساد فقد ازداد أضعافا مضاعفة عما قبل وصار شاملا.
العراقيون الطيبون من عامة الناس ممن عانوا بهذا الشكل أو ذاك من الحكم الصدامي وحروبه ومغامراته ومقابره الجماعية والذين عبروا للصحفي الأمريكي عن معاناتهم مما انتهى له الوضع الأمني لم يعودوا يريدون غير الحد الأدنى من الأمن؛ غير سلامتهم وعائلاتهم إذ صار الخروج من البيت مغامرة كبرى، وأعرف عائلات لم يعد معظم أفرادها يجرئون على الخروج أصلا.
إن قوى الإرهاب الطائفي الدموي المسنود خارجيا،[ كما هو حال معظم التنظيمات والمليشيات الشيعية]، قد صارت جرائمهم اليومية من البشاعة والدموية والوحشية الحدود القصوى غير المقولة، إذ التفجيرات يومية بل كل ساعة والقتل يقترف بالعشرات يوميا، وصار الموت المصير الحتمي للمواطنين الذين لم يعودا يأمنون على حياتهم حتى داخل بيوتهم بسبب تصاعد الحرب الطائفية بين العصابات والميليشيات المسلحة، خصوصا منذ تفجيرات سامراء، واستمرار ممالئة دول عربية والغالبية الساحقة في الصحافة العربية للإرهابيين وتمجيد جرائمهم أو إيجاد مخارج واهية لها، حتى إنها لا تتلفظ أبدا بكلمة إرهاب عند بث أخبار العمليات الإجرامية لقوى الإرهاب.
البعض متفائلون، ربما بانتظار معجزة ما، أو من منطلق احتمال التصحيح والتغيير بعد سنوات طوال، [ إذ لا يصح غير الصحيح]! فلننتظر!