ليس السؤال عن أثر عملية حزب الله على موسم السياحة في لبنان وتمتع اللبنانيين وضيوفهم به، بل السؤال هو كيف يمكن للبنان والعرب أن يسوحوا فيما يغرق أكثر من نصف بلادنا من فلسطين إلى العراق في دماء أبنائه.
تزداد أهمية السؤال متى سمعنا الإعجاب العالمي والعربي بإسرائيل لأنها تقيم الدنيا وتقعدها من أجل أسير من جيشها، ولا يقيمنا ولا يقعدنا وجود عشرات الآلاف من الأسرى من نساء وأطفال وشيوخ ومقاومين شبان في سجون الإسرائيلي منذ عشرات السنين. بل يقيم البعض منا ويقعده قيام المقاومة بواجبها لمحاولة فك أسر هؤلاء. بالمختصر المعادلة هي كالتالي: إذا أسرت إسرائيل المدنيين منا نصمت. إذا دمرت وقصفت، نختبئ. أما إذا قامت المقاومة بعملها سواء في فلسطين أم في لبنان نقوم عليها بحجة تعطيل السلم أو موسم الاصطياف!
لن يجدينا نفعًا أن نختبئ وراء حدود quot;سايكس ndash; بيكوquot;، المعاهدة التي قسمت بلاد الشام إلى quot;دولquot; مستقلة وفق خطوط وهمية على خرائط من ورق. ولن يغير من واقع الحال قول نفر إننا quot;شعوبquot; مختلفة لأننا ننتمي إلى quot;دولquot; مختلفة. واقع الحال أن إسرائيل تنظر إلينا كشعب واحد في دول مختلفة تسعى إلى قضمها وهضمها والسيطرة عليها مباشرة أم بالوكالة. فإذا كان بوسع بعضنا التمتع بمباهج الصيف في ربوع لبنان مشيحًا ببصره عن مأساة فلسطين على بعد أمتار من حدوده، فإن بعضنا الآخر لا يمكنه ذلك.
ولن يجدينا كذلك قول البعض بضرورة الانتظار حتى يتوحد السياسيون اللبنانيون على موقف واحد من السلم والحرب. المهم أن يتوحد اللبنانيون اليوم في مواجهة العدوان عبر تفعيل الصيغة التي أدت إلى التحرير: تلاحم المقاومة والحكومة والشعب وعدم السماح لإسرائيل باللعب على الخلافات السياسية الداخلية مهما بلغت.
عسى أن توقظ مجازر غزة وعمليتا quot;تبديد الوهمquot; وquot;الوعد الصادقquot; العرب من أثر مخدرات أدمنوا عليها: أولها أن إسرائيل تريد السلام، والثاني هو أننا عاجزون عن مقاومتها، والثالث ما يسمى quot;الشرعية الدوليةquot;. إسرائيل لا تريد السلام ولا تستطيعه لأسباب عقيدية وعنصرية. فيما تثبت التجربة الفلسطينية أننا قادرون على الصمود في وجه كل دمويتها والتجربة اللبنانية أننا قادرون على هزمها. أما الشرعية الدولية فهي quot;شرعيةquot; إسرائيل والولايات المتحدة وحلفائهما في إبادتنا والسيطرة على مواردنا. فلننظر إلى قوة الفعل التي حققتها المقاومة في كل من فلسطين ولبنان ولنقس عليها القوة الكامنة العربية ومدى فعلها فيما لو عمت صيغة التحرير إلى العالم العربي كله.
سوف يخسر لبنان جراء العملية الأخيرة. ولكن إسرائيل ستخسر كذلك. لا يكون حساب الخسارة بعدد الشهداء أو بالبنى التحتية فحسب، بل بالهزيمة المعنوية التي تكون لها نتائج طويلة الأمد. إن إسرائيل تحاول التعويض عن معنوياتها الضعيفة بقوتها العسكرية. علينا توظيف قوانا المعنوية للتعويض عن ضعف إمكانياتنا العسكرية.
في نهاية المطاف، الانتصار والهزيمة موقف. فأنت تنتصر أو تنهزم في داخلك أولاً. من يفقد الثقة بإمكانية الانتصار ينهزم في ذاته فيمتنع عن المحاولة ويقبل بالأمر الواقع. ومن لا يشك بضرورة الانتصار وإمكانيته، لا يتوقف لحظة عن السعي وبناء القوى، مهما بدت المحاولة عقيمة للبعض، إلى أن يحقق الهدف.
نحن في حرب طويلة ومن يصرخ أولاً يخسر. المقاومة لم تصرخ برغم الجراح، ولا نخالها تفعل.