مراحل الحروب وكثرة تكرار المواقف بأشكال متنوعة من الوضوح، تدفع بالانسان للتفكر والتأمل، ثم القول، او في حالتنا للكتابة، لعل وعسى من يطالع في عصر التلفزيون. من كثرة التكرار بدون استفادة من عليه ان يستفيد، يخطر في البال احياناً نشر صفحة فارغة المحتوى، او أعادة نشر تحليل من أحد الازمات الكثيرة الماضية ليكون مناسباً تماماً للحاضر في اليوم الثامن على حملة تدمير لبنان.
لن أطيل عليكم، لاسباب خاصة كنت أطالع هذا الاسبوع كتاب العلامة ابن الجوزي الذي عاش في بغداد قبل 850 عاما، وفجأة بدى لي وكأن بعض ما خطه الرجل، في كتاب صيد الخاطر، يتحدث عن حالنا في وصفه لحال الآمة انذاك ( 120 عام بعد وصول اولى الحملات الصليبية للشام). اليكم ما قال من دون اي تعليق، او تعديل، او اضافة، او خاتمة:
تأملت الأرض ومن عليها بعين فكري فرأيت خرابها أكثر من عمرانهاrlm;.rlm; ثم نظرت في المعمور منها فوجدت الكفار مستولين على أكثره ووجدت أهل الإسلام في الأرض قليلاً بالإضافة إلى الكفارrlm;.rlm;
ثم تأملت المسلمين فرأيت الأكساب قد شغلت جمهورهم عن الرازق وأعرضت بهم عن العلم الدال عليهrlm;.rlm; فالسلطان مشغول بالأمر والنهي واللذات العارضة له ومياه أغراضه جارية لا شكر لهاrlm;.rlm; ولا يتلقاه أحد بموعظة بل بالمدحة التي تقوي عنده هوى النفسrlm;.rlm; وإنما ينبغي أن تقاوم الأمراض بأضدادهاrlm;.rlm;
كما قال عمر بن المهاجرrlm;:rlm; قال لي عمر بن عبد العزيزrlm;:rlm; إذ رأيتني قد حدت عن الحق فخذ وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنهrlm;:rlm; رحم الله من أهدى إلينا عيوبناrlm;.rlm;
فأحوج الخلق إلى النصائح والمواعظ السلطانrlm;.rlm; وأما جنوده فجمهورهم في سكر الهوى وزينة الدنيا وقد انضاف إلى ذلك الجهل وعدم العلم فلا يؤلمهم ذنب ولا ينزعجون من لبس حرير أو شرب خمر حتى ربما قال بعضهمrlm;:rlm; إيش يعمل الجنديrlm;.rlm; أيلبس القطنrlm;.rlm; ثم أخذهم للأشياء من غير وجهها فالظلم معهم كالطبعrlm;.rlm;
وأرباب البوادي قد غمرهم الجهل وكذلك أهل القرىrlm;.rlm; ما أكثر تقلبهم في الأنجاس وتهوينهم لأمرالصلوات وربما صلت المرأة منهن قاعدةrlm;.rlm;
ثم نظرت في التجار فرأيتهم قد غلب عليهم الحرص حتى لا يرون سوى وجوه الكسب كيف كانت وصار الربا في معاملتهم فاشياً فلا يبالي أحدهم من أين تحصل له الدنياrlm;.rlm; وهم في باب الزكاة مفرطون ولا يستوحشون من تركها إلا من عصم اللهrlm;.rlm;
ثم نظرت في أرباب المعاش فوجدت الغش في معاملاتهم عاماً والتطفيف والبخس وهم مع هذا مغمورون بالجهلrlm;.rlm;
ورأيت عامة من له ولد يشغله ببعض هذه الأشغال طلباً للكسب قبل أن يعرف ما يجب عليه ثم نظرت في أحوال النساء فرأيتهن قليلات الدين عظيمات الجهل ما عندهم من الآخرة خبر إلا من عصم اللهrlm;.
فقلتrlm;:rlm; واعجباً فمن بقي لخدمة الله عز وجل ومعرفتهrlm;.rlm;
فنظرت فإذا العلماء والمتعلمون والعباد والمتزهدونrlm;.rlm;
فتأملت العباد والمتزهدين فرأيت جمهورهم يتعبد بخير علم ويأنس إلى تعظيمه وتقبيل يده وكثرة أتباعه حتى إن أحدهم لو اضطر إلى أن يشتري حاجة من السوق لم يفعل لئلا ينكسر جاههrlm;.rlm; ثم تترقى بهم رتبة الناموس إلى أن لا يعودوا مريضاً ولا يشهدوا جنازة إلا أن يكون عظيم القدر عندهمrlm;.rlm; ولا يتزاورون بل ربما ضن بعضهم على بعض بلقاء فقد صارت النواميس كالأوثان يعبدونها ولا يعلمونrlm;.rlm; وفيهم من يقدم على الفتوى بجهل لئلا يخل بناموس التصدر ثم يعيبون العلماء لحرصهم على الدنيا ولا يعلمون أن المذموم من الدنيا ما هم فيه لا تناول المباحاتrlm;.rlm;
ثم تأملت العلماء والمتعلمينrlm;.rlm; فرأيت القليل من المتعلمين عليه أمارة النجابة لأن أمارة النجابة طلب العلم للعمل به وجمهورهم يطلب منه ما يصيره شبكة للكسب إما ليأخذ به قضاء مكان أو ليصير به قاضي بلد أو قدر ما يتميز به عن أبناء جنسه ثم يكتفيrlm;.rlm;
ثم تأملت العلماء فرأيت أكثرهم يتلاعب به الهوى ويستخدمه فهو يؤثر ما يصده العلم عنه ويقبل على ما ينهاه ولا يكاد يجب ذوق معاملة لله سبحانه وإنما همته أن يقول وحسبrlm;.rlm;
إلا أن الله لا يخلي الأرض من قائم له بالحجة جامع بين العلم والعملrlm;.rlm; عارف بحقوق الله تعالى خائف منهrlm;.rlm; فذلك قطب الدنيا ومتى مات أخلف الله عوضهrlm;.rlm; وربما لم يمت حتى يرى من يصلح للنيابة عنه في كل نائبةrlm;.rlm; ومثل هذا لا تخلو الأرض منهrlm;.rlm; فهو بمقام النبي في الأمةrlm;.rlm;
وهذا الذي أصفه يكون قائماً بالأصول حافظاً للحدود وربما قل علمه أو قلت معاملتهrlm;.rlm; فأما الكاملون في جميع الأدوات فيندر وجودهم فيكون في الزمان البعيد منهم واحدrlm;... .
ابو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي (عاش من 510 حتى 597 للهجرة)rlm;
التعليقات