أعترف بأنّني من عشّاق لبنان، فمن لا يعشق لبنان له قلب حجريّ
لبنان بحاضرته التي تدسّ قدميها في دفء البحر الأبيض المتوسّط... وتنثر شعرها على روابيه، مسندة ظهرها إلى ذلك الجبل الذي يختزل قيم العالم القديم.
أجمل صبيّة في أسرة لا تنجب غير البشاعة
كيف لها أن تنجو من قبح الشّقيقات؟ إلى أين ستهربين؟
كنت دائما تحاولين أن تجمّلي وجوه شقيقاتك الدّميمة عبثا.. ففي كلّ مرّة ينتصر القبح وتعودين مثخنة بالخيبات.
اخترعت لعبة التّجارة في ذلك الزّمن الغابر، عندما كان الآخرون يتقاتلون خلف ظهرك قبائل لا تجيد غير لعبة الموت.
من يتذكّر من هذه الأقوام الهمجيّة التي يعجّ بها محيطك أنّك أنت التي علّمت البشر الأسماء؟ وهل كان يمكن أن تكون الأسماء لولا أبجديّتك الرّائعة؟
أتذكرين عندما أوفدت إلى شواطئ شمال إفريقيا آلهتك العظيمة بعل وأدونيس وعشتار، آلهتك التي سبّحت بمجدك ردحا من الزّمن؟ في ذلك الزّمن كان خلفك أقوام ليس لها سوى إله واحد هو إله العالم السّفليّ الكريه.
لا زلنا نتذكّر هداياك اللّؤلؤيّة التي رصّعت بها شواطئنا في ذلك الزّمن السّحيق، قرطاجنّة وأويا وطنجة.
عذرا لقد تأخّر عزائي في أبنائك الذين بعثت بهم إلينا لينشروا الحضارة والنّهضة، من شبلي شميّل إلى جرجي زيدان إلى الرّيحاني إلى آل تقلا وفرح أنطون والبستانيّ... تمّ اغتيالهم وتقاسمت قبائلنا متاعهم ثمّ أحرقته لأنّها لم تعرف ما تصنع به.
أعلم أنّهم بعثوا إليك بديّتهم، وكانت ديّة ملغومة نالت من ساقك اليسرى ولا زال جرحك فاغرا فاه متسائلا.
لبنان كنت دائما تنجبين رسلا للحضارة والسّلام، ولكن منذ تلك اللّيلة التي حلّ فيها القراصنة واغتصبوك ولوّثوا رحمك الطّاهر بقي الظّلام رغم مغادرة اللّيل. لقد تقيّأت أبناء القراصنة ولم تلديهم وكان الثّأر عندما وضعوا في مبخرتك فضلات جلبوها من بلاد فارس.
صبرا جميلا على هذه الرّوائح الكريهة فغدا ستهبّ الرّيح حاملة عبير العطور الفينيقيّة التي احتفظت بها في ثنايا الزّمن
كلّ شيء قد يدركه الهلاك إلاّ أنت... صلوات العشق أمام معبدك الخالد، فقد تموت الحياة ويبقى لبنان.