ما يجري حاليا من مآسي يومية في عالمنا العربي هو أمر قد تجاوز كل منطق، فمنذ أن توترت الأوضاع في المنطقة بسبب قضية الجندي الإسرائيلي في غزة والتي أعقبتها على الفور ووفق تخطيط منظم ومبرمج لا تخطأ العين الخبيرة قراءة دلالاته وإيحاءاته قضية تفجير حزب الله اللبناني لوضعية السلام الهش مع إسرائيل وما نتج عن ذلك من مجازر إنسانية مروعة وقودها الناس والحجارة ومن معاناة ستظل مرتسمة لعقود طويلة قادمة والمنطقة تسير بإمتياز نحو الجحيم والتفتت والضياع شبه الشامل بعد إن إستطاعت الأنظمة الظلامية والأحزاب والجماعات العاملة لمصلحتها من الإمساك بعتلة التاريخ وباتت تتحكم بتوجيه دفة الوضع نحو نهايات إنتحارية لا تخدم في النهاية سوى أعداء الحرية والسلام، فمع الشد والجذب والقتل المبرمج والدقيق في فلسطين ولبنان تستمر الساحة العراقية في الإشتعال الطائفي مهددة بحرق الأخضر والبابس وفاتحة الطريق على سيناريوهات مرعبة لحرب أهلية قائمة لم يعد ينقصها سوى الإعلان الصريح، فما يجري في العراق من مجازر يومية متوالية قد فاق حدود التصور، بل أنه أمر مرعب فلا يكاد يمر يوم دون أن يقتل المئات من الأبرياء والعمال والكادحين والفقراء، ودون أن تتلوث الصورة العراقية بخلفيات التناحر الطائفي النتن الذي أضحى اليوم هو الحقيقة العراقية العارية في ظل الفشل الحكومي الواضح والتعثر المريع لقيادات وأحزاب الإئتلاف العراقي التي لم تستطع أن تحقق ولو نسبة ضئيلة من الوعود والآمال، لا بل أن مجمل العملية الديمقراطية في العراق قد أصابها السقم والعقم وتحولت الديمقراطية العراقية الموعودة لملهاة دموية مرعبة ولبطر خارق للعادة ولعملية سحب دم منظمة لآخر قطرات الدم العراقي المستباحة، وبات الصراع الشيعي / السني المرفوض والمستهجن يمثل الحالة العراقية الجديدة وتداخلت كل الخطوط، وإمتزجت كل الألوان لتشكل الوصفة العراقية المريضة التي باتت أخبارها ثانوية أزاء ما يحدث في لبنان المدمى والسائر في طريق الضياع بعد مغامرات حلفاء إيران الذين إستغلوا الصورة الضبابية للأوضاع السياسية العربية ليشنوا حروبا توريطية ستؤدي في النهاية لتنازلات مرعبة وقادمة في الطريق لا محالة، فنتيجة الحرب في لبنان معروفة مقدما مهما كانت الطلاءات الإيديولوجية والشعارات الزاعقة التي تغلفها، ولعل التصريحات السعودية الشجاعة والمباشرة تلخص الموقف برمته رغم عدوانية بعض الأصوات الإعلامية العربية التي تتحدث عن مغامرات دون كيشوتية وعن حروب تحرير لن تحدث ففي النهاية ستنتهي المجزرة القائمة في لبنان بتخلي حزب الله عن سلاحه، وسينجلي الموقف عن ورطة حقيقية لكل الذين ورطوا لبنان وشعبه بمغامرات غير محسوبة سوى لمصلحة عمائم إيران وحلقائها الذين يتصورون أن بخداع الشعوب بالشعارات وبنقل المعركة لدول الجوار وبدماء وتضحيات الفقراء يستطيعون العوم بحرية في مستنقعات الشرق الأوسط الحافلة بالمفاجآت.... سيبزغ عصر جديد لا محالة من وسط ركام الفوضى، وستنتهي فقاعات العمائم المقدسة، فمهرجانات الدم الشرق أوسطية ستحمل متغيرات كبرى قادمة لا محالة، والعرض القادم الكبير هو في الطريق..