للباحث الايراني أحمد قابل
ترجمة وتلخيص قسم الترجمة في ايلاف

بعيدا عن الملاحظات الديبلوماسية لابد من دراسة الحرب الاخيرة بين اسرائيل وحزب الله اللبناني، والتي راح ضحيتها أناس أبرياء في فلسطين ولبنان، والأعتداء الوحشي للمحتلين الصهاينة ضد الشعب الفلسطيني البرئ، من وجهة نظر عقلانية ورؤية شرعية، فقد اتسع الجرح الغائر في الشرق الأوسط، ويبدو ان عقلاء المجتمع الدولي قد عجزوا عن مداواته، مع ذلك ليس من حل لمشاكل المجتمع الدولي سوى الحل المنطقي والسلوك العقلاني. ان الهدف من التركيز على الرؤية الدينية هو البرهنة على تضاد الادعاءات الرائجة وتنافيها مع الحقيقة . ان الخطابات الدينية، في نظري،سواء الاسلامية او اليهودية، تضطلع بدور في المجازر الفظيعة التي ارتكبت في العقود الستة الاخيرة، دون أن يعني ذلك الغاء سياسات القوى الاستعمارية ودورها في نزيف هذا الجرح القديم، اذ ان انكار العنصر الخارجي مثل انكار الشمس في ظهيرة يوم صيفي لاهب في الشرق الأوسط . على ضوء هذه المقدمة، أسعى الى طرح قضيتين غير متباعدتين :(أ)- المستجدات التي طرأت مؤخرا .(ب)- بحث في القضية الفلسطينية.

1-
ان اعتداء القوات الاسرائيلية على الشعب الفلسطيني وقتل المدنيين وتدمير البنى الاقتصادية في المناطق الخاضعة للحكومة الفلسطينية وخطف الناس الابرياء واعضاء من الحكومة الفلسطينية لاتنسجم لا مع حقوق الانسان وتتنافى مع تعاليم الديانة اليهودية .ان نقض العهد مرفوض في جميع الشرائع السماوية، وان محاصرة الحكومة الفلسطينية المنتخبة من قبل الشعب الفلسطيني وقتل المدنيين وتدمير وهدم منازلهم يتناقض مع مشروع السلام للشرق الاوسط ومع خارطة الطريق، كما ان هذه الاقدامات الاسرائيلية هي في الحقيقة جريمة ضد الانسانية.

2-
واذا افترضنا ان عمليات حزب الله الاخيرة ضد القوات الاسرائيلية وأسر اثنين من جنودها، جاءت كرد فعل على جرائم اسرائيل في غزة، فهنا علينا ان نطرح السؤال التالي quot;هل فوّض الشعب اللبناني -الذي دفع ثمن الحرب غاليا -حزب الله، فان كان الجواب بالايجاب، سيمكن آنذاك الحديث عن تأييد الشعب اللبناني لهجمات حزب الله، ولكن ماذا عن المعاهدات التي نصت على التزام وقف النار بين حزب الله واسرائيل وايضا التزام لبنان بالمقررات الدولية، ان هجمات حزب الله ستعتبر من هذا المنظور نقضا للعهد وغير شرعية.

لابد ان لقادة حزب الله معرفة تامة بوحشية رد الفعل الاسرائيلي واستهدافه للأبرياء والعزل، وتدمير البنى الاقتصادية .ان غياب الاحصائيات التي تكشف عن مدى موافقة الشعب اللبناني على اقدامات الحزب، يجعل الأخير مساهما في جميع الجرائم التي ارتكبها الكيان الصهيوني في لبنان. في وصيته لابنه الحسن المجتبى، يقول الأمام علي quot;عquot; : (لاتدعونّ الی مبارزة... فإن الداعی باغ).
لقد أثبت حزب الله عن جدارته وصموده في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي لجنوب لبنان في السنوات الماضية، وقد سطر ملامح يفخر بها العرب والمسلمون، ولكن عليه أن لايقع في فخ الغرور، ان التاريخ سواء في لبنان او في اي بلد آخر يدوّن النقاط الايجابية والسلبية للافراد والحركات والجماعات، ولن يكون من اللائق ان تتحول النظرة الى حزب الله من حزب قدم التضحيات الى حزب مغامر خائن.ومن المؤسف ان تحرش حزب الله باسرائيل، جاء خلافا للمواثيق الدولية ومنافيا للشريعة الاسلامية، وهو قد جعل ارواح واموال الشعب اللبناني في معرض القتل والتدمير، ولذا فان سلوك حزب الله قد نم عن الغرور وشوه تارخه المشرق.

3-
بغض النظر عن مسؤولية الافراد والمؤسسات القانونية الدولية في وضع حد لهذا العدوان الذي تسبب بخسائر فادحة، يمكن ومن منظور اخلاقي القول باننا نشهد انحطاط الشخصيات البارزة في المحافل الدولية، ولابد من مواجهتها بالسؤال التالي:quot;هل يعقل معاقبة شعب برئ وقتل مدنييه وتدمير ثرواته الوطنية بسبب خطف جنديين من قبل جماعة مسلحة، أم كان المفروض هو مواجهة الجماعة تلك ؟ أي منطق انساني أو ديني أو أخلاقي يسمح بقتل مئات الابرياء وتدمير اقتصاد شعب برئ من اجل اطلاق سراح جنديين؟
ومما لاشك فيه ان ثمة ازدواجية في معايير العديد من المؤسسات والمنظمات الدولية، بما فيها مجلس الأمن الذي استثنى اسرائيل من تطبيق القرارت التي أصدرها وعدم معاقبتها على جرائم وحشية بحق الانسانية فيما عاقب دول اخرى أشد العقوبات .أن هذه الازدواجية أججت الصراع والتوتر في المنطقة، إذ فقدت بعض الشعوب ثقتها بالمنظمات الدولية التي لم تواظب على مصداقيتها.

4-
من ناحية انسانية وشرعية، يتعين على الجميع انهاء هذه الجرائم البشعة، وايقاف هذا الصراع المؤذي .ان الدفاع عن المعتدي يعد من الذنوب الكبيرة وهو يندرج حسب الشرائع السماوية ضمن باب التعاون على الإثم والعدوان.
تقييم عام للقضية الفلسطينية

لفلسطين قدسية واعتبار كبير من قبل اتباع الديانات السماوية اليهودية والمسيحية والاسلام...ولبيت المقدس او أورشليم قدسية خاصة، وقد تضاعفت هذه الأهمية بسبب وجود quot;مسجد الأقصىquot;الذي يعود تاريخه لحوالي سبعة قرون، ووجود معبد يهودي يعتقد بوجود الهيكل المقدس تحته ويعود تاريخ المعبد الى مايقارب ألفي عام، والمشكلة تفاقمت بسبب وجود المسجد والمعبد في موقع واحد(ويرجح في الظن ان المسلمين قد بنوا المسجد على أنقاض المعبد)
من الجانب الاسلامي لاشك في أن المسجد الأقصى هو القبلة الأولى والأخيرة لليهود وهو أيضا القبلة الاولى للمسلمين، وأن وجه الاشتراك هذا قد تحول الى نقطة صدام وعامل من العوامل المؤججة للصراع .

ولابد من التذكير ان هدم أماكن العبادة يعتبر طبقا للقران الكريم عملا مرفوضا ومحرما، quot;فساد في الأرض quot;، والمسلمون قد ساهموا حالهم حال بقية البشر بهذا العمل المحرم دينيا حينما انساقوا الى التعصب والانفعالات العقائدية، وهذا ما يمكن البرهنة عليه من خلال أمثلة كثيرة من تاريخ المسلمين فقد هدموا معابد سكان المنطقة الأصليين من اليهود والمسيحيين وشيدوا على انقاضها مساجدهم .ولاننكر ان اتباع الديانات الأخرى أقدموا على تصرفات مماثلة مع مساجد المسلمين، ولكننا نستغرب ذلك من المسلمين، إذ كان من الجدير واللائق بهم أن يلتزموا بتعاليم ورؤية القران لمعابد الديانات الأخرى والتي هي رؤية متسامحة ومرنة.
وعلى ضوء الرواية الاسلامية، فقد اتخذ المسلمون المسجد الأقصى أي قبلة اليهود الدائمة، قبلة لهم، ثم استبدلوه بالكعبة، واذا كانت الحجة التي تساق كدليل يمنح الشرعية في تملك المكان هو كونه قبلة أولى للمسلمين فان الحجة أقوى بالنسية لليهود باعتبار ان المكان نفسه كان قبلة لهم قبل المسلمين واستمر قبلة لهم الى يومنا هذا. ويمكن لليهود ايضا تبرير أحقيتهم بالمكان بانصراف النبي محمد (ص) عن المسجد الأقصى كقبلة وتحوله الى قبلة اخرى.

وفيما اذا ثبت أن المسجد تم تشييده على أنقاض معبد يهودي كان يضم في طبقاته السفلى الهيكل، فان مقررات المنظمات الدولية والمحافل العلمية لن تسمح بهدم المسجد، فهو من المواقع الأثرية المثبتة في قائمة اليونسكو للآثار وجزء مهم من الآثار الثقافية التي تعتز بها البشرية، واذا كان بقاء المسجد في بيت المقدس أو أورشليم أمرا منطقيا، فمن البديهي أن يتولى المسلمون ادارته. وفيما اذا تم البرهنة على وجود المعبد اليهوديquot;وهيكل سليمان quot;في الموقع ذاتهquot;وهو أمر يؤيده المنطق، ويتم تفهمه من خلال تغيير القبلة في الاسلامquot;فلابد حينها من منح اليهود الحق في اقامة شعائرهم في المكان ذاته، وأقترح تشكيل هيئة من المسلمين واليهود لتنظيم وادارة المكان بما يجنب المسلمين واليهود الصدام .

ولانشك من أن اليهود هم الأقدم في المنطقة وأن تاريخ تواجدهم في فلسطين يسبق تواجد المسلمين بألف ومائة عام من بعثة خاتم الأنبياء quot;صquot;، ولايستطيع عاقل أن ينكر هذه الحقيقة، ومما لاشك فيه أيضا هو أن بني اسرائيل لم يكونوا عربا وانما عبريين وينطقون بلغتهم العبرية الخاصة بهم دون سائر الأمم والقوميات الأخرى. والحقيقة الثانية التي لاغبار عليها تتلخص بسيطرة المسلمين على مناطق شاسعة في آسيا وافريقيا واوربا، وقد انتهج المسلمون ذات السياسة التي كانت رائجة في القرون الماضية والتي تقتضي أن يتبنى المغلوب ديانة الغالب والمنتصر أو أن يوقع معاهدات يوافق فيها على الخضوع لسلطة المنتصر أو أن يرحل الى بلدان اخرى. وقد خضع يهود فلسطين للقاعدة ذاتها، فمنهم من أسلم ومنهم من هاجرالى أماكن اخرى في اوربا واسيا وقسم آخر ارتأى البقاء في بلاد اجداده مع تمسكه بديانته.

في اعتقادي، ان قضية فلسطين ليست قضية اسلامية ولاعربية، انما هي مرتبطة فقط بالشعب الفلسطيني وله وحده حق تقرير المصير واتخاذ القرار. اذا كان الشأن الفلسطيني شانا عاما لجميع المسلمين فعلى مدعي هذه الأطروحة ان يذكروا المعيار الذي يجب أن يعتمد لاتخاذ قرارات حاسمة تخص الفلسطينيين، هل هي المؤتمر الاسلامي باعتباره المنظمة المكونة من البلدان الاسلامية، ام الى منظمة اخرى تمثل جميع مسلمي العالم، .ان بعض المسلمين يتحججون بالاغلبية السكانية للمسلمين في السنوات الماضية، وهو منطق بائس اذا ماعلمنا انه قابل للتوظيف من قبل اليهود الذين كانوا أكثرية ساحقة في عصور مضت وأغلبها قبل ظهور الاسلام.وليس هناك منطق علمي يوافق على الاحتكام لاحصائيات العقود الستة أو السبعة الماضية ويرفض الاحتكام للحجم السكاني للمكان نفسه في القرون الماضية.

أن اي احتكام للتاريخ انما يكسب شرعيته اذا ما انطلق من التاريخ المعترف يه من قبل الأمم المتحدة .ان تاريخ البشرية دخل طورا جديدا مع تشكيل منظمةالأمم المتحدة، وصلاحيتها كالمرجعية الوحيدة المكلفة بحل النزاعات بين الأمم والدول.

ان انضمام الدول الاسلامية والعربية الى منظمة الأمم المتحدة يعني القبول بآليات عمل المنظمة والالتزام بقراراتها . ف باسرائيل كدولة مستقلة، وهي حقيقة مرة يجب القبول بها.

ان عددا كبيرا من اليهود ولدوا في فلسطين ولم يفدوا بارادتهم من بلدان اخرى، وليس لديهم بلد أخر، وهم مع ذلك من المناهضين لسياسة حكومتهم، ومن هنا فان أي اعتداء على المدنيين الاسرائيليين يعد جريمة لاتختلف كثيرا عن جرائم الصهاينة، كما أن اعتداء من هذا القبيل محرم من الناحية الشرعية بالتأكيد التام.ومن المؤسف ان بعض زعماء الدول الاسلامية يبررون الجرائم التي ترتكب بحق المدنيين اليهود بذريعة جرائم المغتصبين الاسرائيليين، وهو ما يتنافى مع الشريعة الاسلامية. (و لايجرمنكم شنآن قوم علی الاّ تعدلوا، اعدلوا هو اقرب للتقوی).

المصدر صحيفة quot;ايران امروزquot;الالكترونية