لم أشك لحظة واحدة بعدمية وغوغائية الخطاب السياسي والفكري والإعلامي الإيراني، فالإيرانيين تاريخ حافل ومؤطر بتلك السياسات المنافقة وبمحاولات توريط شعوب المنطقة في نزاعات مؤلمة ومأساوية، ولعل تجربتهم في العراق والمستمرة فصولا حتى اليوم هي الملف الأعظم في ممارسات ذلك النظام الغوغائية، فمن غير خجل ولا وجل أعلن النظام الإيراني من أنه ليس في وارد التدخل عسكريا في النزاع اللبناني الإسرائيلي ؟؟ ومن أنه تبعا لذلك لن يتبع القول بالفعل ؟ وليس في هذا الموقف من جديد بالمرة لكل من يعرف عقلية وخلفية ومنهجية النظام السياسي والطائفي في إيران المعتمدة على الدجل والخداع ومحاولات إحداث الفتنة الطائفية والداخلية بين شعوب المنطقة من خلال التخفي تحت مظلة شعارات المظلومية الشيعية ومعاناة أهل بيت النبوة الإبرياء كل البراءة من كل ممارسات النظام الكهنوتية المريضة والمغلفة بالمطامح والأطماع القومية والعنصرية ، نعم لن يحارب الإيرانيون وكل عراقي وعربي حر يعرف هذه الحقيقة جيدا ، فمن يسلخ جنود عرب الأهواز ومن يصدر ضدهم القوانين العنصرية لا يمكن أن يكون رحيما بالشعب اللبناني الذي ورطته مغامرات حزب خدا اللبناني المرتبط قلبا وروحا وقالبا وتمويلا بالنظام الإيراني في مجزرة دموية مؤلمة يمارسها الإسرائيليون ليل نهار ويقف أمامها العالم حائرا مترددا بينما يتبرأ نظام طهران من كل تعهداته تاركا اللبنانيين لمصيرهم المؤلم ، لقد كان واضحا منذ اللحظة الأولى من أن نظامي طهران ودمشق سيهربان من ساحة المواجهة رغم أنهما سبب وموطن التوريط والأسباب معروفة ، ونظام طهران يعرف جيدا من أين تؤكل الكتف ؟ كما يعلم أن إستمرارية الوجود والبقاء والتسلط الكهنوتي وحتى ظهور المهدي؟؟ هي مسألة أهم من نصرة المستضعفين الذين يكتفى بتعزيتهم في الحسينيات والمناسبات اللطمية المعروفة ؟؟ لقد أثبتت حرب لبنان طبيعة الوجه المنافق العاري للسياسة الإيرانية ؟ وأبانت على الملأ للمخابيل العرب الحالمين بالنصرة الإيرانية حقيقة الموقف ؟؟؟ إنه موقف التخاذل التاريخي المعروف ، فالعمائم لا تصنع التاريخ ولا تغيره بل تضيف لمعاناته... فهنيئا لنظام طهران كل هذا الحجم من النفاق؟

النظام الإيراني وسياسة تكسيح العراق

في ظل إشتعال الموقف في الشرق الأوسط، ومع إختلاط الأوراق وتداخلاتها سياسيا وعسكريا وأمنيا وحتى جماهيريا، ومع تصاعد النزاع الدموي الطائفي في العراق الذي بات اليوم يعيش حالة الحرب الأهلية الحقيقية غير المعلنة والذي يدفع فقراء العراق من شيعة وسنة أثمانه مع إشراقة كل شمس عراقية، باتت المراهنة على إحتواء ومصادرة خيارات الشعوب الحرة ليست مجرد محاولات عبثية؟ بل أن المراهنة على مستقبل الشعوب وتطلعاتها من أجل الحرية والتقدم قد أضحت للأسف رهينة بأيادي أنظمة وأجهزة لا توفر سوى برامج الموت والدمار والتقتيل والتشريد، فمع تدهور الحالة اللبنانية في الحرب التدميرية المفتوحة رغما عن أنف شعبه وقواه الوطنية ومرجعياته الدينية، يعيش العراق تحت طائلة قوى الشر الإيرانية الطائفية التي تحاول مصادرة قراره الوطني الحر والهيمنة عليه والتسلل العلني بعد إنكشاف المفضوح وإستغلال وضعية المنطقة العامة من أجل فرض الرؤى والستراتيجيات وتحديد الخيارات المستقبلية، فليس سرا من أن نتائج الصراع في لبنان ستنعكس بقوة على الوضع في العراق بعد أن رسمت حرب لبنان المفتوحة خيوطا لتحالفات جديدة ومحاورا لقوى سياسية متباينة ومختلفة في كل شيء ولكنها متفقة على مشروع وأد الحرية وإبعاد شبح التقدم، والوضع العراقي الشاذ بات اليوم يمثل فرصة حقيقية للنظام الإيراني ليخوض فيه حروب المناورة وليجرب تكتيكات الخداع السياسي والنفاق الدبلوماسي، ولعل إشتعال حدة النزاع الطائفي وإستشراس قوى الطائفية السوداء القاتلة في العراق من كلا الطرفين وقيام المجازر التصفوية المرعبة على الهوية الطائفية تعبير عن تدخلات إقليمية فجة في الوضع العراقي، فلم يشهد العراق في تاريخه القديم والمعاصر نزاعات طائفية دموية كما هو حاصل اليوم؟ ولم يشهد العراق رغم تخلف كل أنظمته السياسية السابقة هذا الوضع المؤلم من الإنحدار والتخلف الطائفي والمجتمعي، وخراب المؤسسات الأمنية والعسكرية والتي باتت للأسف تتحمل مسؤوليتها الكبيرة في ما يجري من جرائم يومية مروعة، فالعصابات التكفيرية التي تقوم بقتل فقراء الشيعة من النساء والأطفال والباعة والحلاقين والباحثين عن العمل في مدينة الثورة أو غيرها من مدن العراق لا تختلف عن عصابات مقتدى الصغير المهدوية الذي يريد اليوم فرض وصايته المضحكة والمهزلة على الحكومة العراقية بأسرها رغم كونه في طليعة من تورط في أعمال القتل والإرهاب في العراق الجديد من خلال جريمة قتل السيد الشهيد عبد المجيد الخوئي ورفاقه في يوم التحرير العراقي الأول؟ وهي الجريمة التي تظل حتى اليوم مسؤولية معلقة في أعناق الحكومات العراقية المتعاقبة التي فشلت في جر مقتدى وعصاباته للمحكمة وفي تطبيق القانون على منتهكيه؟ بل في تحويل ذلك المتهم لزعيم شعبي على النمط المهدوي يحظى بالقداسة والحصانة في مهزلة سحبت ورائها مهازلا مأساوية؟ واليوم يحاول النظام الإيراني ومن خلال مخططاته الواسعة المدى وتكتيكاته المخادعة مصادرة الدولة العراقية من الداخل من خلال تشويه مؤسسات الدولة والتسلل للتخريب وهو ما تقوم به الأجهزة الإيرانية ضد جهاز المخابرات الوطنية العراقية الذي يخوض حربا صعبة وغير متكافئة ضد مختلف القوى والتيارات التي تناصب حرية العراق العداء المرير، لقد أعلنها جهاز المخابرات العراقية بشكل صريح وأكد على دور النظام الإيراني في تشويه سمعة الجهاز من خلال الدعايات الإعلامية المغرضة، ومع ذلك لم يتحرك أحد في الدولة العراقية لتحديد المسؤولية أو لمناقشة ما جاء في بيان جهاز المخابرات الوطنية الذي يمثل مؤسسة وطنية عراقية محترفة بعيدة عن الطائفية النتنة وأحقادها المتخلفة... النظام الإيراني يحارب سريا على مختلف الجبهات وفق الأساليب الباطنية المعروفة، والمنطقة على كف عفريت، ودماء الأبرياء قد تحولت لشلالات مرعبة.. ومع ذلك لا أحد يتحرك أو يوضح أو حتى يناقش؟ فإلى أين نحن سائرون؟ وهل ستتمكن زمرة من المتخلفين في إيران في جر العراق والمنطقة لبوابات الجحيم... تلك هي المسألة؟.

[email protected]