في ضوء الأحداث المفجعة التي شهدها لبنان، صارت القضيّة الفلسطينية قضيّة منسية على الرغم من أنّها القضيّة ألأمّ في الشرق الأوسط وعلى الرغم أنّه من دون أيجاد تسوية بين إسرائيل والفلسطينيين لا أمل في أيّ نوع من الأستقرار في المنطقة. بالطبع لا بدّ ان يعود الجولان الى سوريا شرط أن يكون النظام السوري يعتبر أن لديه، بالفعل ويس بالشعارات فقط، أرضاً محتلّة وأنّه يستطيع العيش في ظلّ حال أخرى غير حال اللاحرب واللاسلم مع أسرائيل... وأنّه يريد بالفعل أستعادة أرضه المحتلّة وليس المتاجرة بها.
بعد الحرب التي شنّتها إسرائيل على لبنان، بات في الأمكان القول أن أحد الأهداف التي سعت أليها الدولة اليهودية، أذا وضعنا جانباً الرغبة الواضحة في الأنتقام من لبنان، يتمثّل في تهميش القضية الفلسطينية. الواضح أنّ هناك من ساعد أسرائيل في ما تسعى اليه عن طريق توفير المبررات لشن العدوان على لبنان في وقت كان مطلوباً أكثر من أيّ وقت توجيه الأنظار الى المأساة التي يعاني منها الشعب الفلسطيني.

المؤسف أن قوى عدّة في المنطقة تبدو على أستعداد لدعم التوجه الأسرائيلي الهادف ألى تهميش القضية الفلسطينية وتحويلها من قضية شعب يسعى الى إستعادة حقوقه وأزالة الأحتلال عن أرضه ألى شعب لا يستأهل دولة مستقلة. لو لم يكن الأمر كذلك، لما شهدت غزّة في الأسابيع ألأخيرة سلسلة من الأحداث المقلقة التي تصب كلّها في أتجاه واحد يتلخص بأنّ الفلسطينيين غير قادرين على حكم أنفسهم بأنفسهم. في أساس هذه الأحداث فوضى السلاح التي تشجّع عليها أسرائيل والتي هي في أساس التراجع المستمر للقضيّة الفلسطينية العادلة.

في الأمكان تجاوز قضية خطف الجندي الإسرائيلي في غزّة مطلع الشهر الماضي. يمكن تجاوز القضيّة على الرغم من أنّها كلّفت الفلسطينيين الكثير حتى الآن خصوصاً أن الأوامر بتنفيذها جاءت من خارج ولم تأخذ في الأعتبار النتائج التي يمكن أن تترتب على عمل من هذا النوع. لقد بررت العملية خطف أسرائيل لعدد لا بأس به من اعضاء الحكومة والمجلس التشريعي الفلسطيني، بما في ذلك رئيس المجلس الذي لم يعد في أستطاعته الردّ لدى مثوله أمام محكمة أسرائيلية سوى بالقول أنه بريء وأنه منتخب، أي أنّه شرعي. المفارقة أن لا أحد في العالم على أستعداد لتصديق ذلك وتوجيه ولو رسالة لوم ألى سلطة ألأحتلال الإسرائيلية التي ضربت بعرض الحائط كل المواثيق والقوانين الدولية وتابعت ممارسة إرهاب الدولة في كلّ أنحاء غزّة وحتى في الضفّة الغربية متى شاءت ذلك.

ترتكب إسرائيل كلّ هذه الأعمال الأرهابية في الأراضي الفلسطينية فيما أنظار العالم مركّزة على لبنان وفيما يفعل الفلسطينيون كلّ ما من شأنه خدمة الاحتلال وتنفير العالم من قضيّتهم. والواقع أنّ ما تشهده غزّة في هذه الأيّام مخيف ألى حدّ بات في الأمكان التساؤل كيف يستطيع الفلسطينيون أرتكاب كلّ هذه الأخطاء في مثل هذه الفترة القصيرة من الزمن؟ خلال أيّام، خُطف صحافيان أجنبيان في غزة وأعلنت جهة غير معروفة مسؤوليتها عن العملية وطالبت بعد ذلك باطلاق سجناء عرب ومسلمين في الولايات المتحدة. هل صارت غزة فجأة ساحة يسرح فيها تنظيم quot;القاعدةquot;؟ هل أفضل من عملية خطف الصحافيين العاملين في شركة quot;فوكسquot; الأميركية ، أحدهما نيوزلندي والآخر أميركي، لتنفيذ رغبة إسرائيل في الربط بين القضية الفلسطينية والحرب العالمية على الأرهاب التي بدأت في الحادي عشر من أيلول 2001 والتي كان بين ضحاياها ياسر عرفات الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني؟

في اليوم الذي أعلنت الجهة غير المعروفة مسؤوليتها عن خطف الجنديين مثبتة أن لا سلطة فلسطينية في غزة بل فوضى السلاح، كان آلاف الفلسطينيين من أنصار quot;حزب التحريرquot; يتظاهرون في القطاع للمطالبة بالخلافة الأسلامية وألغاء كل الأتفاقات التي توصّل أليها الجانب الفلسطيني مع أسرائيل. هل هناك دليل أكبر من ذلك على مدى التدهور الذي تعرّض له الوضع في غزة بعد سنة على الأنسحاب الإسرائيلي الأحادي الجانب من القطاع؟ ربما كان هناك دليل أفضل على تدهور الوضع من ذلك الذي تقدّمه تظاهرة quot;حزب التحريرquot; المحظور في معظم أنحاء العالم. أنّه العلاقة السائدة بين الرئاسة الفلسطينية والحكومة التي تسيطر علها quot;حماسquot;. تتصرّف quot;حماسquot; الداخل مع الرئاسة كما لو أنّها مسؤولة عن الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني رافضة في الوقت ذاته الأعتراف بمسؤوليتها أو مسؤولية quot;حماسquot; دمشق أو طهران عن العزلة التي يعاني منها الجانب الفلسطيني. بلغت العزلة حدّاً لم يعد في العالم من يتحدّث عن قضيّة الشعب الفلسطيني ألاّ من الزاوية الإنسانية! لم تعد القضيّة، بفضل النجاحات التي حقّقتها quot;حماسquot; منذ تشكيل حكومتها سوى قضية جائعين بدل أن تكون القضيّة قضيّة شعب رازح تحت الأحتلال يسعى ألى تحقيق طموحاته الوطنية المشروعة. يا لها من مأساة بعدما تحوّل الشعب الفلسطيني وقوداً في لعبة التجاذبات الأقليمية التي لا مصلحة له فيها لا من قريب أوبعيد. هل في أستطاعة وزير فلسطيني أو رئيس الوزراء الوقوف والقول أن كفى تعني كفى وأن الشعب الفلسطيني يرفض الأستمرار في أن يكون ضحية لعبة المتاجرة به؟ لن يتجرّأ إسماعيل هنيّة أو غيره في quot;حماسquot; على ذلك. كلّ ما في الأمر أن القضية الفلسطينية في تراجع مستمرّ. اليوم لبنان في الواجهة. غداً يعود العراق ألى الصفحات الأولى في حال لم يسبقه أليها الملف النووي الإيراني. متى تعود فلسطين ألى الأهتمام العالمي؟ الأكيد أن علينا الأنتظار طويلاً ما دامت حكومة quot;حماسquot; عاجزة حتى عن العثور على صحافيين خطفا في غزّة، وقد تعثر عليهما وتطلقهما بعد ما يكون الضرر قد حصل، وما دام رئيس الوزراء يكتفي بتوجيه نداء من أجل أطلاقهما وكأنّ لا وجود لشيء أسمه السلطة الوطنية الفلسطينية. ما هذه الحركة التي تخصصت في وضع العراقيل أمام الرئاسة الفلسطينية واضعة نفسها من حيث تدري أو لا تدري في خدمة حكومة أسرائيلية ترفع شعار عدم وجود طرف فلسطيني يمكن التفاوض معه! أوليس ذلك سبباً كافياً كي تعيد quot;حماسquot; النظر في مواقفها المتحجرة التي لم تجلب للشعب الفلسطيني وقضيّته العادلة سوى الويلات؟ هل من العدل والأنصاف أن يزايد بعض الصغار الصغار على ياسر عرفات وعلى ما فعله من أجل أن تكون هناك قضية وطنية هي القضية الفلسطينية بعيداً عن مزايدات الأنظمة العربية وغير العربية مثل النظام الإيراني، أي الأنظمة الطارئة على المنطقة العربية التي تسعى ألى أستخدام العرب وقضاياهم لتحسين شروط التفاوض مع quot;الشيطان الأكبرquot; الأميركي وما شابه ذلك؟