قامت القيامة على السيدة صباح لأنها احتفلت بعيد ميلاها التاسع والسبعين، في ظرف عصيب، محزن وقاتل يمر به وطنها الغالي لبنان.
كان عليها، كي ترضي بعض المتشائمين، أن ترتدي الحداد، وتذرف الدموع، وتولول، وتندب، وتصرخ: وامعتصماه.
لا بل كان عليها أن تتخلى عن فساطينها الجميلة، وترتدي الأسمال لتماشي الأحوال، وتسير بين الخراب، من شارع لشارع، كي لا ينبذها بعض مدعي الوطنية والعروبة من أبناء جنسها.
منهم من اعتبر أن صباح تصرفت تصرفاً غير لائق، لأن اللائق بنظره أن تموت صباح دون أن تحتفل بأي عيد ميلاد، كون المصائب في هذه الأمة العربية التعيسة لا تتوقف، والحروب لا تنتهي، والموت يهطل علينا كالمطر ليجرف البشر والحجر.
ومنهم من طالب صباح أن تكون على رأس حملة لدعم بناء ما تهدم، بدلاً من أن تقوم بإحياء حفلة عيد ميلادها، وكأن لا يحق لصباح أن تترأس وأن تحتفل، أن تساعد بالبناء، وأن تُسعِد بالغناء. وما نفع صباح إذا لم تكن كما كانت.. وما نفع لبنان إذا تخلى أبناؤه عن سعادتهم وأهدوه الحزن والبكاء.
ومنهم من صرح بأن ما قامت به صباح يدخل في خانة عدم الاحساس بالمسؤولية، وكأن المسؤولية لا تلقى إلا على عاتق الصبوحة، أطال الله بعمرها، وهي تطفىء 79 شمعة، أضاءتها في ظلام أمتها الدامس أغنيات وأفلاماً فلكلورية وطربية وتراثية واجتماعية، تعتبر بحق فخراً لنا.
ألم يسمع هؤلاء المتشائمون بالنكات اللبنانية خلال الحرب، وكيف أن اللبناني وقف صامداً بوجه الموت والدمار بضحكات صارخة غطت على صوت هدير الطائرات، وأزيز الرصاص، وانفجار القنابل.
هل يعقل أن نوقف مسيرة حياتنا لأننا ضربنا من الجو والبر والبحر؟
هل يعقل أن نلغي أعراسنا، ونعنّس فتياتنا وفتياننا، ونوقف الإنجاب، لأن العدو هاجمنا وهدم بعض أحيائنا، وقتل العديد من أبريائنا؟
نحن شعب صارع الموت خلال حرب أهلية طويلة، دون أن يتمكن الموت منه، لا بل قيل أنه هو الذي صرع الموت، كطائر الفينيق، وأهدى الحياة لأجياله. لذلك لن تتمكن حرب شهر واحد، مهما بلغت شدتها، من أن تهدم سعادته، وتغيّر مجرى حياته.
هكذا نحن.. نعيش بفرح ونموت بفرح.. ولهذا صمدنا، ولهذا انتصرنا، ولهذا دخلنا التاريخ.. فاتركونا نعيش كما اعتدنا أن نعيش، لأننا سئمنا من التنظير والتبخير والتنجير، وكأن لا هم عندنا سوى سماع ثرثرات الآخرين.
احتفلت صباح بعيدها التاسع والسبعين، وستحتفل بإذن الله، بعيدها المئوي، وهذا ما سوف يسعدنا كثيراً، ولسان حالنا يردد في كل عيد ميلاد تحتفل به: سنة حلوة يا صبوحة.. هابي باريزادي تو يو.
- آخر تحديث :
التعليقات