إن البدء في ترسيخ أسس العراق الجديد يقوم أولاً على بناء دولة القانون، واحترام قواعد القانون تكون عن طريق تحقيق قواعد العدالة وأنصاف الضحايا والمظلومين.
وقضية إعادة حقوق العراقيين الذين ظلمهم النظام الصدامي تعد في مقدمة المهمات الوطنية المناطة بعملكم في مجلس النواب، وهي بالإضافة لكل هذا الفرصة التاريخية التي سيسجلها لكم التاريخ العراقي باعتزاز والتي سيتذكرها الشعب دوماً.
لايخفى عليكم ما تحملته شريحة الكرد الفيلية في العراق من ظلم كبير، وما وقع عليهم من جرائم وحيف مارسته سلطة الطاغية صدام مادياً ومعنوياً، خلال حقبة زمنية ليست بالقصيرة طالتهم جميعاً دون استثناء.
كما لايخفى عليكم جميعاً العطاء الوطني الذي قدمته هذه الشريحة جنباً الى جنب مع كل مكونات العراق الوطنية.
قدم الكرد الفيلية التضحيات الجسام والشهداء ضمن صفوف الحركة الوطنية العراقية، وساهموا بشرف كبير في القتال بصفوف البيش مركة الفصائل المسلحة المدافعة بحق عن حقوق شعبنا الكردي المناضل، والتي تصدت لترسانة جيوش الشوفينيين والدكتاتورية في العراق، مثلما قدموا الشهداء ضمن فصائل الحركة الوطنية في جميع مناطق العراق، ولم يبخلوا على الحركة الإسلامية التي قدموا معها التضحيات، حيث صمدوا ضد الظلم والقسوة في زمن صدام ولم يزلوا يناضلون في صفوفها حتى اليوم، وساندوا نضال الشعب العراقي ورغبته في إسقاط النظام الدكتاتوري، وحق علينا القول أنهم كانوا يشكلون القاسم المشترك في العراق في العطاء والبذل والتضحية والفداء.
ويمكن إن يشكل هذا العطاء جزء مهم من سجل عطاء الحركة الوطنية العراقية المناضلة ضد سلطة الطاغية البائد صدام، وسيسجل التاريخ لهم هذه الصفحة المضيئة بكل فخر واعتزاز، مثلما سيذكر التاريخ العراقي الحديث عطاء الشهداء لمجمل الحركة الوطنية العراقية التي جاهدت ضد سلطة الطاغية.
غير أن ما يلفت النظر أن السلطات الشوفينية لم تقدم فقط على تجريد المواطنين العراقيين الفيلية من جنسيتهم العراقية، وليس فقط تجريدهم من حقوقهم المادية المنقولة منها وغير المنقولة، بل وصادرت حتى المستمسكات التي تثبت علاقتهم القانونية بالدولة العراقية من خلال مستندات الجنسية وشهادة الجنسية العراقية ودفاتر الخدمة العسكرية، من خلال أساليب لاتقدم عليها إلا العصابات والمجموعات العريقة في الأجرام والمتجردة من الأخلاق والقيم، ويتذكر أهل العراق الهجمة الشرسة والبعيدة عن معاني الشهامة والرجولة التي أقدمت عليها السلطة الدكتاتورية بواسطة أذنابها في عمليات تسفير عوائل الكرد الفيلية واعتقالهم، حيث قامت بتجريدهم من كامل حقوقهم الدستورية والقانونية والشخصية.
وإزاء ما حصل من انتهاك وخرق للقوانين العراقية، وتطويعها لنصوص قانونية تبيح قتلهم ورميهم على الحدود وتجريدهم من الجنسية وجميع المستمسكات القانونية ومصادرة أموالهم المنقولة منها وغير المنقولة، وهو سلوك ليس فقط مخالف للأعراف والمعاهدات الدولية وحقوق الإنسان، وإنما مخالف للشرائع والأديان والقيم والأعراف العراقية.
وبقي الكرد الفيلية متمسكين بعراقيتهم، ومصرين على بذل الغالي والنفيس من اجل المساهمة في إسقاط سلطة الطاغية، وكان لهم الحضور الفاعل الذي يتذكره أصحاب الضمائر الحية في كل فعاليات ومؤتمرات الحركة الوطنية المعارضة لسلطة الدكتاتور.
وبعد أن سقط الطاغية والى الأبد، صار لزاماً على العراقيين أن يعيدوا الحقوق والاعتبار لهذه الشريحة المظلومة، وصار من حق هذه الشريحة المظلومة أن تستعيد حقوقها المسلوبة، وبقيت تلك العوائل بانتظار بارقة الأمل أو الالتفاتة المنصفة لمئات الآلاف منهم حيث توزعوا في دول الشتات، وبالرغم من التعاطف الوجداني الملموس من كل فصائل الحركة الوطنية ومن القيادات السياسية في العراق ومنكم جميعاً، وبالرغم من مجيء السلطة المؤقتة ثم المنتخبة وإقرار الدستور حيث يمكن سن القوانين التي تلبي حاجة المرحلة وتحل الإشكاليات المتشعبة التي تحتاجها الناس، لم يتم الالتفات لهذه الشريحة المغيبة لاعتبارات عديدة، قد يكون من بين أهم ما يشكل العذر الوضع الأمني والإرباك السياسي والتوجه نحو المصالحة والفرقة التي تنخر الجسد العراقي، غير أن العديد من هذه العوائل لم تزل ترنو بعيون ممتلئة بالدموع وقلوب ممتلئة بالوجع والحسرات الى ما سيقرره مجلسكم الموقر، ولن يتحمل المسؤولية سوى مجلسكم بحكم الاختصاص الدستوري في اتخاذ القرارات وتشريع القوانين، و لم تزل العديد من الإشكاليات القائمة بحاجة الى إصدار قوانين تنصفهم وتسهل لهم عملية أعادة الاعتبار وإعادة الحقوق بأقصر الطرق القانونية، حيث سيمضي على سقوط سلطة الطاغية أكثر من ثلاث سنوات ولم تجد تلك الشريحة طريقاً يختصر لها الزمن تسلكه لاستعادة حقها الشرعي والقانوني المسلوب، ولم تستقر على قرار.
وحيث إن صدور قانون الهيئة العليا المختصة بقانون حل المنازعات الملكية العقارية لا يلبي الطموح بالنظر لكون جميع عقارات وممتلكات الكرد الفيلية تمت مصادرتها والاستيلاء عليها من قبل جهاز الأمن دون سند من القانون، وتم استغلال أكثرها كدوائر رسمية ومقرات أمنية وحزبية وبيوت لمسئولين في الحكومة البائدة، مما يتطلب قرارا فوريا بإعادتها الى مالكيها الشرعيين ومعالجة وضع الشاغل والمشتري، بينما عالج القانون وضع المشتري والشاغل وأكثرهم من المالكين والحائزين للأموال المصادرة، والواقع إن المالك الكردي الفيلي لم يزل يدور بين أروقة المحاكم المدنية وفروع هيئة المنازعات في المحافظات، ضمن حلقة مفرغة لم يتوصل الى نقطة مضيئة تعيد له حقه الشرعي والقانوني في عقاره الذي لم يستطع إن يستعيده حتى اليوم، ولم تزل الدعاوى تدور في مراحل الاستئناف والتمييز ومن ثم يتم قبرها في مقبرة التنفيذ، حيث منح القانون شاغل العقار الذي خسر الدعوى مدة للتخلية لايمكن قبولها لتتم معالجة مشكلته، في حين ترك القانون المالك الحقيقي الذي اغتصب منه عقاره خارج الطريق ودون حل قانوني قاطع يلزم الجميع على أحترام حقوقه المضمونة شرعاً وقانوناً وإعادتها بالسرعة الممكنة، ودون أن يتم الالتفات الى تعويضه عن المدة التي خسر بها حق الانتفاع من عقاره، وليس من العدالة أن يكلف من أغتصبت أمواله المنقولة وغير المنقولة بأقامة الدعوى لأثبات حقه والالتزام بالمدد المنصوص عليها، حيث أن المنطق يقضي بأن تعيد الدولة الحق الى صاحبه أو ورثته مادامت الحكومة لاتقر بشرعية الأستيلاء والمصادرة.

ولا نريد إن ندخل في سرد الأختلالات والنواقص والعقبات التي تمنع إيصال الحق خلال مدة معقولة بالطرق التقليدية، ولكننا نشير الى أن هذه القرارات إذا لم تنصف المظلومين وتعيد لهم حقهم الشخصي والقانوني وفق قرارات وقوانين يمكن للعقول القانونية الوطنية التي يزخر بها العراق، وتقديمها لكم كمشاريع لإقرارها فلن تحل لنا المشكلة القائمة مطلقاً، ومالم تربط تلك الأحكام بالنفاذ المعجل أو بحالة البتات القطعي فأنها ستأخذ سنوات أخرى مما سيفقد ثقة الناس في قرارات العدالة العراقية وبالمستقبل.
كما أن للشهداء حق علينا جميعاً، ولم يتمكن الكرد الفيلية لحد اليوم الكشف عن مصير أبناؤهم ومغيبيهم، بل لم يتم الكشف عن مقابرهم الجماعية ويستطيع العديد منهم الدلالة عليها والتعاون مع السلطات التحقيقية، وليس أكثر ظلماً وإجحافاً من بقاء دوائرنا الرسمية وسفاراتنا تطالب أولادهم وأحفادهم بشهادة الجنسية تلك الوثيقة المهلهلة التي حرصت الأنظمة الشوفينية على تبويبها بقوانين لتكريس الفرقة واتخاذها كخنجر مسموم لطعن شريحة كبيرة من شرائح العراق، لم يسبق لبلد يحترم مواطنيه أن أتخذ مثلما اتخذه حكام العراق، ولم يعد الاعتبار لهذه الأعداد المغيبة، سواء منها من قضت بالتجارب الكيماوية، أو تلك التي قضت في التعذيب الصدامي، أو في المعتقلات والسجون الصحراوية، أو من تم دفنه حياً أسوة بالآلاف من العراقيين، وبانتظار أن نعيد لهم الاعتبار بما يتناسب مع حجم فجيعتهم ومحنتهم، ولنتذكر دوما بأن الجنسية العراقية هي مجرد علاقة عقدية بين المواطن والدولة، وأن الجنسية العراقية تتشرف بالكرد الفيلية لتأريخهم العراقي المشرف وليس العكس، بالنظر لما ثبت لكل أصحاب الوجدان والضمير الحي من خلال قراءة واقعية ومنصفة للتاريخ العراقي.
وإذا كنا نتحدث عن محنة الكرد الفيلية بشكل خاص فلم تأخذ قضيتهم المكانة التي تتناسب مع حجم التضحيات والبلاء الذي حل عليهم، ويقينا أن العدالة العراقية والقضاء يهمه إن تكون القضايا المحالة على المحكمة الجنائية العراقية العليا متناسبة مع المحنة وما أصاب العراقيين جميعاً وبما يتوفر من أدلة وقرائن وأسانيد تدين الدكتاتور وأذنابه الذين ارتكبوا الجرائم الخسيسة ضد أبناء العراق.
أن تشكيل لجنة من أعضاء مجلس النواب تستعين بأعداد من الكرد الفيلية أنفسهم وبعدد من المهتمين بشؤون المكونات العراقية والمختصين في المجالين القانوني والاجتماعي تستفد من وثائق وسندات وسجلات مديرية الأمن العامة والأجهزة القمعية السابقة، وتوعز الى السفارات العراقية بواسطة وزارة الخارجية العراقية لاستلام الشكاوى والطلبات من المواطنين الفيلية الذين ينتشرون في دول المهجر وليس لديهم القدرة على السفر الى العراق لأسباب عديدة، وتسهيل إيصالها الى الملف المركزي تمهيداً لإحالة القضية وفق الأصول، ونلفت الانتباه الى مسألة مهمة، وهي إن على الجهات المختصة إن تؤكد للنساء العراقيات من الكرد الفيلية اللواتي تم اغتصابهن أو تم الاعتداء عليهن من قبل أزلام الدكتاتور، أن يتقدمن للشكوى والشهادة مع ضمان عدم الإفصاح عن أسماؤهن وأن لايتم عرض صورهن في وسائل الأعلام، حيث جوز القانون للقاضي ولغرض خدمة العدالة إن يأمر بعدم الكشف عن أية معلومات أو وثائق كما يمكن أن يتم عقد جلسات سرية للمحاكمات.
الكرد الفيلية بحاجة لقراءة وجدانية نطلبها من كل عضو في مجلسكم الموقر، وحين وقع الكرد الفيلية بأصابعهم البنفسجية على الدستور، وحين اختاروكم كممثلين حقيقيين للشعب العراقي، فقد عززوا ثقتهم بكم في الالتفات اليهم فلا تخيبوا ضنهم وثقتهم ولا تخذلوهم، واليوم قبل الغد هم بحاجة ماسة لمداواة جراحهم العميقة، واليوم قبل الغد بحاجة ماسة لأطر قانونية تحدد مستقبلهم.
أن قضية حقوق الكرد الفيلية من الأهمية التي نحملكم أياها لتبقى أمانة في رقابكم، مهما كان تسمية قائمتكم أو تجمعكم، فالتاريخ العراقي سيسجل لكم هذا الموقف، وهم أحق من غيرهم في الأهتمام بقضيتهم والنظر في محنتهم، وأنتم اصحاب الحل والربط في الأتفاق على قرارات لها قوة التشريع تسهل عملية أستعادة حقوقهم وتعويض حرمانهم.
والفيلية بالرغم من كونهم أكراد الا أنهم اعطوا لكل العراق دون تحديد، مما يوجب على الجميع إن يعتبر نفسه معنياً بالمطالبة بحقوقهم القانونية، دون أن حاجز قومي أو ديني أو مذهبي أو سياسي، وبانتظار ما تمليه عليكم ضمائركم.