بعيدا عن أطر التنظيمات القومية و النقابات المهنية والأحزاب الصغيرة في المشرق العربي التي رضعت كثيرا من الثدي العراقي من خلال حملات الرشوة القومية المنظمة التي كان خلالها النظام العراقي البائد سخيا للغاية في توزيع (مكرماته) من أموال العراقيين المنهوبة ويوظفها في مجال الدعاية و التبشير الحزبي و بناء المنظومة القومية لقيادة البعث القومية وهي العملية التي تكلفت ملايين الدولارات في بناء الشقق للصحفيين في إحدى العواصم العربية بينما كان صحفيو العراق بين مقهور و مطارد و مشرد وصريع بكواتم الصوت التي كان الرفيق (برزان التكريتي) ماهرا في إستعمالها!!، أو في توزيع سيارات المارسيدس على المطربين و الفنانين العرب الذين مجدوا بطولات صدام الكارتونية، فإن شعوب المغرب العربي المستاءة هذه الأيام من تنفيذ حكم الله و العدل في أحد أسوأ المجرمين الذين هيمنوا على السلطة في بلاد الرافدين و أحال حياة العراقيين لجحيم مستعر منذ أول أيام هيمنته و تسلطه كانت و لا زالت لا تعرف الشيء الكثير عما يدور و يحدث في العراق، و كانت ولا زالت تتراوح مشاعرها بين حالات التعاطف القومي المخلوط بصوفية دينية و بإنشداد عميق نحو الجذور في الشرق البعيد، كما أنها مشغولة بالكامل ببناء مجتمعاتها و ترسيخ تجاربها السياسية و محاولة إصلاح الضرر الذي تسببت به أخطاء سلطاتها في الحقب القليلة الماضية، و لعل جماهير المغرب تعرف جيدا ماذا يعني الحكم الفردي ؟ و تتفهم مليا طبيعة عمل الأجهزة الإستخبارية حين تنفلت من كل القيود و المراقبة الدستورية ؟ كما أنها تعرف جيدا تكلفة المغامرات و الإنقلابات العسكرية لأنها عانت أشد معاناة من نتائجها ؟ وهي فوق هذا و ذاك تعرف مليا و تفصيليا فظائع الحروب و معاناتها وأضرارها الإقتصادية، فالشعب المغربي الذي يعيش اليوم تجربة إنفتاحية جديدة تتسم بمحاولة المصالحة مع الماضي عبر كشف المصائب و الرزايا و السجون و المعتقلات السرية و حالات الإختطاف و التغييب القسرية و هيمنة الجنرالات على محاور السلطة و تلاعبهم بمصالح الناس و عباد الله، وهي مرحلة يسميها المغاربة اليوم ب (سنوات الرصاص) التي اعقبت الإستقلال عام 1956 ولم تنته إلى مع بداية التسعينيات قبل ان يقفل ملفها نهائيا في مطلع الالفية الثالثة رغم الذيول و الحواشي التي ما زالت موجودة ولم يحسم امرها بعد ! أقول إن كل تلك السنوات وكل المعاناة المغربية لا تساوي شيئا أمام المعاناة الكارثية الرهيبة التي عاناها الشعب العراقي من كوارث نظام البعث البائد الذي نجح في تحويل اغنى بلدان الشرق الأوسط لبلد متسول و مريض ومحاصر و مفتت إجتماعيا و طائفيا ! و إذا كان الصراع الدموي بين الأحزاب المغربية و القصر الملكي كان قد إتسم بجوانب دموية في مرحلة معينة فإن النظام كان يجرب مختلف السبل للوصول للتهدئة و المصالحة وهو ما تم في نهاية المطاف وتمثل في قيام حكومة التناوب و التي رغم مثالبها و نواقصها تظل حالة عربية متميزة و جديرة بالتشجيع و تعبر عن عقلية حوارية مفقودة بين السلطة و الحاكم في عالمنا العربي ، أما في العراق فكان الوضع مختلفا بالمرة فالنظام البائد لم يكن يريد شعبا و لا قوى وطنية بل كان يريد عبيدا يأمر فيركضون، يحارب فيحاربون !! يغزو الجوار العربي المسلم ويدعي أنه كان في طريقه للقضاء على إسرائيل!! وهو ما حصل في الكويت!! ثم يندحر مهزوما و يطالب الشعب العراقي بدفع الثمن ؟ يقتل الآلاف من أبناء الشعب بالكيمياوي ثم يقول أن ذلك كان ضروريا للحفاظ على الوحدة الوطنية و القومية ؟ أقول هل حزن الشعب المغربي لمصرع الجنرال محمد أوفقير ؟ أم أن فرحه كان عارما لأنه تخلص من ابرز رموز الطغيان ؟ ألم يفرح الشعب المغربي لمقتل و غياب الجنرال أحمد الدليمي لنفس السبب السابق ؟ ألا تطالب الفعاليات المغربية اليوم بمحاسبة كل الضباط و المسؤولين السابقين عن سنوات الرصاص وبعضهم على رأس أحزاب سياسية اليوم ؟ فلماذا تحرمون على العراقي حق القصاص من قاتليه و جلاديه ؟ لماذا ينظر العرب بعيون عوراء معبأة بكل أحقاد الطائفية نحو الحالة السياسية في العراق ؟ صدام لم يكن عدوا للشيعة فقط بل كان عدوا للإنسانية و للسلام و للحق و للقانون وهي المثل التي يناضل المغاربة من اجل إقرارها اليوم ؟ مشانق صدام لم تكن تفرق بين السني و الشيعي و الكردي بل كانت مشانق عمياء تصطاد الأحرار و تصفح عن العبيد و الخانعين، مشانق كانت تشتق بفضل تكنولوجيا دول القمع الشيوعية بالعشرات دفعة واحدة وهي أمور لا يعرف المغاربة عنها شيئا ؟ فهل تعلم شعوب المغرب العربي بحملات تنظيف السجون ؟ إنها لم تكن تنظيفا على الطريقة المغربية كما فعل الحسن الثاني حين أغلق معتقل (تازمامرت) الرهيب، بل أنها إعدام شامل للموقوفين!! التاريخ سيحدد الوقائع وينظف التصورات و يزيح الأوهام.. أما بعض النقابات و الأحزاب فلا جدوى من الحديث معها لأنها تفكر بعقلية منقرضة هي العقلية الشمولية... التاريخ وحده سينصف المظلومين.....