مرّت أيّام على أعدم صدّام حسين بطريقة معيبة للذين أعدموه أوّلاً، لكنّ ذلك لا يحول دون الدعوة ألى أمتلاك ما يكفي من الشجاعة بغية التفكير مليّاً في الظروف التي أدّت ألى اعدام الرئيس العراقي المخلوع الذي لا علاقة له بما يدور حوله لا من قريب ولا من بعيد. حتى اللحظة ألأخيرة من حياته، كان صدّام وفيّاً لصدّام، أي وفيّاً للجهل والغباء. لم يفهم صدام شيئاً عن المنطقة والعالم. وما كان مقدّراً له أن يفهم يوماً ما شيئاً عمّا يدور في المنطقة والعالم والعراق نفسه بسسب تركيبته النفسية أوّلاً ورفضه المستمر للتعلّم من تجارب الماضي. المؤسف وسط كلّ ما حصل أن صدّام بدا بطلاً، أفلّه من وجهة نظر الجمهور العربي، في حين أنّه كان جباناً، بل رمزاً للجبن. لو لم يكن جباناً لكان قاوم الذين حاولو القبض عليه في الحفرة بدل أن يستسلم. كان نجلا صدّام، عديّ وقصيّ، أكثرشجاعة منه. قاتلا حتى اللحظة الأخيرة ورفضا الأستسلام. كانا على الأقلّ يعرفان المصير الذي ينتظرهما ففضّلا الموت على السجن الأميركي. لم يمتلك صدّام الحدّ الأدنى من الرجولة كي يموت وسلاحه بيده وكي يتفادى الطريقة التي أعدم بها، علماً أن هذه الطريقة أدانة للذين أعدموه قبل أيّ شيء آخر. المؤسف أنّ الذين أعدموا صدّام سمحوا له بأن يظهر في مظهر الرجال. والحقيقة أن الرئيس العراقي المخلوع وجد نفسه في وضع من لم يعد لديه ما يخسره. لذلك ردّ بجرأة على الذين تطاولوا عليه بطريقة جبانة حوّلته ألى بطل قومي في حين أنّه جبان بكلّ معنى الكلمة. القاتل جبان. من يقتل جبان. الرجل الذي يترفّع عن القتل هو الشجاع. هل هناك من يريد أن يتذكّر شجاعة الملك الحسين، رحمه الله، الرجل الذي رفض حتى مجرّد الأنتقام من الذين حاولوا أغتياله وتمسّك بنهجه الحضاري والأنساني حتّى اليوم الأخير من حياته. ليس صدفة أن التاريخ لا يمكن ألاّ أن يتذكّر الحسين بن طلال في حين انّه أحتقر كلّ من قتل وكلّ من حافظ على السلطة بالقتل ولا شيء غير القتل على غرار ما فعل حكّام العراق منذ ذلك اليوم الأسود في الرابع عشر من تمّوز- يوليو 1958 حين حصل أنقلاب عسكري قادته مجموعة من الهمجيين أنتهى بالقضاء على الهاشميين على رأسهم الملك الشاب فيصل الثاني.
كان يفترض بالحكّام الجدد للعراق، أولئك الذين وصلوا ألى حيث هم بفضل الأحتلال الأميركي، الترفّع عن الأنتقام. الدول لا تنتقم. هناك شيء أسمه العدالة. لا يمكن التذرّع بquot;العدالة الألهيةquot; لتبرير الأنتقام. من يمتلك شرعية حقيقية لا ينتقم. من يمتلك شرعية حقيقية لا يتصرّف بطريقة ميليشوية. على العكس من ذلك، من يمتلك شرعية حقيقية يمارس التسامح. لم يكن مطلوباً ممارسة أيّ نوع من التسامح مع صدّام حسين بمقدار ما أنّه كان مطلوباً ترك العدالة تأخذ مجراها. وأن تاخذ العدالة مجراها يعني قبل أي شيء آخر أن تكون هناك محاكمة عادلة للطاغية، محاكمة تغطّي كلَ الجرائم التي أرتكبها في حق العراقيين، أي في حق السنّة العرب وفي حقّ الأكراد وفي حق الشيعة العرب وفي حق الذين هجّرهم من العراق بحجة أنّهم من اصول غير عراقية وهم من أهل العراق، قبل أن يكونوا من أي بلد آخر... وفي حق العرب كلّ العرب. أليس الوضع العربي المزري السائد حالياً مسؤولية صدّام ولو جزئياً؟ من أفقر العراق وأوصله ألى حيث وصل أليه غير صدّام الذي استهل رئاسته بخوض حرب مع أيران ما لبث أن اتبعها بجريمة أحتلال الكويت؟
ذهب صدّام حسين ضحيّة الغباء أوّلاً. لم يعرف في أيّ وقت أن يكون أنساناً على تماس مع ما يدور في العالم. رفض أن يتعلّم شيئاً. لم يفهم لماذا لم يخسر الحرب مع أيران- الخميني التي أعتقد أنّه هزمها في حين أن العالم كان يرفض أنتصاراً أيرانياً في الحرب من منطلق أنّه يريد المحافظة على توازن معيّن في المنطقة. تكمن المشكلة الآن في أن الذين خلفوا صدّام ينتمون ألى المدرسة ذاتها، مدرسة رفض أقامة دولة ومؤسسات تحافظ على وحدة العراق بدل شرذمته. الذين اعدموا صدّام أظهروا أنّهم ليسوا أفضل منه وأنّهم على أستعداد كامل لأرتكاب الجرائم التي أرتكبها. صدّام مجرم. لا خلاف على ذلك. يستحق العقوبة القصوى. لا خلاف على ذلك. لكنّ الذين حاكموه لم يظهروا في أيّ لحظة أنّهم أفضل منه. حوّلو المحاكمة ألى قضية شخصية تواجه فيها صدّام وحزب quot;الدعوةquot; الذي ينتمي أليه رئيس الوزراء نوري المالكي. القضيّة ليست قضيّة شخصية، لا يمكن محاكمة صدّام وأدانته في قضيّة الدجيل حين تعرّض لمحاولة أغتيال في العام 1982 وراءها حزب quot;الدعوةquot; الذي كانت تقف خلفه أيران. وقتذاك كانت أيران في حرب مع العراق. صحيح أن صدّام تصرّف على عادته بطريقة وحشية، لكنّ الصحيح أيضاً أن قضيّة الدجيل يمكن أدراجها في سياق الحرب بين البلدين. لا مبرر للوحشية التي لجأ أليها صدّام، لكنّ الحكم الذي صدر في حقّه والذي نفّذ على حين غفلة حرم العراقيين من العدالة. لم يحرمهم من العدالة فقط. حرمهم أيضاً من الأمل، الأمل في مستقبل أفضل يبدأ بكشف كلّ الجرائم التي أرتكبها صدّام والفكرالبعثي المتخلف الذي كان مجرّدغطاء يستخدمه لتبرير قراراته المنفردة التي نقلت العراق من كارثة ألى أخرى...
المشين في ظلّ كلّ ما حصل أن الطريقة التي أعدم بها صدّام والتي قد يعدم بها برزان، وهو أخ غير شقيق له كان مديراً للمخابرات حتى أواخر العام 1983، لن تؤدي سوى ألى تكريس شرخ ذي طابع طائفي ومذهبي ومناطقي وقومي في العراق والمنطقة. الأكيد أن ليس بهذه الطريقة يحارب صدّام. وليس بهذه الطريقة يمكن القضاء على التركة الثقيلة لغبيّ لم يعرف غير القتال والحروب والغدر وألغاء الآخر بدليل الجريمة التي أرتكبها في حق الكويت والكويتيين والتي يستأهل ما هو أكثر من الأعدام عليها.
في النهاية، تعتبر الطريقة التي أعدم بها صدّام افضل خدمة لرجل لم يعرف يوماً ما معنى التسامح والأنسانية والأنتماء لكلّ ما هو حضاري. الذين أعدموا صدّام من مدرسته. لقد أعدم صدّام على طريقة صدّام. الأكيد ان العراق يستأهل أفضل من تلك المدرسة. يستأها افضل من وضع تكون فيه ميليشيات في السلطة... ميليشيات مذهبية تجعل العراقيين والعرب يترحّمون على رجل لا يستحق الرحمة! هل من يريد أستيعاب النتائج التي ترتبت على عملية الأعدام المقرفة التي قضت على أي أمل بأقامة دولة مؤسسات في العراق، أم ان المطلوب أصلاح الخطأ بخطأ آخر وتغطية الجريمة بجريمة أكبر منها على طريقة ما كان يفعله صدّام؟