-1-

بالأمس قررت حكومة حركة حماس مقاطعة قناة quot;العربيةquot;، لأنها بثتفي برنامجها quot;آخر ساعةquot;، ما قاله رئيس الحكومة اسماعيل هنية من أنه يرفض أية شروط، حتى ولو جاءت من الله سبحانه تعالى. وعندما تفاعلت هذه quot;الفلتةquot; من فلتات quot;أبو العبدquot; القبضاي اسماعيل هنية، الذي عاد من الحج، يلبس عباءة وجلابية وشماغاً، بل البذلة الأفرنكي، أنكرت حماس ما قاله اسماعيل هنية، وشاطت، وماجت، وغضبت، وقررت مقاطعة قناة quot;العربيةquot;، وطرد مراسليها، وإلى آخر ما هنالك من اجراءات بوليسية قمعية، لا تليق بحركة تقول أنها جاءت الى الحكم على ظهر الجواد الديمقراطي الإسلامي، وتتمسك بالديمقراطية، كلما هزَّ أبو مازن عصا الانتخابات المبكرة. ونسيت حماس، أو تناست، أن هذا التصريح، الذي رفض فيه أبو quot;العبدquot; الشروط، حتى ولو كانت من عند العزيز الحكيم، مسجل بالصوت والصورة، حيث لا مجال هناك للإنكار، أو النفي، أو الجحود.
هذه الفاشية الحمساوية ليست جديدة.
أليست حماس هي حركة الإخوان المسلمين في فلسطين؟
أليس شعار الإخوان المسلمين هو السمع والطاعة؟
أي الفاشية بعينها في لباس ديني قشيب، يضع السيفين والقرآن بينهما.
أليست هذه الفاشية جزء من الفاشية الفلسطينية البازغة هذه الأيام؟
لقد نسيت حماس بانكارها ونفيها لما قاله اسماعيل هنية عن الله، ورفضه لشروطه،قول علي بن أبي طالب، كريم الوجه:
quot;ما من إمريء اختلج له شيءٌ في الجنان، إلا وظهر على اللسانquot;.
كذلك فقد نسيت حماس، أن السلطة الديكتاتورية، ومنها السلطة الدينية الحمساوية، لا تؤمن بالله حقيقةً، وإنما بالسلطة. ولذلك تتشبت حماس الآن بالسلطة، حتى ولو ضاع الجزء المتبقى من شتات وفتات فلسطين، وغِضب الله. فمن طبيعة وطبع الديكتاتور في التاريخ، أن لا يقبل شرطاً من أحد، وألا يلتزم بما يلتزم به الإنسان العادل. وكذلك هي حماس الآن، في المشهد الفلسطيني السياسي القائم.والإجراء الذي اتخذته حماس ضد قناة quot;العربيةquot;، هو جزء لا يتجزأ من الفاشية الحمساوية، التي تكره الإعلام الحر، وتحاربه، وتمقته جهاراً وخفيةً.

-2-
وبالأمس كذلك، أعلنت quot;فتحquot; بالمقابل عن غضبها، وعدم رضاها عن أداء قناة quot;الجزيرةquot;، وقررت مقاطعتها، بطرق شتى، لأنها - كما قالت ndash; اكتشفت مؤخراُ، بأن قناة quot;الجزيرةquot; تُحابي حماس، وتتعصب لها، وتعمل ضد فتح، وطروحتها، وخطابها السياسي.وهذه فاشية أخرى من ربطة الفاشية الفلسطينية البازغة، التي رضعت من حليب الفاشية العرفاتية المعروفة. فعرفات، هو الفاشي الأكبر في التاريخ الفلسطيني السياسي المعاصر. وهو الديكتاتور، الذي لا يُشقُ له غبار. فهو الذي منع كتب إدوارد سعيد الناقدة له ولسياسته الديكتاتورية من دخول الأراضي الفلسطينية. وهو الذي منع كتباً أخرى غير ذلك. وهدد الناشرين لهذه الكتب بمنع كافة كتبهم من دخول الأراضي الفلسطينية، ورفض دفع استحقاقاتهم المالية، إن هم أعادوا طباعة الكتب التي تدينه بقتل القيادات الفلسطينية الثقافية والسياسية، أو تنتقد سياسته، وفساده، ونظام حكمه العشائري.

-3-
والفاشية الفلسطينية جزء من الفاشية العربية، التي نرى أثاراً واضحة لها في الاقطار العربية. في الشارع، والحزب، والنقابة، والمدرسة، والجامعة، ووسائل الإعلام. وما دامت الأنظمة العربية تحكم جهاراً حيناً، وخفيةً حيناً آخر بالحق الإلهي المقدس، الذي كان سائداً في القرون الوسطى في الشرق والغرب، فلا غرو أن نرى ممارسات هذه الفاشية وتداعياتها، في كل يوم.
يحكي لنا الكاتب المصري عادل الجندي، أنه أيام أن كان يعمل في احدى الشركات، في إيران في عهد الشاه، كان الإيرانيون يشكون ظلم الشاه إلى الله. حيث أن الشاه كان هو الذي يحكم، وليس الله.
أما الآن، فقد قال له زملاؤه من الإيرانيين القدامى، بأنهم لا يجدوا من يشكون إليه ظلمهم في إيران.
فالحاكم هو الله، والقاضي هو الله!
فالحكم يستهلك من يمارسونه، والحكُم يُبلي الحاكمين.
وتلك هي المشكلة الكبرى التي تقع فيها الحكومات الدينية، التي تصبح كالمُنْبَت، فلا أرضاً قطعت، ولا ظهراً أبقت.
أي لا حكمت بالعدل بما أمر الله، حيث لا أحد يجرؤ على محاسبتها غير الله، كما تقول شعاراتها (الحكم لله)، ولا هي اتاحت الفرصة لغيرها لكي يحكم بالعدل، وتتم محاسبته من قبل المؤسسات الدستورية.

السلام عليكم.