منذ أن هبت أول نسمة حياة على كوكب الأرض، وتكونت أول خلية حية عليه، وقانونان اثنان لا ثالث لهما، يولّدان الحياة في كائناتهndash; إنسانها وطيرها وحيوانها ونباتها- ويُسيّرانها، ويضمنان بقائها، وتطورها، واستمرارها في الأجيال اللاحقة. وهما: (التواصل الجنسي، والطعام). ودونهما كل شيء زائل، وكل شيء ميت. وما العلوم التي تطورت بشكل مذهل في الآونة الأخيرة إلا لتسهيل عمل هذين القانونين، وتوفير الشروط الأكثر ملائمة لهما. للحفاظ على هذه الحياة واستمرارها، وتحسين ظروفها وطعمها.
لا يمكن بحال من الأحوال تجاهل القوة الفاعلة لهذين القانونين في حياة الناس، كما لا يمكن الفصل بينهما، أو إعلاء شأن أحدهما على الآخر، فهما في ترابط وتلازم وتكامل تام ومطلق. فبيت الزوجية الذي لا يحتوي على هذين العنصرين معا (العلاقة الجنسية والطعام) هو بيت خرب، أو على أبواب الخراب.
إن الدافع الرئيسي للأفراد والمنظمات التي تجري وراء السلطة- وتبذل في سبيلها المسموح والممنوع، والمستور، والحلال والحرام- هو المال (الطعام) الذي يضمن الحياة، ويتحكم بالعباد، ويحقق الشهوات. فكم من الجرائم ترتكب يوميا في سبيل ذلك، وكم من القادة والمسؤولين في التاريخ القديم والحديث، خانوا بلادهم، طمعا بالمال، أو الوصال مع امرأة أحلى. كما أن جميع الحروب والعداوات التي قامت منذ فجر التاريخ بين البشر والقبائل والدول والإمبراطوريات- وبعضها بسبب امرأة- كانت بسبب الطعام، والتحكم فيه بقصد السيطرة على الناس من الجنسين، وجعلهم رهن الإرادة والرغبات.
أما الأديان، فبالرغم من أنها قد دعت جميعها لإعلاء شأن الروح على الجسد، إلا أنها أقرت بقوة هذين القانونين، ولكن كل بطريقته مما سبب اختلافا في الرؤية واختلافا في طريقة المعالجة.
فالمسيحية إدراكا منها لمدى سطوة هذين القانونين على حياة الناس، ودرءا- كما يقول أتباعها- للمخاطر التي قد تنشا بين البشر في سبيل الحصول على أفضل وأكبر قدر ممكن من الجنس والطعام، دعت إلى الزهد بالحياة الدنيا، والتطلع نحو الآخرة. ولم تسمح لأتباعها إلا بزوج واحد، أو زوجة واحدة. وحرّمت الطلاق إلا في حالة الزنى (مملكتي ليست في هذا العالم- لا يمكن للمرء أن يكون عبدا لسيدين في آن واحد، الله والمال- أعطِ مال قيصر لقيصر، ومال الله لله.... وفي الإنجيل أقوال أخرى كثيرة مماثلة) وهذه دعوة صريحة واضحة لمقاومة هذين القانونين وعدم الاستسلام لقوتهما وتأثيرهما.
وكذلك فعلت الهندوسية والبوذية اللتان اعتبرتا أن ( الشهوة البشرية) هي أم المشاكل والعداوات بين الناس، ودعتا إلى التخلي عنهما، أو كبتهما، لينعم الناس بالراحة والأمان. ومعلوم أن الجنس والطعام تتربعان على عرش شهوات النفس البشرية.
وحده الدين الإسلامي الذي أدرك أنه من العبث، بل من المحال مقاومة هذين القانونين. فأباح للرجل- دون المرأة حتى لو كانت عاقرا- أن يتزوج في الحياة الدنيا مثنى وثلاث ورباع، ويضاجع ما ملكت يمينه من نساء. ووعد المؤمنين به بالحوريات الجميلات وأطايب الطعام في الحياة الآخرة. كما دعا أتباعه للغزو (من مات ولم يغز، ولم ينتو الغزو، فقد مات ميتة جاهلية- حديث منسوب للرسول quot;صquot;)، وبالغزو يغنم المسلمون، وتملك يمناهم، وينشرون الدين.
لقد أدركت المجتمعات المتقدمة أهمية الجنس والطعام في حياة الإنسان. فأمنت الحياة الكريمة لجميع أبنائها، وجميع المقيمين بشكل مشروع على أرضها، عاملا كان أو عاطلا عن العمل. كما أقامت للتلاميذ منذ الصغر المدارس المختلطة، ودرّست المعلومات الجنسية في مدارسها، لتثقيف التلاميذ، وتعريفهم بهذه الغريزة الحياتية، التي تعبر عن حب البقاء وحفظ النوع، وكي تدرأ عنهم مخاطر الكبت الذي يولد العنف، ويشوه نفسية وسلوك الإنسان. بينما نمنع نحن الذين لا نقل عن غيرنا حبا للجنس، ولا أقول لهثا خلفه، نمنع تدريسه، ونحجب المعلومات عن أبنائنا، ونحظر على فتياتنا وفتياننا خاصة الذين على أبواب سن البلوغ، أي سؤال أو استفسار، فيفتك فيهم طاعون الكبت، ويشوه نموهم الذهني والأخلاقي والعاطفي والاجتماعي.
أن الأهل في تلك البلدان لا يخجلون من الحديث مع أبنائهم وبناتهم بهذا الشأن، ولا يعدونه عيبا. ولا يقمعونهم أو يقرعونهم ل هكذا أسئلة. بل يجيبون على جميع أسئلتهم واستفساراتهم. وقد سألت طفلة أمها ما معنى كلمة (..كذا...) فأجابتها الأم بكل بساطة ودون أي حرج: هذه كلمة بذيئة يستخدمها الرعاع لوصف علاقة حميمة ممتعة تقوم بين رجل وامرأة يحبان بعضهما بعضا، وقد ولدت (أنتِ) نتيجة لهذه العلاقة الرائعة بيني وبين أبيك.
إن المجتمعات التي لا تتفهم مشاكل أبنائها، ولا تسعى إلى علاجها، بل تتركها تتفاقم، هي مجتمعات معاقة مشوهة، لا قدرة لها على البناء، ولا نصيب لها من الحياة الحرة السوية الكريمة.

[email protected]