عرف اتحاد الكتاب بسوريا ظاهرة احتجاج وحيدة في تاريخه المعاصر عام 1995 عندما قدم كل من الروائي حنا مينة والمسرحي سعد الله ونوس استقالتهما احتجاجا على فصل الاتحاد للشاعر أدونيس بتهمة التطبيع مع اسرائيل، رغم خلافهما بالرأي معه. وأجزم أن حنا مينة وسعد الله ونوس ما أقدما على موقفهما ذاك لولا خروج المارد من الفانوس السحري لاتحاد الكتاب بعد نفضهما الغبار عنه، ليقوي من عزائمهم ويعد بتنفيذ رغبة الاستقالة. لم يكن المارد شيوعيا ولا بعثيا ولم يكن من الإخوان !
وبعد ذلك عاد المارد إلى فانوسه ولم يخرج إلا منذ أيام، وما كان ليخرج لو أن رئيس الإتحاد السابق علي عقلة عرسان أخذه إلى بيته واعتبره من أشيائه وأغراضه يوم تقاعده.
بعد ذلك، قرر أعضاء الإتحاد البحث عن أقرب فندق إلى مقرهم وحجز بطاقات فيه للنوم مرة واحدة لم يصحوا منها إلا منذ أيام بعد خروج المارد للمرة الثانية من فانوسه، فقد مل نومه وزهق من نومهم!
ففي خطوة مثيرة ومفاجئة معا وتعتبر الأولى من نوعها في تاريخهم، طالب أعضاء اتحاد الكتاب السوريين ( اتحاد الكتاب العرب) خلال مؤتمرهم السنوي منذ أيام ، بإطلاق سراح الباحث الاقتصادي د. عارف دليلة والكاتب ميشيل كيلو.
وتوجهوا بمطالبتهم لعضو القيادة القطرية هيثم سطايحي، الذي حضر المؤتمر، الذي لم يرفض الأمر ووعد بمتابعته، فيما قال رئيس الإتحاد حسن جمعة quot; إننا نتفق مع ما قاله الزملاء، ولسنا ضد هذا الأمر على الإطلاقquot;.
موقف عضو القيادة القطرية لحزب البعث، هيثم سطايحي( من مواليد حماة ndash; منطقة مصياف) لا يفاجئ أبدا من يعرف تاريخ هذا الشخص. فهو خريج الجامعات الفرنسية منذ الثمانينات عندما درس علم الاجتماع السياسي، وليس خريج جامعات quot;المعسكر الاشتراكي الصديقquot; !.
وهو ndash; وبشهادة طلابه- quot;إنسان يؤمن بالحوار وعلاقاته كانت جيدة مع طلابه ولم يسع لفرض رأيه عليهم وكان يستمع لهم كثيرا quot; عندما كان يدرّس في المعهد العالي للعلوم السياسية في دمشق.
أي أنه لم يرفع في يوم من الأيام تقريرا إلى جهات سياسية ضد أحد طلابه، في وقت كان آخرون يهددون طلابهم إذا ما طالبوا بكشوف علاماتهم أو ناقشوا مدرسهم وعبروا عن آرائهم حتى ولو كانت حول مسرحية هاملت!
وأما موقف الزملاء في اتحاد الكتاب فيعتبر مفاجئا، ومفاجئا جدا. في أيام علي عقلة عرسان(ع.ع.ع.)، كانت كل الطرقات التي تمر باتحاد الكتاب العرب تقود إلى فراش نوم كتب فوقه باللهجة الشامية ( ما دخلني أخي ! ). ولا نقصد هنا الانتقاص من موهبة عرسان الأدبية وقلمه الرفيع، وإنما نسجل مرحلة من تاريخ الاتحاد كانت بقيادته، وانتقدت على نطاق واسع في سوريا.
اذكر في أيام دراستي الجامعية أنني أرسلت إلى إحدى المجلات الأدبية الصادرة عن اتحاد الكتاب السوريين نصا أدبيا عملت عليه لشهور عديدة. وعندما اتصلت بمحرر المجلة الشاعر السوري المعروف شوقي بغدادي أسأله عن مصير نصي الأدبي ، أخبرني أنه قرأه وأعجب به ووصفه بالجرئ لكنه لن يستطيع نشره لأن نشر مثل هذه النصوص يعود القرار فيها إلى رئيس الإتحاد علي عقلة عرسان.
وبمناسبة استيقاظ أعضاء اتحاد الكتاب في سوريا، لا بأس بأن يحضر المطرب صباح فخري ويقيم حفلة عريضة كبيرة احتفالا باستيقاظ أعضاء الإتحاد ، ونقترح أن يردد على رئيس الإتحاد quot;الاصلاحيquot;، الذي كان من المفترض أن يكون رئيسا للاتحاد منذ سنوات، أغنية فيروز ونصري شمس الدين : quot;يوم ويومين وجمعة .. وشهر وشهرين .. تعبت بعيني الدمعة .. وين غايب وين quot; !
ثمة أمل، وأمل كبير. وهذا الحراك هنا وهناك في العاصمة السورية ndash; وإن تأخر- فإنه يثبت أن الكثير من النظريات التي يتم نسجها عن شؤون سورية داخلية تفتقر للعلمية والموضوعية. وكثيرا ما نسمع على سبيل المثال أن كل بعثي هو شخص سئ. وتنتشر هذه النظرية الخاطئة خارج البلاد بشكل كبير دون الاشارة إلى وجود تيار جديد في البعث يتطلع لوقف العمل بقانون الطوارئ وإصدار قانون مطبوعات عصري لا يسجن الصحفيين وقانون أحزاب يسمح لأحزاب غير مرخصة بالعمل الشرعي والنشاط.
سبحان مغير الأحوال، فالرئيس البعثي الجديد للاتحاد لا يعارض طلب زملائه في إطلاق سراح الكتاب، وأعضاء الإتحاد من بعثيين وغير بعثيين يصفقون لهذا الطلب.
ويبدو أن حسن جمعة ينفذ وعوده التي قطعها لزملائه عندما انتخب عام 2005 خلفا لعرسان، عندما قال إنه سيكون quot;على مسافة واحدة من الجميعquot;... مع quot;أولوية تعميم التجربة الديموقراطيةquot;.
التعليقات