بدأ يوم أمس الأربعاء، 7 فبراير الحالي، النظر في دعوى أقامها الإسلاميون الفرنسيون ضد المجلة الفرنسية الساخرة quot;شارل إيبدوquot;، بتهمة إعادتها في العام الماضي نشر الرسوم الكاريكاتورية لرسام دانيماركي.
جميعنا نتذكر الضجة والصخب والمظاهرات والاضطرابات التي قامت عام 2005 يوم ظهرت الرسوم، من اعتداءات على السفارات، واحتجاج حكومات عربية وإسلامية، وحيث قتل أكثر من خمسين شخصا. أجل، نتذكر ذلك، وكيف كانت ردود الفعل الغوغائية هذه قد أساءت لسمعة الإسلام والمسلمين، وأثارت المخاوف لدى جمهور البلدان الغربية، وشجعت التيارات العنصرية.
إن إمام جامع باريس ورئيس تنظيمات المسلمين في فرنسا [ وليس الفرنسيين المسلمين!!]، هو الذي قدم الشكوى نيابة عن جميع التنظيمات الإسلامية في فرنسا، التي تجد كامل الحرية في نشاطها، وحتى التنظيمات الإخوانية المتطرفة منها التي قادت حملات الاحتجاج على موضوع الحجاب في المدارس العامة.
إن هذا الإمام، الذي نشروا عنه مرارا سمعة كونه من المعتدلين، ينسى أن إثارة موضوع قديم يعود لعام 2006يمكنها إثارة الحساسيات والمشاعر لدى الجاليات المسلمة في فرنسا، وربما خارجها، ويقود لاضطرابات جديدة في فرنسا المشغولة بالحملة الانتخابية. إن السيد دليل بابكر لم يتردد عن أن يهاجم بكل عنف وزير الداخلية سركوزي، المرشح لرئاسة الجمهورية، أمام عدسات التلفزيون لإرساله رسالة تضامن مع المجلة، مثلما حضر المحاكمة لفيف من القادة الاشتراكيين والمحامين اللامعين المدافعين عن العلمانية الفرنسية. وللتذكير، فإن السيد سركوزي هو الذي قدم للتنظيمات الإسلامية في فرنسا تنازلات كبرى كوزير للداخلية في أعقاب فشل الاشتراكيين في الانتخابات السابقة لعام 2002، وذهب لحد المطالبة بتعديل قانون 1905 عن العلمانية ترضية لهم. وقبل فشل الاشتراكيين زمن حكومة جوسبان تقدم الاتحاد الإخواني ،[ اتحاد التنظيمات الإسلامية في فرنسا]، بطلب تأسيس quot;مجلس أعلى للإفتاء quot; لعوم أوروبا. الحكومة الاشتراكية لم توافق بناء على توصية المخابرات العامة التي شكت في النوايا من وراء الطلب بعد عام واحد من تفجيرات 11 تموز، ولكن سركزي سمح بذلك فيما بعد، مما عرضه لانتقادات كثيرة، بينما تم رفض مقترحه لتعديل قانون العلمانية.
السؤال: ماذا يربح الإسلام والمسلمون من إثارة دعاوى كهذه حول قضية قديمة، في حين خمدت عواطف العوام والسذج؟ إن تلك الرسوم، ومهما قيل عنها، لم يكن راسمها يقصد الإساءة للإسلام والنبي، وإنما كان يقصد إدانة استغلال الإرهابيين الإسلاميين، لاسم الله والنبي وللقرآن عند تنفيذ جرائمهم، وهم يحملون قبل التنفيذ القرآن الكريم ولافتة quot;لا إله إلا الله محمد رسول اللهquot;. إن تلك الجرائم الوحشية روعت وتروع العالم، ومنها تلك الجرائم البشعة للقاعديين التكفيريين، المتحالفين مع الصداميين، في العراق.
إن التطرف الإسلامي هو الذي يخلق الإرهاب الذي تحول لخطر عالمي على البشر والحضارة البشرية. وهو يغذي ويشجع غلاة العنصرية في الغرب. أما من ندعوهم بالإسلاميين المعتدلين[ معتدلين حقا] فهم في الواقع لم يرفعوا يوما صوت احتجاج واحد على جرائم الإرهابيين، كما أن الملايين الأوسع من المسلمين راحت مع الأسف تنخدع بفتاوى ومواعظ رجال الدينين الذين يبررون العنف باسم الإسلام، ويهيجون العامة، من أمثال السيد القرضاوي، الذي أضاف لمناقبه مؤخرا التحريض على الحرب الطائفية في العراق.
إن هدف تصفية حرية النشر في الغرب هو هدف أول للمتطرفين، وذهب ضحيته المخرج الهولندي وغيره، كما هدد الإسلاميون بquot;معاقبة quot; أستاذ جامعي فرنسي في العام الماضي لبحوث كتبها، مما جعله تحت حماية البوليس الفرنسي.
إن دعوى اليوم جزء من هذه الحملة المتطرفة الموجهة ضد القيم العلمانية والديمقراطية وفي المركز منها حرية الرأي والتعبير.
إن المثقفين المسلمين الحريصين على سمعة الدين والمسلمين في فرنسا مدعوون لكي يلعبوا دورهم في رد دعوات الفتنة والتحريض، والدفاع عن قيم ومبادئ المجتمع الفرنسي في العلمانية والحريات الشخصية.