توفر صناديق التقاعد - في صيغتها الحالية - معاشات للعمال الذين يصلون إلى سن معينة، مقابل مساهمتهم خلال سنوات عملهم، بالتوازي مع مساهمة من طرف مؤسسات العمل يحددها القانون. لكن، وخلافاً لنظام التأمين، على سبيل المثال، تتحدد المعاشات في سنة ما بناء على مجموع مساهمة العمال في نفس السنة، لا بناء على ما أدخره المتقاعدون خلال سنوات عملهم ! أي أن كل مواطن في سن العمل يدفــع لا لضمان مستقبله وإنما للمتقاعدين في نفس الفترة ( Pay-As-You-Go ). و بالرغم من أن النظام يدعي ضمان دخل للعمالة عندما تبلغ سن الشيخوخة، نجد أن نسبة التغطية (للعمالــة) هي بحدود 25% في المغرب، 50% في الجزائر، 58% فـي تونس... حسبمــا جــاء في دراسة أخيرة للبنك الدولي ( منشورة على: http://www.worldbank.org/pensions ) .
صحيح أن الدول العربية لا تواجه الاختلالات الديمغرافية التي تواجهها الدول المتقدمة. فإذا ما اخذنا ألمانيا كنموذج لــ quot; أوروبا العجوز quot;، نجد أن نسبة السكان في الخامسة و الستين و ما فوق هي بحدود 3،18 % حاليا و 7،20 % في سنة 2015، و هي نسب أعلى بكثير مما هي عليه في الدول العربية: الأردن ( 1،3 % و 4% )، تونس ( 2،6 % و 8،6 % )، سوريا ( 1،3 و 6،3% )، مصر ( 7،4 % و 5،5 % )، و المغرب ( 8،4 % و 2،5 % )، المصدر: تقرير التنمية البشرية للعام 2006، المنشور على موقع:
http://hdr.undp.org. لكن المشكلة الرئيسية في البرامج المتوفرة حاليا في الدول العربية تكمن في أنها غالبا ما تقدم وعوداً للمنتسبين إليها، سوف يكون من الصعب الوفاء بها في المستقبل، نتيجة اختلالات هيكلية سوف يركز هذا المقال على شرحها.

الاختلال رقم 1: معظم البرامج المعمول بها حاليا تحدد سن التقاعد بحوالي 60 سنة، وهي السن التي تم تحديدها عند بداية البرنامج الذي انطلق في ألمانيا تحت قيادة
quot; بسمارك quot;، عندما كان العمر المتوقع للفرد لا يزيد عن 55 سنة ! ويعني هذا أن الاقتصاديات العربية تحيل ثروات بشرية هامة - و في مقتبل العمر - على الهامش، علما و أن نفس البرامج غالباً ما تشجع على التقاعد المبكر من سن 50 سنة .

الاختلال رقم 2: غالباً ما تختلف برامج التقاعد حسب القطاعات والمؤسسات العامة والخاصة، ممّا يعقد من انتقال العمالة وبذلك يفقد سوق العمل المرونة التي يحتاجها .

الاختلال رقم 3: علـى مستــوى جـدوى إدارة صناديق التقاعــد، نجــد أن العائــد الضمني ( ldquo;Implicit Rate of Return quot; ) ، أي المردود الذي يحصل عليه العامل المساهم في صندوق التقاعد، لا يتجاوز 3%، ممّا يعني أنه من الأفضل الاستثمار في البدائل الأخرى مثل شراء السندات في الأسواق المالية ( سندات الحكومة الأمريكية، على سبيل المثال، توفر عائداً سنوياً يزيد عن 5% ) .

الاختلال رقم 4: يبقى الخطر الأكبر الذي يهدد هذه الصناديق هو عدم قدرتها الإيفاء بوعودها في المستقبل عندها يصبح العمال الحاليون متقاعدين. و يسمى هذا العجز quot;الدين الضمني لصندوق التقاعد quot;، و هو يقدر بـ 130% من الناتج المحلي الإجمالي في المغرب، و175% في الأردن، ويتراوح بين 50 ndash;100% في كل من تونس والجزائر ومصر، حسـب تقديرات البنـك الدولـي ( المصدر السابق ) . وهذا الدين هو نتيجة انخفاض نسبة العاملين ( المساهمين ) من نسبة المتقاعدين ( المستفيدين من المعاشات )، على المدى المتوسط والطويل، و ضعف العائد على أموال هذه الصناديق، التي تفتقر في إدارتها إلى المهنية والشفافية كسائر مؤسسات القطاع الحكومي في الدول العربية. والأسوأ أنه لا يتم حالياً احتساب هذا الدين ضمن الدين العام للحكومة، ممّا قد ينتج عنه عجز في المستقبل، سوف تضطر الحكومات العربية معه على الزيادة في الضرائب التي لا تحفز الإنتاج والنمو الاقتصادي، بالتوازي مع تخفيض الإنفاق على قطاعات حيوية مثل التعليم الأساسي والصحة العموميـة، مما يعود بالوبال على الشرائح محدودة الدخل ويزعزع الاستقرار الاجتماعي ومن ثم السياسي لهذه الدول.
لهذه الاعتبارات، من المهم إعطاء الأولوية إلى إصلاح برامج ومؤسسات صناديق التقاعد بما يضمن ديمومتها وقدرتها على دفع المعاشات بناء على التجارب الناجحة في هذا المجال، و تشجيع الشركات الخاصة التي لها قدرة كبيرة على إدارة الأصول المالية.

كاتب المقال محلل ايلاف الاقتصادي، باحث أكاديمي و خبير سابق بصندوق النقد الدولي
[email protected]