الكرد: خلفية تاريخية وانثروبولوجية:
الكرد من شعوب الشرق الأوسط العريقة في موطنها منذ اقدم عصور التاريخ، وهم احفاد الميديين القدماء. ولكلمة كردي دلالة في اللغة بمعنى الشجاع أو المحارب. وقد وردّ ذكر الكرد في المصادر السومرية والآشورية والفارسية والرومانية والأرمنية والعربية باسماء مختلفة، فهم quot;كوتيquot; في السومرية وquot;كورتيquot; في الآشورية وquot;كوردرهاquot; في الفارسية القديمة وquot;كاردوخيquot; في الأغريقية وquot;كاردياquot; في الرومانية وquot;كوردوئينquot; في الأرمنية القديمة. وجاء في إحدى الألواح السومرية على لسان الملك شلمناصر الأول quot;ان الشعب الكوتي كان يتألق في سماء هذا العصر مثل النجوم ولم يكن يتصف بالقوة والسلطان فحسب بل كان معروفاً بالحزم والعزم والشدة المتناهيةquot;.

معلومات طبيعية عن كردستان: المساحة والمدن والطبيعة والمذاهب ولأديان.
يطلق على بلاد الكرد اسم كردستان. وكردستان هو اسم مركب من كلمتين quot;كردquot; وquot;ستانquot;، ومعنى quot;ستانquot; في اللغة الكردية كما في العديد من اللغات الآسيوية بلاد أو موطن. وعلى ذلك فإن اسم كردستان هو بلاد الكرد. ولعل اقدم المصادر التي ورد فيها ذكر الكرد وبلادهم كردستان هي المصادر السومرية حيث سٌميت كردستان quot;بارض كارداquot;. وظهرت كلمة quot;كردستانquot; اول مرة ابان حكم السلطان السلجوقي سنجر عام 1157 حينما اطلق اسم quot;كردستانquot; على احدى مقاطعات مملكته وجعل عاصمتها قلعة بهاء الواقعة شرقي مدينة همدان.
وكردستان بلاد جبلية وعرة وهي جزء من القوس الجبلي العظيم الذي يشكله طوروس ـ زاغروس الذي يمتد شرقا من البحر المتوسط باتجاه الجنوب الشرقي حتى خليج البصرة فاصلاً بهذا الإمتداد الشاسع سهول ما بين النهرين عن الهضبتين الإيرانية والأناضولية. ويصل ارتفاع جبال طوروس ـ زاغروس الى اربعة آلاف متر فوق مستوى سطح البحر. ويصل ارتفاع جبل آرارات الكبير الى 5258 متر. وهناك جبل لورستان الذي يبلغ ارتفاعه 4548 متر. وقد انشئ الكرد العديد من الأمارات المستقلة في التاريخ، وحتى ضمن السلطنة العثمانية كالدولة المروانية والشدادية والروادية والسورانية، الحسنوية، و الدوستكية وامارة اردلان و امارة باهدينان و امارة بابان، وغيرها.
وتبلغ مساحة كردستان 536 الف كيلومتر. موزعة حالياً بين 4 دول. 216 الف كيلومتر في تركيا. وتسمى بكردستان الشمالية. 218 الف كيلومتر في ايران وتسمى بكردستان الشرقية. و87 الف كيلومتر في العراق وهي كردستان الجنوبية و15 الف كيلومتر في سوريا وتسمى بكردستان الغربية. اما اهم مدن كردستان فهي اربيل والسليمانية ودياربكر وكركوك وكرمنشاه ويزيد عدد سكان كل منها اليوم عن مليون نسمة. وعدد سكان كركوك وملاطيا واورفا وهمدان يقارب النصف مليون. وهناك 18 مدينة كردية عدد سكانها اكثر من ربع مليون منها مهاباد وسنندج وديرسم وموش وآغري وماردين ودهوك وقامشلو. اما عن عدد الشعب الكردي فرغم انه لاتوجد احصائيات رسمية لكن وفق تقديرات عام 2000 بلغ اكثر من 36 مليون موزعين على الشكل التالي 18 مليون في تركيا. و9 مليون في ايران. و6 مليون في العراق. وثلاثة ملايين في سوريا. ونصف مليون في دول الإتحاد السوفيتي السابق الى جانب مليون كردي يعيشون في الدول الأوروبية. ووفق تقديرات البروفيسور الكردي إيزادي من المتوقع ان يرتفع عدد الكرد عام 2020 الى 63 مليوناً. اما من الناحية الدينية فاغلب الكرد اليوم يدينون بالإسلام حيث يعتنق حوالي 75% منهم المذهب الشافعي، وكان هؤلاء يدينون بالزرادشتية التي اصبحت دين الدولة الساسانية في عهد الملك كسرى انو شيروان في عام 679 للميلاد. وهناك قسم كبير من الكرد على المذهب الشيعي ولاسيما الكرد اللور في شرقي كردستان(إيران) في مدينة كرمانشاه وتوابعها. والمذهب العلوي ينتشر بين الكرد الزازا في مدينتي ديرسم وسويرك في شمال كردستان. وبلدة معبطلي في غربي كردستان قرب مدينة عفرين. كما يعتنق حوالي 5% من الكرد الديانة الإيزيدية وهي ديانة قديمة كان قسم كبير من الكرد يعتنقونها قبل الغزوات الإسلامية. كما هناك فرق دينية كبيرة كالكاكائية واهل الحق والشبك. وقد ساهم الكرد في الحضارة الإسلامية ولهم شخصيات معروفة مثل القائد الإسلامي صلاح الدين الأيوبي، والفقيه ابن تيمية وغيرهم.

هل اعترف المجتمع الدولي بحق الكرد في دولة مستقلة ومتى؟.
عشية تداعي الأمبراطورية العثمانية تحرك الساسة الكرد وفي مقدمتهم شريف باشا، للمطالبة بالحقوق الكردية، فعٌقدت اتفاقية سيفر 1920 وتم الاعتراف بمصالح الكرد وحقهم في الاستقلالية على غرار العرب مثلا، في البنود 62، 63، 64، لكن هذه الدولة لم تكن تشمل كل كردستان الحالية.
غير أن انتصارات الضابط العثماني مصطفى كمال العسكرية على اليونان والأرمن وغيرهم دفعته إلى إلغاء اتفاقية سيفر وتوقيع اتفاقة لوزان المكرسة للانتصار التركي والموقعة يوم 23 يوليو/تموز 1923، والتي ينص أحد بنودها على تراجع تركيا عن منح الكرد حكما ذاتيا. وكان للتواطؤ البريطاني دور واضح حين اكتشاف النفط في ولاية الموصل، حيث عمدوا للتراجع عن معاهدة سيفر وضم الموصل لولاية البصرة وتشكيل الدولة العراقية الجديدة.

الكرد في تركيا: التاريخ والثورات.
تبلغ مساحة كردستان في تركيا 216 الف كيلومتر مربع اي 28% من مساحة البلاد.اقتسمت الأمبراطوريتان الفارسية والعثمانية اراضي كردستان الفاصلة بينمهما بموجب اتفاقية quot;قصر شيرينquot; التي عقدت بينهما عام 1639 والتي بموجبها استحوذ الفرس على زهاء ثلث مساحة كردستان التي تشكل حالياً المناطق الشمالية الغربية من إيران. بينما استحوذت السلطنة العثمانية على باقي مساحة كردستان والتي اسفرت اتفاقية سايكس ـ بيكو على الحاق جزئين منها بالعراق وسوريا فيما كان الجزء الأكبر من نصيب الجمهورية التركية وريثة السلطنة العثمانية.
وقد ذاق الكرد الأمرين على يد العثمانيين ووورثتهم في الجمهورية التركية. فلم تهدئ الثورات الكردية في شمالي كردستان ابداً، وقد كان البطش العثماني والتركي كبيراً وفظيعاً اسفر عن مقتل الملايين من الكرد حتى الآن. وتعتبر الثورة التي قام بها بدرخان باشا عام 1842 اول ثورة ذات طابع قومي كردي. وشملت الثورة مناطق واسعة من كردستان في ايران وتركيا وكانت تهدف لإقامة دولة كردستان الكبرى. وقد حارب الكرد العثمانيين والإيرانيين اربعة اعوام، ومن ثم تدخلت فرنسا وبريطانية الى جانب السلطة العثمانية اضافة الى الإنشقاق الداخلي في صفوف الثوار، كل ذلك ادى الى فشل الثورة.
وفي عام 1880 ثار الكرد مرة ثانية بقيادة الشيخ عبدالله النهري في مدينة شمزينان، وقد اتحدت كل من ايران والسلطنة العثمانية لمجابهتها، وكانت نهاية الثورة حينما قبض على الشيخ النهري وهو يتجه لإسطنبول لإجراء مفاوضات سلام مع الأتراك بعد موافقته على وقف إطلاق النار.
وفي مطلع القرن الماضي شارك الكرد في نهضة السلطنة العثمانية فكونوا مع المثقفين الأتراك جمعية (الأتحاد والترقي) والتي تنكرت فيما بعد للحقوق الكردية. ومن ثم اسس المثقفون الكرد جمعية (خويبون) وتعني الأستقلال واعلنوا عام 1927 الثورة في جبال آرارات وآغري بقيادة الجنرال الكردي إحسان نوري باشا. واستمرت الثورة ثلاثة اعوام قبل ان يتمكن الأتراك من القضاء عليها. وقد ارتكبت القوات التركية بأمر من مؤسس الدولة مصطفى كمال quot;اتاتوركquot; المجازر بحق الكرد . فقد نشرت صحيفة الأحوال البيروتية في عددها ليوم 13/8/1930 تقول لقد دمر الأتراك 220 قرية قي منطقة آغري وحشدوا عشرة آلاف طفل وشيخ وامراءة في وادي زيلان وامطروهم بالرصاص ليقتلوهم دفعة واحدة. وفي ولاية وان اعتلقت القوات التركية مائة مثقف او افندي كردي واوثقتهم لتلقي بهم في اعماق بحيرة وان ليقضوا بعد ذلك. كما دمر ونهب الأتراك 400 قرية بالقرب من جبال تندرك وبدؤوا في تهجير سكانها الى مناطق الداخل التركي.
وفي عام 1925 اعلن الشيخ سعيد بيران ثورته الكبرى في دياربكر ضد الحكم التركي وطالب بولاية كردستان المستقلة، فحاربته الدولة بلاهوادة واستطاعت بعد قتل عشرات الآلاف من الكرد وتدمير مئات القرى قمع ثورته بمساعدة الفرنسيين الذين قطعوا الإمدادات عنها، ومن ثم القوا القبض على الشيخ سعيد في دياربكر وتم اعدامه هو واركان ثورته.
وفي عام 1937 ثار الكرد العلويون في ديرسم بقيادة سيد رظا، لكن الأتراك قمعوا الثورة وقتلوا عشرات الآلاف قصفاً بالطائرات، كما وصلوا لقائد الثورة وقتلوه. وكانت الحكومات التركية بما فيها تلك التي تلت انقلابات الجيش المستمرة تحكم كردستان بالحديد والنار وتقتل كل من ينادي بالقومية الكردية والتي شٌطبت من البلاد ومن الدستور بشكل تام. وظلت الحال هكذا الى ظهور ثورة حزب العمال الكردستاني بعد الإنقلاب العسكري التركي عام 1980 الذي القى بعشرة آلاف ناشط كردي في غياهب السجون وهٌجر مئات الآلاف لخارج البلاد. وقرر قادة الحزب الذين اعتقلوا في سجن دياربكر اضرام النار في اجسادهم في يوم عيد النوروز الكردي، وبذلك فقد استشهد القادة التاريخيون للحزب وهم كل من مظلوم دوغان وخيري درموش وكمال بير وعاكف يلماز. في الحين الذي استطاع فيه الزعيم الكردي الكبير عبدالله اوجلان اعادة ترتيب صفوف الثورة وشن الكفاح المسلح في 15 آب 1984 ضد الدولة التركية للمطالبة بحقوق الكرد. والثورة مازالت قائمة للآن على الرغم من اختطاف اوجلان في كينيا عام 1999 بمساعدة اسرائيل والولايات المتحدة وتسليمه للدولة التركية. وكان الجيش التركي وعلى طول خمسة وعشرين عاماً يقتل كل من يفكر بالتفاوض مع اوجلان وثورته. وقد قٌتل الرئيس التركي توركوت اوزال في ظروف غامضة حينما استعان بالرئيس العراقي الحالي جلال الطالباني للتفاوض مع اوجلان من اجل حل القضية الكردية. كما سقطت حوامة الجنرال اشرف بتليس احد كبار قواد الجيش التركي الذين نادوا بالحل السياسي للقضية الكردية. كما زجت تركيا الآلاف في السجون لمجرد الظن في تعاطفهم مع حزب العمال الكردستاني وقتلت ثلاثين الف مدني كردي ودمرت اكثر من 4000 قرية وهجرت مليوني شخص من مناطقهم، كما سجنت كل من النواب الكرد ليلى زانا واورهان دوغان وخطيب دجلة وسليم ساداك لعشرة اعوام عقوبة لهم على ذكرهم لكلمة الكرد في البرلمان التركي.

الكرد في إيران: التاريخ والثورات
لم يكن حال الكرد في ايران بافضل من حال الكرد في تركيا. فقد مارست الدولة الإيرانية سياسة الإنكار والقمع ضدهم. لذلك كانت الثورات الكردية والتي لم تخمد للآن. وكانت اولها ثورة القائد الكردي اسماعيل آغا الشكاكي بين اعوام 1925 ـ 1930 وحرر الشكاكي مساحات واسعة من شرق كردستان، لكن السلطات الإيرانية قتلته غدراً حينما توجه للتفاوض معها. وفي 1931 ثار الكرد في همدان لكن القوات الإيرانية سحقت الثورة بوحشية. ولعل اكبر حدث في تاريخ الكرد في ايران هو اعلان القاضي محمد عن تأسيس جمهورية كردستان في مهاباد والتي دامت 11 شهراً قبل ان يسحب الأتحاد السوفيتي دعمه لها بعد صفقة وقعها الشاه مع الأخير. ولذلك فقد توجهت القوات الإيرانية لضرب الجمهورية الكردية الفتية، وهي اول دولة كردية في التاريخ، وتقضي عليها لتتمكن من اعدام قائد الجمهورية القاضي محمد في ميدان جارجرا في مهاباد هو والعديد من اركان دولته. ولم تهدئ الثورات الكردية وبشكل خاص على يد الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة زعيمه الدكتور عبدالرحمن قاسملو. واستطاع قاسلمو تنظيم صفوف الشعب لمقاتلة الدولة الإيرانية والمطالبة بالحكم الذاتي لشرق كردستان. لكن ايران نجحت في استدراجه للفخ حينما طلبت منه التفاوض وقتلته غدراً هو وبعض رفاقه في العاصمة النمساوية فيينا في 13/7/1989 كما قتلت الزعيم اسماعيل آغا الشكاكي قبله. ولم تكتف دولة الملالي الإيرانية بذلك بل اغتالت خلفه الدكتور صادق شرف كندي رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني في العاصمة الألمانية برلين عام 1992 وذلك باستعمال quot;سلاح الغدرquot; اياه. والآن يقود النضال المسلح في شرق كردستان حزب الحياة الحرة الكردستاني، وهو حزب مقرب من حزب العمال الكردستاني، ويتمتع بشعبية طاغية في مدن وولايات شرقي كردستان.

الكرد في العراق: التاريخ والثورات
نجحت بريطانيا في الحاق كردستان الجنوبية بالعراق الذي صنعت كيانه عام 1925 مع موافقة حكام العراق الجدد على انتداب بريطانيا على الدولة الناشئة لمدة 25 عاماً.وكان الشيخ محمود الحفيد قد ثار على العثمانيين بداية الحرب العالمية الأولى للمطالبة باستقلال كردستان. واسس مملكته في السليمانية وسماها مملكة كردستان بالتحالف مع البريطانيين في اول الأمر. لكن الريطانيين غدروا به ونكثوا بعهودهم ومن ثم نفوه عدة مرات بعد اعلانه الكفاح المسلح ضدهم. وفي عام 1931 اعلن احمد البارزاني الثورة على الأنكليز للمطالبة بحكم ذاتي للكرد. فدكت الطائرات البريطانية منطقة بارزان ونفت الشيخ احمد للسليمانية، حيث تمكن من الهرب والعودة للقتال مجدداً. ولم يتوقف القتال في العهد الملكي ابداً حتى مجيء الجمهورية عام 1958 بقيادة عبدالكريم قاسم والذي طالب القائد الكردي الكبير مصطفى البارزاني بالعودة من منفاه الأختياري في الأتحاد السوفيتي والذي كان قد قصده مع 500 من مقاتليه سيراً على الأقدام بعد إطاحة القوات الإيرانية بجمهورية كردستان في مهاباد عام 1946 حيث كان البارزاني وزيراً للدفاع فيها. لكن الخلاف ما لبث ان وقع بين البارزاني وثورة تموز العراقية التي يقودها قاسم ووقعت المواجهات بينهما. واستمر القتال حتى بعد الإطاحة بقاسم عام 1963 ومجيء الجنرال عبدالسلام عارف. واستمرت المواجهات لحين مطلع السبعينيات حيث كانت ثورة البارزاني في اوج قوتها، فوافقت الحكومة العراقية على التفاوض والإقرار بالحكم الذاتي للكرد في جنوب كردستان فيما عٌرف ببيان 11 آذار 1970، لكن الأتفاق انهار مرة أخرى عام 1974 نتيجة عدم الأتفاق على وضع مدينة كركوك النفطية وتهرب الحكومة من الإيفاء بألتزاماتها. وعمدت الحكومة العراقية للتنازل عن شط العرب لإيران لكي تقطع هذه الأخيرة المساعدات عن الثورة الكردية وتعمل لتطويقها، وكان هذا الأتفاق هو اتفاق الجزائر الذي وقعه الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين وشاه ايران بوساطة من الرئيس الجزائري هواري بومدين عام 1975. وهكذا انهارت الثورة الكردية. وقد استمرت المواجهات بين الكرد والحكم البعثي في العراق طيلة الحرب العراقية الإيرانية. وعمد نظام صدام حسين لإرتكاب مجزرة حلبجة بحق الكرد وقتل اكثر من 5000 آلاف وجرح وشوه عشرات الآلاف عندما قصف المدينة الكردية بالأسلحة الكيماوية في 16 آذار 1988 ومن ثم نظم حملات الأنفال( والأنفال هي سورة من القرآن) ضد الكرد فقتل اكثر من 182 الف كردي واودعهم في المقابر الجماعية في وسط وجنوب العراق. وقد ثار الكرد بعيد اندحار قوات صدام من الكويت عام 1991 لكن القوات الصدامية اردات القضاء عليهم، فهرب الملايين منهم لعند الحدود العراقية ـ التركية فيما عٌرف بالهجرة المليونية، مما ادى لتدخل المجتمع الدولي، ووفقا لقرار مجلس الأمن رقم 688 الصادر في 5 أبريل 1991،ولكي تحمي الكرد من قوات صدام المهاجمة عمدت الأمم المتحدة بإقرار المنطقة الآمنة وحظرت على قوات صدام إجتيازها وامتدت منطقة الحظر شمال خط العرض 36 وجنوب خط العرض 32. وهكذا اصبح اكثر من 70% من مساحة كردستان الجنوبية خارج سيطرة بغداد، حيث شكل الكرد حكومة وبرلمان فيها، وظل الوضع هكذا الى الحين الذي سقط فيه نظام صدام عام 2003 حيث اتفق الكرد على تحديد العلاقة مع المركز في بغداد وفق صيغة الفيدرالية، وضم مدينة كركوك لإقليم كردستان بعد ارجاع سكانها الذين طردهم نظام صدام. وقد اصبح السياسي الكردي الكبير جلال الطالباني اول رئيس كردي للعراق.

الكرد في سوريا: التاريخ والثوارت
بموجب اتفاقيات ومعاهدات عٌقدت بين فرنسا الدولة المنتدبة على سوريا وتركيا في انقرة ولندن في عشرينيات القرن الماضي اصبحت المناطق الكردية داخل حدود الجمهورية السورية.وبذلك الحقت المناطق الكردية الثلاثة الجزيرة وكوباني وعفرين بسوريا. وقد عمد الفرنسيون في بداية الأمر لمنح الكرد في سوريا بعضاً من حقوقهم وسمحوا بانشاء هؤلاء لجمعيات ثقافية ولكن مالبثت ان عادت القهقرى وبدأت في قمع الكرد رضوخاً لضغوط من تركيا. وبعد الإستقلال ورغم ان الكرد ساهموا فيه بشجاعة بل وقاد الكردي ابراهيم هنانو اكبر ثورة سورية ضد الفرنسيين، وكان وزير الدفاع الجنرال يوسف العظمة الكردي هو من صد القوات الفرنسية الغازية في معركة ميسلون الشهيرة، لكن الحكومات السورية المتعاقبة لم تعترف بالكرد وقالت فقط بان سورية دولة عربية يعيش فيها العرب فقط. لقد مارست الدولة السورية سياسة الأضطهاد ضد الكرد ومن مظاهرهذه السياسة منع تدريس اللغة الكردية ونشر الكتب بها رغم انها اللغة الثانية في سوريا والكرد هم القومية الثانية في سوريا. وانشاء الحزام العربي وتوطين العرب في المناطق الكردية وذلك في 45 قرية محمية من قوات الأمن السورية في اخصب الأراضي الكردية. حرمان اكثر من ربع مليون كردي من الجنسية السورية عام 1962 حيث يعاني هؤلاء الآن متاعباً كبيرة وهم محرومون من كل الحقوق كمواطنين ولايحق لهم التملك او السفر. هذا غير التجهيل ومطاردة السياسيين الكرد ومنع الأحزاب الكردية تبعا لقانون منع تشكيل الأحزاب والزج بالكرد في المعتقلات، حيث مايزال الآن اكثر من مائتي كردي في السجون السورية وهم يحاكمون بتهم الأنفصال وعضوية منظمات غير قانونية، وتعاني المناطق الكردية من اهمال واضح في الخدمات والتعمير رغم ان انتاج سوريا النفطي يأتي منها ونصف الأنتاج الزراعي العام تنتجه هذه المناطق. وقد ثار الكرد في 12 آذار 2004 في انتفاضة قامشلو والتي عمت كل المناطق الكردية فعمدت السلطة لقمعها وقتلت ثلاثين شاباً وجرحت المئات واعتقلت الآلاف. كما عمدت لقتل رجل الدين الكردي المتنور الشيخ محمد معشوق الخزنوي والذي كان له دور كبير في الأنتفاضة ومكانة كبيرة لدى لكرد والقوى العربية الديمقراطية في سوريا.
والخلاصة أن اوضاع الشعب الكردي في كردستان الكبرى سيئة جدا والكرد يعانون القمع والبطش في ايران وسوريا وتركيا. وهناك نضال دائم ومواجهات مسلحة بين القوى الكردية وكل من ايران وتركيا. ويعٌتبر الكرد محرك التغيير الكبير في الشرق الأوسط لكثرة عددهم وقوة تنظيماتهم وخبرتهم في مقارعة الأنظمة الديكتاتورية الغاصبة. والكرد في العراق يلعبون دوراً كبيراً في بناء العراق الجديد، وإستقرار المنطقة وهم في اقليم كردستان الجنوبية يعيشون في شبه دولة ولديهم جيش كبير من البيشمركة يربو على 200 الف جندي. وفي كردستان الشمالية هناك اكثر من سبعة آلاف مقاتل في حزب العمال الكردستاني يقارعون الدولة التركية وفق اسلوب حرب العصابات. بينما يجهد مقاتلوا حزب الحياة الحرة الكردستاني لمقاتلة القوات الإيرانية وتسديد ضربات كبيرة لها. الكرد لم يهدؤا يوماً وهم الآن في اتم الأستعداد لساعة التغيير الآتية، لقلب كل المعادلات الظالمة التي فرضت عليهم من قبل الدول الكبرى.


* قدمت هذه الورقة في مؤتمر زيوريخ الأخير للأقليات، ومعظم الأرقام والشواهد التاريخية التي ترد فيها مقتبس من كتاب الدكتور زهير عبدالملك ( الكرد وبلادهم كردستان بين سؤال وجواب) وكتاب الدكتور خليل جندي( حركة التحرر في كردستان الجنوبية) وبعض المواقع الألكترونية باللغتين الكردية والعربية على الأنترنت.