عملى كمهندس يقتضى منى معرفة ما يعرف فى لغة المهندسين بإسم quot;المواصفات القياسيةquot; لمختلف عناصر البناء، فإذا ذكرت خرسانة مسلحة فيجب أن تذكر مواصفاتها من قوة التحمل إلى نسبة الأسمنت بها، وإذا ذكرت أساسات لمبنى يجب أن تذكر الطول والإرتفاع والعمق ونسبة حديد التسليح بها، إلى آخر هذه التفاصيل والتى تميز بها مادة بناء عن أخرى أو تميز بها عنصر بناء عن آخر، وكلما تقدمت الشعوب بمؤساستها العلمية كلما تقدمت لديهم هيئات علمية تسمى هيئات التوحيد القياسى، تلك التى تهتم بوضع تلك المواصفات القياسية، وفى معظم البلدان العربية توجد هيئات للتوحيد القياسى، وإن كانت مازالت تحبو بالنسبة لغيرها من الهيئات العالمية إلا أنها تقدمت كثيرا فى أواخر القرن العشرين، والشئ الذى يفتقده العالم حقيقة هو خلق هيئات توحيد قياسى للزعامات السياسية والدينية، ونحن نعرف أن البلدان العربية تابعة فى معظم الأمور العلمية وتأخذ من الغرب ما تستطيع من الأبرة للصاروخ، لذلك رأيت أن أحقق سبقا علميا مذهلا ربما أنال به جائزة نوبل، وهو أننى قمت بإبتكار ما أطلقت عليه:quot; المواصفات القياسية للزعامات السياسية والدينيةquot; وسوف يصبح هذا دليلا علميا يستضئ به العالم مثلما أضاء أجدادنا شوارع قرطبة بالأندلس عندما كانت أوروبا مغرقة فى ظلام القرون الوسطى.
وإليكم ملخصا لهذا السبق العلمى:

المواصفات الشكلية
أولا: المواصفات المقاسية (الطول، العرض والإرتفاع )
الطول: لايقل عن 179 سنتيميتر
الزعيم العربى لا بد أن يكون طويل القامة:إنظروا إلى سعد زغلول، عبد الناصر (مصر)، صدام حسين (العراق)، معمر القذافى (ليبيا)، حافظ الأسد وولده بشار (سوريا)

العرض: مقاسه لا يقل عن 52
الزعيم العربى لا بد أن يكون عريض المنكبين.

الوزن: لا يحب العرب أن يكون زعماؤهم quot;ملظلظينquot; ويحبون أن يتناسب وزنهم مع طولهم، لذا من الأفضل ألا يزيد وزن الزعيم منهم عن 86 كيلو جرام.

شعر الرأس:
يجب أن يكون الزعيم العربى غزير الشعر، فالعرب لا يحبون الزعيم quot;الأقرعquot;، والزعيم الوحيد الذى كان أقرعا هو ياسر عرفات لذلك كان يخبى رأسه بالكوفية، وتذكرون شكرى القوتلى الزعيم السورى أيام الوحدة بين مصر وسوريا كان زعيما أقرعا لذلك أصر على الوحدة مع مصر لأن عبد الناصر كان زعيما غزير الشعر، يعنى شكرىالقوتلى لو وجد باروكة شعر محترمة فى هذا الوقت لأغنته عن عبد الناصر وعن تجربةالوحدة الفاشلة مع مصر.

الصوت والخطابة:
صوت الزعيم العربى لابد أن يكون من القرار العميق، العرب لا يحبون أى زعيم ذو صوت (مسرسع)، وكذلك يجب أن يحسن الخطابة ويتكلم بلغة سليمة، ولا يهم ماذا يقول ولكن يجب أن يكون خطيبا مفوها قادرا على سحر الجماهير. وكانت أحد نقاط ضعف ياسر عرفات هو ضعف لغته وكان يتحدث بلهجة هى مزيج من اللهجة المصرية واللهجة الفلسطينية فلم يرض عنه معظم المصريون ونصف الفلسطينيون.

لون االعينين:
يفضل العرب الزعيم ذو العيون البنية أو السوداء، ويسحرهم الزعيم إذا كانت له عيون حادة مثل الصقر مما يجعله يبدو شجاعا مقداما حتى لو إنسحب فى أول معركة. ولا يحب العرب أن يرى زعمائهم يرتدون النظارات الطبية لأن هذا ينزلهم من مرتبة الآلهة والتى وضعوا أنفسهم فيها، لذلك إذا أردت أن تكون زعيما عربيا عليك بالعدسات الاصقة ولا ترتدى النظارات الطبية حتى لو كنت بتشوف quot;طشا شquot;.

لون البشرة:
يفضل العرب الزعيم ذو البشرة القمحية، لايحبون الزعيم الأشقر لأنه يذكرهم بالمستعمر التركى أو الأوروبى، وكذلك لايحبون الزعيم ذو البشرة الغامقة المائلة للسواد لأنه يذكرهم بالعبيد (حتى أن بعض أهل بلاد سوريا ولبنان وفلسطين عندما يصفون شخصا له بشرة سوداء يقولون أنه عبد) (مثل السادات: مشكلته أن بشرته كانت أقرب للسواد وكذلك كانت له صلعة لامعه).

الكرش:
لا يستطيع زعيما عربيا أن يأخذ دور زعامة لو كان له quot;كرشاquot;، أتحداكم أن تسموا لى زعيما عربيا من ذوى الكاريزما الفائقة وكان له quot;كرشاquot;، ولما كان معظم زعمائنا من العسكر لذلك ففى الغالب ما تكون لياقتهم عاليه وبدون كرش.

العائلة والأصل:
لا يهم العرب كثيرا عن أصل وفصل زعيمهم، فقد عبدوا سعد زغلول (باشا) إبن العائلة العريقة وعبدوا عبد الناصر إبن الإسرة البسيطة، المهم أن يستطيع الزعيم إيهام شعبه أنه واحد منهم وأنه مبعوث العناية الإلهية لإنتشالهم من المتآمرين عليهم.

الصحة:
الزعيم العربى يجب أن يكون بصحة جيدة، ولا يصح أن يمرض أبدا مثل باقى خلق الله، وإن مرض فيجب أن يظل هذا سرا، وإن مات فيستسحن أن يموت مقتولا، وحتى إن مات quot;موتة ربناquot;، فيجب أن نوهم الشعب أنه قد مات مقتولا بمؤامرة خبيثة، مثل شائعة أن عبد الناصر مات مقتولا لأن المخابرات الروسية كانت تعطى لمدلكه الخاص مرهم به سم يمتصه الجسم ببطء على مدى طويل، أما ياسر عرفات فقد قتلته إسرائيل بواسطة سم بطء المفعول كان يسرب إليه فى مكالمات الموبايل !! وكل هذا فى محاولة لرفع زعمائنا إلى مرتبة الآلهة.

المواصفات الأخلاقية
المفترى:
quot;القط يحب خناقهquot; فالقاتل والمفترى يصبح زعيما، وأذكر أن أحد زعماء اليسار فى مصر أنه قال بالحرف الواحد:quot; رغم أنه قد سجن وعذب فى سجون عبد الناصر إلا أن كرامة المصرى فى عهده كانت فى السماءquot;!! (علامات التعجب من عندى). صدام حسين الذى عذب وقتل الآلاف بعضهم قتله بيده حتى أنه قتل صهريه (زوجى إبنتيه)!! (علامات التعجب من عندى برضه) هذا الصدام صار بقدرة قادر quot;حارس البوابة الشرقيةquot; أثناء حياته، وصار بطلا وشهيدا بعد مماته.

زارع الكراهية والعداء:
يعتمد الزعيم على خلق أعداء حتى لو كانوا أعداء وهميين، وكلما كبر العدو كلما زادت مكانة وشعبية الزعيم، وهذا المرض ليس مرضا حديثا ولكنه قديم قدم الزعماء، ونذكر شعار سعد زغلول:quot;لا مفاوضة مع الإنجليز إلا بعد الجلاءquot;، وهو شعار خيبان، لأنه ما لزوم المفاوضة بعد جلاء الإنجليز (حيتفاوضوا على إيه)، وبنى سعد زغلول شعبيته الفائقة على كراهية ومقاومة الإنجليز وهو أمر مطلوب أثناء طلب الإستقلال، ولكنه كان يصف أى مصرى يفاوض الإنجليز بأنه مجرد عميل للإنجليز، ورغم كل هذا لم ينسحب الإنجليز من مصرإلا بعد التفاوض والتوقيع على معاهدة 1936، وتم حصر الإنجليز فى معسكرات بجوار قناة السويس، وتم جلائهم الكامل (برضه بالمفاوضات أيام عبد الناصر فى يونيو عام 1956). أما عبد الناصر فوجه عدائه مع الراس الكبيرة: أمريكا وquot;ربيبتهاquot; إسرائيل، وبلغت شعبية عبد الناصر السماء قبل هزيمة 1967 عندما قال: quot;أن على أمريكا أن تشرب من البحر الأبيض، وإن لم يكفها البحر الأبيض فعليها أن تشرب من البحر الأحمرquot;، ولم يفهم الأمريكان الشتيمة لأنه ليس لديهم المثل المصرى:quot;إللى مش عاجبه يشرب من البحرquot;، وصدام أيضا بلغت شعبيته عنان السماء لمجرد معاداته أمريكا ولم تتأثر شعبيته كثيرا حتى بعد غزو الكويت أو بعد هزيمته الساحقة فى بغداد أو بعد القبض عليه فى جحر الفأر، كل هذا لا يهم، المهم أنه يعادى أمريكا، ونسى العرب الذين ما زالوا يعبدون صدام أنه كان سمن على عسل مع الأمريكان ومع المخابرات الأمريكية لتشجيعة على الحرب مع إيران. فنصيحتى إلى أى طفل يخطط أن يكون زعيما عندما يكبر أن يبدأ بشتيمة أمريكا فى كل خطاب سياسى.

بيع الوهم:
الزعماء السياسيون بصفة عامة يتقنون بيع الوهم للشعوب، وللزعماء العرب تفوق فى هذا منقطع النظير، فهم يستطيعون عمل من quot;الفسيخ شرباتquot; ويستطيعون quot;عمل من البحر طحينةquot; ويخلقون من الهزيمة نصرا، وإن زنقت قوى يطلقون عليها إسم دلع quot;نكسةquot;، ويخرجون من كل هزيمة مثل الشعرة من العجين. ليس المهم بالنسبة للزعيم العربى أن يحسن من أحوال شعبه ولكنه عليه أن يوهم أبناء شعبه أن أحوالهم قد تحسنت، حتى وإن كانت أحوالهم حقيقة زى الزفت.

الخلود:
كثير من السذج يعتقدون أن الزعيم العربى لايترك منصبه إلا إلى القبر حبا فى السلطة، لذلك قاوموا ومازالوا يقاومون فترات الرئاسة المحدودة، ليس هذا فقط ولكن بدأت ظاهرة جديدة وهى توريث الأبناء للجمهوريات، وكان أكرم لهولاء الزعماء أن يعلنوها ملكية، والحقيقة أن السبب الحقيقى لكل هذا هو إستكمال الصورة الإلهية للزعيم وأنه فوق البشر، لايصح أن يحال إلى المعاش حتى لو بلغ من العمر أرذله.

..........
أما الزعامات الدينية فالناس يعتبروهم quot;ناس بتوع ربناquot; لذلك فهم يتقبلوهم كما هم، بكرش (معظم الزعامات الدينية تحتفظ بكروش محترمة)، لا يهم إن كانوا طوال القامة أم قصيرى القامة، ولا يهم إن كانوا بشعر أم بدون شعر لأن على رأسهم عمامة، ويفضل أن يكونوا من ذوى العاهات كأن يكون أعورا (مثل الملا عمر)، أو أعمى (مثل عمر عبد الرحمن)، أو مقعدا (مثل الشيخ أحمد ياسين). وبالطبع لابد أن يكون له لحية، وكلما كانت اللحية كثيفة وبيضاء كلما كان هذا أفضل، لذلك ينظر بعض الناس إلى المشايخ المودرن لابسى البدل الأفرنكية وحليقى الذقن ينظرون إليهم بشك.

.....
وأرجو أن يستفيد دارسى العلوم السياسية من تلك المواصفات، وأحتفظ لنفسى بحقوق المؤلف وبراءة الإختراع فى تلك المواصفات، وكل قمة عربية وأنتم طيبون !!

[email protected]