يأجوج ومأجوج اقوام ذكرهما القرآن الكريم في موضعين مختلفين الاول بقوله تعالى ( قالوا ياذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الارض فهل نجعل لك خرجا على ان تجعل بيننا وبينهم سدا)(1) والثاني بقوله (حتى اذا فُتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون) (2) ، ويلاحظ ان لفظ يأجوج ومأجوج ورد بصيغة الجمع لا المثنى بقرينة قوله مفسدون وينسلون مما يدل على انهم جماعة.ويلاحظ ايضا ان في الآية الاولى جرى الحديث عن غلق وسد، اما الآية الثانية تحدثت عن فتح.
وبحسب ما جاء في التفاسير فأن (يأجوج هم التتر ، ومأجوج المغول، واصلهما من أب واحد يسمى ترك، وتمتد بلادهم من التبت والصين الى البحر المتجمد، ومنهم جنكيزخان وهلاكو) (3). وهناك رأي بعيد عن الواقع يرى ان هذه الاقوام ليست من نوع بني آدم وهو زعم لايقوم عليه دليل. اما ذي القرنين فهو عبد صالح كما جاء في جواب الامام علي (كرم الله وجه) حين سئل عنه. واما تسميته بذي القرنيين فقد أختلفوا فيها ايضا بين قائل سمي كذلك لامتلاكه ضفيرتين، وبين قائل لُقب كذلك لانه ملك الشرق والغرب، والى غير ذلك من التأويلات والتي لن تُأثر في حقيقة كون الرجل عبدا صالحا أغدق الله عليه بنعمة القوة والقدرة التي سخرها لخدمة الانسان.
وخلاصه قصتة مع يأجوج ومأجوج هي، ان قوما شكوا له من فساد هذه الاقوام التي تغير عليهم بين الفينة والاخرى، فتهلك الحرث والنسل، وتخرب البلاد ،وتسبي العباد، وتدمر كل شئ امامها، وتحرق الاخضر واليابس ، فطلبوا من ذي القرنين ان يبني لهم سدا حتى يمنع وصول يأجوج ومأجوج اليهم على ان يمنحوه مالا، وافق العبد الصالح على الطلب لكنه ترفع عن اخذ المال اذ ان ما آتاه الله اعظم بكثير من المال، وبنى لهم سدا من الحديد والنحاس وردم الفتحة التي بين الجبلين التي ينفذ منها اقوام يأجوج ومأجوج، فكان البناء اشبه بالكونكريت المسلح الذي تنوي القوات الامريكية استخدامه في بناء سور الاعظمية، لكن السد الذي بناه ذو القرنين كان من العلو والملاسة والصلابة والمتانة مالم تستطيع اقوام اليأجوج والمأجوج اختراقه. وأما سور الاعظمية فمن المشكوك فيه ان يحول دون وصول مجاميع اليأجوج والمأجوج الجدد الى اهدافهم الخبيثة. ولكن من هم يأجوج ومأجوج هذا العصر؟
هم اقوام من البشر انعدمت فيهم الآدمية، وماتت في قلوبهم رحمة الانسانية. فأما اليأجوج الجدد فهم التكفيريون السلفيون، وأما المأجوج الجدد فهم البعثيون الصداميون. أجتمعوا على هدف شرير واحد وهو تدمير العراق وقتل العراقيين تحت يافطة (مقاومة) الاحتلال. وغني عن التذكير ما قام به هولاكو وجنكيز خان حينما اجتاحاها، واليوم يعيد التأريخ نفسه مع التكفيريين والصدامين، يأجوج ومأجوج العصر الذين اجتاحوا بغداد بعد ان تقاطروا عليها من كل فج عميق وغايتهم تدميرها وقتل اهلها كما فعل التتر والمغول فيها من قبل.
وبالعودة الى الاية القرانية التي تناولت موضوعة يأجوج ومأجوج والسد، فأن فيها ما يستحق التوقف عنده كأي آية من آي الذكر الحكيم . فالآية والتي سبقتها تعرضت الى قضية هامة ومعاصرة اثارة الجدل وما تزال تلك هي قضية الاستعانة بالغريب والاجنبي في التخلص من المفسدين، وحدث مثل هذا الجدل حينما قررت بعض اطراف المعارضة العراقية السابقة الاستفادة من التغيرات في السياسة الدولية بعد احداث الحادي عشر من ايلول الارهابية، فحثت الولايات المتحدة على اسقاط نظام صدام البعث المفسد، عندها أ ُثير ومايزال جدل حول شرعية الاستعانة بالاجنبي للتخلص من الحاكم الظالم .
ان التمعن بهذه الآية يوصل الى نتيجة مفادها جواز الاستعانة بالاجنبي الغريب لدفع شرور المفسدين والظالمين . والرأي عندي ان هذه الاية تصلح دليلا شرعيا على ما زعمت. ورب سائل يسئل عن هذا الاستنتاج، فأقول ان الآيات التي تناولت قصة ذي القرنين ويأجوج ومأجوج رسمت لنا صورة مفادها، ان ذا القرنين اجنبي وغريب عن القوم الذين استعانوا به ضد اقوام يأجوج ومأجوج، والدليل على ذلك انه لم يفهم لغتهم ولم يفهموا لغته وكما جاء في قوله تعالى ( حتى اذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لايكادون يفقهون قولا)(4). وعلى رأي بعض المفسرين ان عدم فقاهة القول يراد بها اختلاف اللغة بين ذي القرنين والقوم الذين وجدهم هناك مما يعني انه كان اجنبي عنهم لايفقهون لغته ولايفهمونها، وكما تقول التفاسير ان التفاهم بينه وبينهم تم بالاشارة او بطريقة ما فهم منهم رغبتهم في التخلص من المفسدين يأجوج ومأجوج (5).
وقد يقول قائل ان ذا القرنين كان عبدا صالحا واستعان به الناس واما امريكا التي استعنتم بها فهي ليست كذلك؟
وجواب ذلك، ان الآية تحدثت عن صفتين اساسيتين في ذي القرنين، الاولى هي القوة والقدرة على انجاز الفعل المناط به، والثانية انسانيته وحبه للخير ومساعدة الاخرين . والواقع ان هاتين الصفتان تواجدتا في القوات المتعددة الجنسية التي اسقطت نظام صدام المفسد، ولكن ذلك لايمنع من انتقاد اخطاء هذه القوات التي وقعت بها ومن ضمنها الخطأ الذي توشك القوات الامريكية الوقوع فيه وهو بناء سور_وليس جدار كما اشيع والفرق بين الاثنين كبير_ حول مدينة الاعظمية كمقدمة لبناء اسوار اخرى.
والرأي عندنا ان هذا الفعل قبيح وخاطئ، وذلك لانه لايضيف للجانب الامني شئ ذي قيمة تذكر، وكذلك لانه يعمل على تقسيم عاصمة العراق بغداد فعليا ليست على المستوى الجغرافي فحسب، بل والاجتماعي ايضا وهو الاخطر، لانه سيعمل على تعميق وتأصيل الطائفية الاجتماعية _والتي هي غاية مايريده التكفريون والصداميون لتمزيق اللحمة الوطنية حتى يتحقق مشروعهم المتمثل بإثارة الحرب الاهلية بين العراقيين _بعد ان عمقت المحاصصة في الحكم الطائفية السياسية والتي كان يفترض ان يتخلص منها العراق الجديد بأعتبارها العلة الام (6) التي عانت منها الدولة العراقية الحديثة منذ تأسيسها عام 1921. ان ماسُينفق على هذه الاسوار من اموال ومواد انشائية تكفي لبناء المئات من الوحدات السكنية الكفيلة بحل مشكلة السكن التي يعاني منها ابناء العاصمة، وكذلك توفر فرص العمل للشباب العاطلين اذا ما استغلت طاقاتهم في بناء تلك الوحدات مما يحصن المجتمع من الاختراقات، بدلا من تبذيرها على مشاريع غير مجدية كبناء الاسوار وماشابه. ولقد احسن السيد المالكي صنعا ً حينما رفض الفكرة جملة وتفصيلا مذكرا بنهاية جدار برلين الذي ُشيد على اُسُس ايديولوجية سياسية فكانت نهايته الفشل والتهديم على ايدي الالمان الذين فرقتهم الايديولوجيات والسياسات الخاطئة الى المانيا شرقية وأخرى غربية وهو الامر الذي يراد تكراره في بغداد .
وبالاضافة الى ما تقدم، فأن اهل بغداد لم يطلبوا من هذه القوات بناء السدود حول احيائهم كما طلب القوم من ذي القرنين ان يبني لهم سدا ، بل كل الذي يطالب به العراقيون هو تسليم الملف الامني كاملة لهم ، ويطالبون ايضا بإبرام اتفاقية تنضم وضع القوات الاجنبية على اراضيهم وتسمى اختصارا بالانكليزية بـ SOFA)) (7)، وبذلك يسحبوا البساط من تحت اقدام يأجوج ومأجوج العصر، اعني التكفيريين والصداميين الذين ما فتأوا يستغلون تواجد هذه القوات في العراق كذريعة للاستمرار في الارهاب والتمرد. اخلص للقول ان بناء الاسوار حول الاعظمية او غيرها عمل غير حكيم، وسيمزق المدينة الواحدة، ويجعل احيائها اشبه بالجزر المتناثرة والمغلقة بوجه بعضها البعض، مما يعني انتصار مشروع يأجوج ومأجوج العصر والذين سيعملون على فتح هذه الاسوار كما فتح اسلافهم البرابرة الهمج السد الذي بناه ذو القرنين فعاثوا ببغداد ووبقية الامصار فسادا وهذا ما لايتمناه اي عاشق للعراق ولبغداد ولأحيائها الجميلة.

هوامش:
(1)الاية 94 من سورة الكهف.
(2)الاية 96 من سورة الانبياء .
(3)التفسيرالكاشف/ج5/ص160/دارالكتاب الاسلامي/ محمد جواد مغنية.
(4)الاية 93 سورة الكهف.
(5)التفسير الكاشف.
(6)ورد هذا التعبير في كتاب (مشكلة الحكم في العراق)/ص 343/ عبد الكريم الازري.
(7)Situation Of Forces Agreement

[email protected]