ماذا سيقول كتاب الأدبيات الإسلامية الذين دأبوا على تلوين الحقائق وفق هواهم.. بعد أن فاز المرشح الأكثر كُرها بينهم منذ عام 2005 برئاسة الجمهورية الفرنسية.. وبماذا سيفسرون انعدام تأثير قوة المسلمون الفرنسيون الانتخابية التي تشدقوا بها جنباً إلى جنب قوتهم الانتخابية الاوربية منذ اربع سنوات، حينما ادعوا أنها هى التي حسمت الانتخابات الألمانية آنذاك وأنها هي التي تقف وراء إعتراض الرئيس الفرنسي لسياسات امريكا وبريطانيا فى العراق.. ماذا سيقولون وقد فضلت الأغلبية الفرنسية المرشح اليميني نيكولاي ساركوزي على مرشحة اليسار سيجولين روايال.. حتى لو كان هذا التفضيل بنسبة 5ر4 % أ، 6 % كما يقول البعض !!..

ماذا سيقولون وقد منحت هذه الأغلبية تأييدها لمرشح اليمين المتشدد الذي وعد بوضع حد للبطالة التي تفشت على امتداد 30 عام والذي تكفل بوضع حد للمشاكل الاجتماعية وان يعيد النظر في سياسات الهجرة، والذي تجمع وسائل الإعلام البريطانية علي ان برنامجه لا يختلف كثيرا عن رؤيته quot; اليمينية المتشددة quot; التي عبر عنها أبان توليه ndash; بحكم ترأسه لوزارة الداخلية آنذاك - مسئولية وضع حد للاشتباكات التي شهدها جنوب العاصمة الفرنسية من حوالي عامين والتي وصفت بسياسية الحديد والنار..

تبسيط مثل هذا الفوز الذي مر بمرحلتين انتخابيتين كان آخرهما الأحد 6 الجاري والإصرار على لي ذراعه عنوة ناحية تأثير quot; لمسلمين فرنسيين ليس هناك دليل واقعي على حدوثه quot; يدفع بالنتائج إلى آفاق غير موثقة من شأنها أن تقود إلي توقعات لا تمت للحقيقة بصلة.. صحيح لم يسبق لفرنسا منذ التأريخ لجمهوريتها الخامسة على يد الجنرال شارل ديجول ان وصف احد سياسييها بعضا من مواطني quot; الأمة الفرنسية quot; بأنهم حثالة كما فعل ساركوزى.. وصحيح أيضا أنها لم تعرف رجلاً تنفيذياً أبدى إعجاباً بالنموذج السياسي الأنجلو / ساكسونى كما فعل هذا الرجل دون مواربة أو اخفاء، لكن الحقيقة التي لا مفر منها انه سيتسلم المسئولية يوم السادس عشر من هذا الشهر فى احتفال سيتابعه العالم كله..

2 -
ليس من الإنصاف أن نخفي إجماع معظم الصحف الفرنسية أن إختيار ساركوزى كرئيس سادس للجمهورية، أشاع الارتياح بين غالبية شرائح الشعب بعد أن حسم الأمر بين المرشحين الأربعة على مرحلتين، وفاز quot; الدينامو البشرى quot; تاركا ورائه خصومه منهكين على حد وصفها.. فالرجل كما يقول هنرى صموئيل مراسل صحيفة الديلي تلغراف اللندنية quot; شجاع ولدية الجسارة على التحرك والحرص على الوفاء الوعد، ويؤمن بان السياسي عليه مسئولية تغيير الناس والمجتمع quot;.. وترى صحيفة الإندبندنت أن موقفه من quot; المهاجرين الكُسالي الذين يعيشون عالة على دافع الضرائب الفرنسي هو الذي جذب إليه نسبة اكبر من التأييد كانت الترجيحات تتنبأ بأن تذهب الى روايال مرشحة اليسار quot;..
أزمة المسلمين الفرنسيون أنهم مُضَيعون بين الإحصاءات الرسمية التي تقول أنهم لا يتجاوزون 5 مليون نسمة.. وبين مصادر الجمعيات الإسلامية التي تتمسك بأنهم 10 ملايين، خاصة وان الدين الاسلامي يعتبر دين الدولة الفرنسية الثاني.. وينبع هذا الضياع بصفة خاصة من تجربة الانتخابات التي شهدتها فرنسا عام 2002 والتي ادعي فيها البعض quot; انه كان لهذه الشريحة التأثير الأكبر على مجراها بشكل مباشر quot;.. لذلك يحق لنا أن نتساءل : لماذا نجحت هذه القوة الفتية في إسقاط المرشح اليساري لوينال جوسبان في تلك الانتخابات برغم معقولية برنامجه السياسي، ولم تتمكن من تحقيق نفس الخطوة ضد نيوكلاى ساركوزى الذى وصف بعضا ممن مثيري الشغب من أبنائها بأنهم حثالة، وسيتخلص منهم باستخدام خراطيم المياه !!..
الحقيقة التي يجب أن يعترف بها زعماء الجماعات الإسلامية الأوربية، أن العدد الأعظم من المسلمين الذين يعيشون بين مجتمعات هذه الدول بالرغم من تسلحهم بالمستويات العليا من المراتب العملية والعملية بالإضافة إلى انخراط عدد لا بأس منهم ضمن التشكيلات السياسية، إلا أن تأثيرهم يبقي دون المستوى الذي يشاع أنهم يتمتعون به على مستوى صنع القرار السياسي فى تلك البلدان خصوصا فرنسا وألمانيا وبريطانيا.. الحقيقة أيضا انههم غير منضوين ضمن آلية سياسية متناسقة ذات إرادة سياسية واعية

3 -
وناضجة، ولذلك لا يَرى لهم المراقبون تواجدا ملموسا وقويا على قوائم الأحزاب الأوربية ضمن مرشحيها على مستوى الدوائر الانتخابية هنا وهناك..
لذلك لم يكن لهم ndash; أي المسلمون الفرنسيون - موقف موحد ضد تنامي لهجة الخطاب السياسي العنصري المتطرف إبان الانتخابات الرئاسية الأخيرة، لأن البعض منهم أدان بالفعل تقاعس البعض وتراخيه داخل شريحة واسعة من أبناء المسلمين الفرنسيين من اجل الحصول على الإعانة الاجتماعية، ورفض البعض الآخر للممارسات الديموقراطية كما تواضع عليها المجتمع الفرنسي ومحاولة صبغها بالصبغة الإسلامية، وانضواء البعض الآخر ضمن الأعمال غير المشروعة.. ولو كانت الحقيقة غير ذلك لوجدنا صفوفهم متراصة وراء واحد من المرشحين الأربعة الكبار خصوصاً فرانسوا بايرو مرشح الوسط أو سجولين روايال مرشحة اليسار، دفاعاً عن حقوقهم وعن مستقبلهم خاصة وأنهم يعرفون جيداً أن مجئ ساركوزى quot; الذى لا يؤمن بتقديم الاعانة الاجتماعية لكل من هب ودب quot; إلى سدة الحكم يهدد بقاؤهم بلا عمل ويهدد اكثر محاولاتهم المستميتة فصل الدين عن الدولة..
داخليا سيعمل ساركوزى على جعل الحد الأدني لعدد ساعات العمل الأسبوعية 35 ساعة.. وسيعمل على خفض مؤشر البطالة عن 9 %.. وسيعمل على تقليص البيروقراطية وسيفتح الباب لتزايد الثروات الشخصية، اقتناعاً منه بأن النموذجين البريطاني والأمريكي في هذا الخصوص اثبتا نجاحاً فائقاً وقدما حلولاً جذرية لأزمات الدولة الاقتصادية والاجتماعية ووفرا لها دائماً الحجم الذي تحتاج إليه من الاستثمارات والتنمية المستدامة..
وكلها قضايا لا ناقة فيها للكُسالي والمتقاعسين ولا جمل..

أما خارجيا فمن المؤكد كما يقول فرانك تابيرو مدير حملة ساركوزى الانتخابية أنه quot; سيُحدث تغير على مستوى الموقف الفرنسي من الملف العراقي ومن ملف الصراع العربي الإسرائيلي، بل من الأزمة اللبنانية التي يرى الرئيس الفرنسي الجديد أنها يجب أن تنطلق من العلاقة بين الشعبين اللبناني والفرنسي وليس من العلاقة بين قصر الإليزيه
وبعض الشرائح على مستوى المجتمع اللبناني الطائفي..
إذا أراد المسلمون الفرنسيون أن يكون لهم صوت في الإنتخابات النيابية القادمة ومن بعدها الانتخابات الرئاسية، فعليهم أن يوصلوا فيما بينهم إلى توافق ملموس وواقعي بين أفكارهم وبين الدولة العلمانية وما تمثله من ديموقراطية، لأن quot; الدولة الغربية quot; في ظل التغييرات الإقليمية والعالمية لا تملك رفاهية تغيير منهجها استجابة لدعوات تطالب بعدم فصل الدين عن الدولة، خاصة إذا كانت هذه الدعوات لا تمثل إلا فئة محدودة من مسلمي فرنسا حتى لو كان تعدادهم عشرة ملايين نسمة !!..

استشارى اعلامي مقيم فى بريطانيا
[email protected]