من يتابع الأجواء الإعلامية المشحونة في دنيا العرب و على خلفية الأوضاع السائدة في العراق و حالات التوتر الطائفي التي تضرب أركانه و بشكل مؤسف يكاد يطيح بالخريطة الموحدة للعراق ستلفت إنتباهه ظاهرة التكالب و التحشد المؤسف من أحزاب و قوى و تيارات و جماعات دينية سلفية متشددة يساندها جهد لا ينقطع من بعض فضائيات الفتنة الطائفية كالجزيرة القطرية بقياداتها و تأثيراتها (الإخوانجية) و السلفية و الثورية المزيفة ماركة و موديل أهل المؤتمر القومي العربي الفاشل البعثي الهوى و الفكر و الممارسة و السلوك، أقول أن كل تلك الجماعات و الأطراف تتحشد و تقف في جبهة مشبوهة و مخجلة واحدة بهدف الإساءة و التشهير بشيعة العراق الذين هم في البداية و النهاية المادة الحية و الأصيلة لعروبة العراق و هويته الحضارية و الذين هم وحدهم تحملوا من الشتائم و الإساءات و سوء الفهم ما لم يتحمله طرف عراقي، نحن في البداية و النهاية ضد الأحزاب الدينية و الطائفية من أي ملة جاءت، و من أي زاوية من زوايا التاريخ الإسلامي و العربي المعتم قد إنطلقت، و لكننا لسنا ضد العقائد و الأديان و المذاهب الفكرية و الفقهية المختلفة و التي هي عنوان غنى حضاري و ليس دليل فرقة و لا خلاف، و إذا كانت بعض الجرائم الطائفية تقف خلفها عصابات أو جماعات شيعية الإنتماء فإن ذلك ليس مبررا بالمرة لأخذ البريء بجريرة المذنب، فالجرائم التي تمارسها الجماعات التكفيرية و السلمية هي أكثر وحشية و عدوانية من كل الجرائم المنسوبة للشيعة أو لطرف منهم، فما يفعله (أهل المقاومة الشريفة العفيفة) في مساجد و أسواق و مدن العراق من مجازر كبرى و شنيعة و بشعة يحلو لبعض الأطراف العربية و الإسلامية المريضة وصفها بأعمال المقاومة الوطنية!! رغم جبنا و دناءتها و خستها! وهي جرائم بربرية مخجلة لا يمكن أن ننسبها لأهل السنة المسالمين تاريخيا و الذين يرفضون الإرهاب بكل صوره و كانوا و مازالوا في حالة تجانس و تزاوج مع إخوتهم الشيعة! فالتشيع و التسنن ليس جنس أو عرق، و إنما هو إختلاف في الأفكار و الرؤى و التصورات عاشها المسلمون منذ القرون الأولى و لم تمنع إنطلاقتهم الحضارية و لا دورهم الحضاري المبدع في تاريخ البشرية، و هنالك سياسة حقد طائفي مبرمجة تقوم بها بعض الدوائر الإعلامية في المنطقة لإشعال الفتنة كلما لاحت بوادر الإنفراج أو كلما خطا العالم خطوات حقيقة لتصحيح الوضع القلق القائم في العراق، فالشيعة للأسف قد أضحوا اليوم مشروع دائم للشتم و لإستحضار كل أكاذيب التاريخ و لصقها بهم، كحكاية الوزير العباسي مؤيد الدين بن العلقمي مع المغول و التي بالغت كتب التاريخ في تضخيم دوره (الخياني المفترض)!! ومسؤوليته عن سقوط الخلافة العباسية التي كانت سلطنة منخورة و فاسدة و ساقطة عمليا منذ قرون سابقة منذ أن تسلط الغلمان الأتراك ثم البويهيين ثم السلاجقة على أمورها و حيث كان الغلمان الأتراك يسملون عيون الخلفاء و يتحالفون في الخيانة مع أولاد السلاطين لا بل أنهم أجبروا بعض الخلفاء على التسول على أبواب مساجد بغداد مثل الخليفة القاهر!! و قبله الطائع.. وكما كان يقول الشاعر:
خليفة في قصره بين وصيف و بغا
يقول ما قالا له كما تقول الببغا!!
وحتى في عصر أخر العباسيين المستعصم بالله كان الفساد قد وصل لأقصى مدياته وشهيرة جملته التي ذكرتها كتب التاريخ عن إستهانته بالغزو المغولي و بخله وعدم دفعه لرواتب الجند الثائرين وحينما قال :
إن بغداد تكفيني و لا ضير إن نزلت لي عن سائر الأمم)!! أي أن الخليفة لم يكن يريد سوى بغداد و لا أعتقد أن مسؤولية إبن العلقمي هنا أكثر من مسؤولية قائد الجيش (الدويدار الصغير)!! ومع هذا فإن سلفيي هذه الأيام لا يتحدثون عن قائد الجيش و لا عن خليفته قدر ما يتحدثون عن خيانة الشيعة!! و شيعة العراق كما نعلم اليوم هم أبناء العشائر العربية العراقية المحرومة الذين تشيعوا بعد قرون من سقوط الخلافة العباسية أي في فترة السلطنة العثمانية! رغم أن الشيعة قد لعبوا دورا مهما في الحضارة الإسلامية، فنحاة البصرة مثلا قد سموا بأهل المنطق لإستعمالهم في النحو مصطلحات منطقية بواقع تأثير المذاهب الفلسفية التي ظهرت في البصرة قبل غيرها من حواضر العالم الإسلامي و أشهر نحاة البصرة كانوا من الشيعة أو المعتزلة الذين أفسحوا للفلسفة مجالا واسعا في مذاهبهم، كما أن فرقة الإسماعيلية الشيعية كانت قد لعبت أخطر الأدوار في الحضارة الإسلامية و في تطور الفلسفة و العلوم العقلية و هنا تذكر كتب التاريخ أيضا أن كراهية بعض سلفيي تلكم الأيام للكتب الفلسفية و العلمية قد وصلت حدا جعل من إقتناء تلك الكتب خطرا على حياة أصحابها، فيقول المؤرخ إبن الأثير في أخبار سنة 277 هجري 890 م أي في عز عصر النهضة في بغداد (إنه كان على النساخ المحترفين أن يقسموا بأنهم لن يستغلوا في إستنساخ أي كتاب في الفلسفة) و يقول إبن الأثير أيضا في أخبار سنة 555 هجري 1160 م (إن الخليفة المستنجد قبض على أحد القضاة و أخذت كتبه و أحرق منها في (الرحبة) ما كان من علوم الفلاسفة و منها كتاب (الشفاء) لإبن سينا و كتاب (إخوان الصفاء و خلان الوفاء)......
و اليوم تأخذ قضية تكفير الشيعة وهدر دمائهم أبعادها الخرافية من واقع إشاعة المفاهيم و المعلومات الخاطئة عن خيانات مفترضة لهم في سقوط بغداد قبل أربعة أعوام!! و هنالك نعرة كريهة باتت تتصدر كل الحملات المشبوهة و المسيسة تحمل الشيعة مسؤولية سقوط نظام صدام!! متناسين الدور القذر لذلك النظام في التحالف التاريخي الطويل مع الأطراف التي أسقطته في نهاية المطاف بعد أن إنتهى الدور الستراتيجي المكلف به و بات عالة ستراتيجية!! ففي نقاش لي مع أحد الأصدقاء المغاربة حول العمليات الإرهابية في العراق صدمت لرأيه الرافض لإدانة العمليات الإرهابية ضد الأسواق و المدن العراقية الفقيرة بقوله: إنهم يستحقون القتل لأنهم شيعة و خونة!!!!! مع ملاحظة أن ذلك الشخص ليس أمي بل هو خريج جامعة!!!!! و قد فشلت كل محاولاتي لتصحيح معلوماته لأن الحشو و اللغو الذي يتلقاه من أمام المسجد الذي يصلي فيه قد أغلق عقله و حواسه!!! و ما تفعله اليوم قناة الجزيرة من خلال ذلك الإعلامي السلفي التكفيري هو أحد واجهات الإرهاب القائم في العراق، الشيعة لم و لن يكونوا يوما سوى جزء رئيسي و فاعل من مكونات الشعب العراقي الحر و الهزيمة لا يتحمل مسؤوليتها أحد بقدر ما يتحملها أقطاب النظام العراقي الفاشي البائد الذي كان خليطا من المجرمين و من مختلف المذاهب... و يبدو أن قضية تصحيح الفكر العربي و الإسلامي في ملف شيعة العراق يحتاج لقرون عديدة من حوار الطرشان!! فلا حول و لا قوة إلا بالله.
التعليقات