ارتفع عدد العاطلين عن العمل في السعودية، حسب التقديرات الرسمية، من 300 ألف عاطل سنة 2004 إلى نصف مليون في الفترة الأخيرة. و على هذا الأساس، واصل معدل البطالة ارتفاعه من 9% إلي 12%، حسب آخر النتائج المعلنة بالنسبة للذكور، و ثلاثة أضعاف ذلك لدى الإناث.
في المقابل توجد عمالة كبرى في المملكة بدليل وجود 4،6 مليون أجنبي في دولة لا يتجاوز عدد المواطنين فيها 5،16 مليونا، حسب إحصائيات 2005. و واصل عدد العمال الأجانب ارتفاعه، بالتوازي مع ارتفاع البطالة لدى المواطنين، إذ تم إصدار 353 ألف تأشيرة عمل في 2005، و تضاعف العدد إلي 750 ألف تأشيرة في 2006. و يلقي هذا أسئلة هامة منها سبب ارتفاع البطالة لدى المواطنين رغم الثروات الاقتصادية للدولة، و سبب تزامن البطالة quot; للموطنين quot; مع تزايد أعداد العمال الأجانب ؟
المقاربة بين الأرقام أعلاه قد توحي بإمكانية توفير فرص العمل للمواطنين بمجرد تخفيض عدد التأشيرات الممنوحة للأجانب بالنصف، خلال 2005- 2006. لكن هذا لم يكن ممكنا لان المواطنين غير قادرين على تعويض الأجانب في معظم أنشطة القطاع الخاص، مما يعني وجود خلل في التعليم و التكوين المهني و نظام الحوافز لموظفي القطاع الحكومي، بالإضافة للقيم المجتمعية الموروثة التي لا تساعد على انخراط الشباب السعودي في الدورة الاقتصادية.
بدا نشر التعليم مع بداية الثروة النفطية في السعودية. و اتخذ الملك فيصل قرارا شجاعا بتعليم البنات، وهي الخطوة التي اتت أكلها فيما بعد، إذ يفوق عدد الطالبات عدد الطلبة في الجامعات السعودية في الوقت الحاضر. لكن نفوذ المؤسسة الدينية، أدى إلى سوء اختيار المناهج، حيث يغيب تدريس اللغات الحية و الآداب و الفلسفة الأجنبية، و يخضع تلاميذ المدارس الحكومية إلى دروس يومية في علوم الدين، على حساب العلوم و الرياضيات. و كانت النتيجة أن جاء تلاميذ الثانوية في السعودية في ذيل القائمة في المسابقات الدولية لمادة الرياضيات ( النتائج منشورة على الموقع : http://timss.bc.edu )، كما جاءوا في ذيل القائمة في ترتيب مؤسسة quot; ماكينزي quot; للتحصيل العلمي في نفس المادة، منافسين في ذلك اكثر دول إفريقيا جنوب الصحراء فقرا و تخلفا، مثل غانا و بوتسوانا !!!
فاقم المستوى الهزيل لخريجي المدارس الثانوية من الصعوبات التي تعترض برامج التأهيل و التكوين المهني الحكومية، كما وجدت مؤسسات التعليم العالي نفسها متورطة في برامج quot; التقوية quot; التي تكلف الكثير من الموارد و تمثل مضيعة لوقت الطلبة، و هي ظاهرة لا وجود لها في دول مثل كوريا الجنوبية و ماليزيا و حتى الهند، إذ يستطيع الطلبة الحاصلين على الثانوية من هذه الدول مواصلة دراساتهم في أرقى الجامعات في العالم دون أن يجابهوا أية صعوبات تذكر.
نظام الوظيفة في القطاع العام لا يشجع هو الآخر على عمل المواطنين في القطاع الخاص. فالدولة تخصص 17 % من الناتج المحلي الإجمالي كرواتب للموظفين، و هي نسبة تفوق أربعة أضعاف نسبة 4% في الدول المتقدمة. و كان المطلوب هنا أن يوفر القطاع الحكومي نفس الرواتب التي يوفرها القطاع الخاص، و أن يستفيد العامل المواطن في القطاع الخاص بنفس المزايا المتوفرة للعامل في القطاع الحكومي. كما كان من الضروري توفير التدريب المستمر لرفع كفاءة موظفي القطاع العام و توفير الحوافز لهم لإنشاء مشاريع خاصة بهم.
قيم المجتمع السعودي و التقاليد البالية لا تساعد هي الأخرى على حل مشكلة البطالة. ففي السنوات الأخيرة حاولت الحكومة تخصيص عديد الأنشطة للسعوديين فقط. في هذا الإطار، تم الإعلان عن وجود 30 ألف وظيفة، مثل لسياقه سيارات quot;اليموزينquot;، و مع ذلك لم يتقدم لشغر هذه الوظائف إلا 518 مواطنا.
لعبت كل هذه العوامل ضد المرأة السعودية اكثر من الرجل، حيث لا تزيد نسبة النساء العاملات عن 6 %. و بالرغم من أن عدد الطالبات يفوق عدد الطلبة في الجامعات، تفتقر الفتاة السعودية لفرص التعليم التقني، و تتم الدراسة للفتيات في قاعات مغلقة عن طريق quot; الفيديو quot;، و هي طريقة تلقين لا تتماشى و متطلبات التعليم العصري الذي يركز على التفاعل بين الأستاذ و الطالب. كما توجد عراقيل هامة للمرأة التي تقتحم عالم الأعمال في تعاملها مع الإدارة و المجتمع بصفة عامة مما يحد من فرص نجاحها.
كل هذه العوامل ساهمت في تفاقم المشكلة التي انعكست على الأمن الاجتماعي، إذ جاء في عملية مسح أن 69 % من المسجونين لم تكن لهم وظيفة ثابتة قبل محاكمتهم. و ليس مستبعدا أن تشجع البطالة بعض الشباب السعودي على الانتماء للحركات الإرهابية في السنوات الأخيرة.
بادرت الحكومة بإنشاء وزارة العمل التي تعمل بالتنسيق مع صندوق تنمية الموارد البشرية و القطاع الخاص، التي أعدت الوزارة إستراتيجية وطنية لمكافحة البطالة متكونة من 26 سياسة و تعتمد على 108 آلية لتحقيق ثلاثة أهداف مرحلية، تشمل السيطرة على البطالة في المرحلة القصيرة التي تبلغ مدتها سنتين، ثم تخفيض معدلات البطالة في المرحلة المتوسطة التي تمتد لثلاث سنوات، ثم القضاء الكامل على البطالة على المدى الطويل.
بدأت الوزارة بحصر وتسجيل وتوظيف المواطنين السعوديين في القطاع الخاص منذ عامين تقريباً، حيث بلغ عدد المسجلين في الحملة نحو 155 ألف طالب عمل، تم توظيف نحو133 ألف منهم. و أنشأت الوزارة مركز الملك فهد للتوظيف تحت إشراف وإدارة صندوق تنمية الموارد البشرية، لدعم جهود التوظيف، لكن هذه الخطوات لن تكون كافية، على الأرجح، ما لم يتم العمل على مراجعة نظام التعليم و الوظيفة العمومية و دور الدولة الريعية ككل، و اعتماد الإصلاحات الضرورية على هذا الأساس.
كاتب المقال محلل إيلاف الاقتصادي و خبير سابق بصندوق النقد الدولي بواشنطن
[email protected]
التعليقات