ومع أن لي عتب شديد للغاية علي الشيخ أحمد الفهد، إلا أنني من المؤمنين أن هذا الرجل يعد من الشخصيات الكويتية الفريدة في تاريخ الكويت السياسي.
لست مع أو ضد الشيخ أحمد الفهد، لكنني أتحدث عن ظاهرة لا يمكن تجاهلها، وشخصية لا يمكن إغفالها، وطاقة لا يمكن إهدار حقها.
منذ ظهوره بشكل واضح على الساحة الاجتماعية الكويتية العامة عن طريق الرياضة بعد تحرير الكويت، والشيخ أحمد الفهد يحمل quot; كريزما quot; جذابة لا يمكن أبدا تجاهلها، وعبر سنوات طويلة من عملة السياسي وتقلده للعديد من المناصب المختلفة والمتعددة في الحكومة الكويتية كان الشيخ أحمد الفهد مثيرا للجدل في كل الحالات وعلى كافة الاصعدة، ولا ينكر أحدا من كان سواء من مؤيديه أو حتى أشد خصومة أن الرجل ليس بالخصم التقليدي، وأنه ليس من السياسيين قصيري النفس، بل إنه يتمتع بدهاء سياسي ومرونة اجتماعية، وبعد نظر قلما يتوافران في أيا من نظرائه السياسيين في الكويت أو غيرها.
لا يؤمن الشيخ أحمد الفهد بمقولة أوتو فون بسمارك صانع الوحدة الألمانية في عهد القيصرية الثانية عندما يقول ( السياسة هي فن العمل في حدود الممكن ) ، فهو من خلال عملة يؤمن دائما بأن نجاح السياسي هو في قدرته على تطويع اللا ممكن، ومدى سيطرته على مجريات الأمور، فالقائد مثل الخيال يجب أن يكون دائما قادرا على التحكم بلجام الخيل.
عندما تُخاصم الشيخ أحمد الفهد لا تشعر أنك خصمه، بل تجده يتقبل هذة الخصومة بسعة صدر غير مسبوقة، ولا يمكن أن يتبع طرقا ووسائل ملتوية في خصومته، أو يلجأ إلى الضرب تحت الحزام، مع أنه يكون لأحيانا كثيرة قادرا على ذلك، ويمتلك الأدوات التي تساعده لذلك، لكنه قادرا على استقطاب خصومه، والسعي إلى إزالة بواطن الخلاف معهم.
واجه أزماته بالابتسام .. وتقبل كل أنواع النقد والهجوم بهدوء .. عندما كان وزيرا كان قادرا على استقطاب كافة التيارات في مجلس الأمة وخارجه، وكان قادرا على إقامة علاقات فريدة ومميزة مع الصحافة ووسائل الإعلام، حتى الذين كانوا يقسون عليه بالهجوم . جعل الباب معهم مفتوحا ولم يغلقه .. وكأنه يطبق مقولة معاوية بن أبي سفيان ( لو كان بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت .. إذا شدوا أرخيت ، وإذا أرخوا شددت ).
لست هنا أسعى لتجميل صورة الشيخ أحمد الفهد، فللرجل أخطائه وحساناته، سلبياته وايجابياته، ولكنه بكافة المقاييس وعلى كافة الأصعدة ظاهرة تستحق التوقف عندها، وكنت ولا زلت أوجه اللوم للشيخ أحمد الفهد خاصة في تدخله بالشؤون الرياضية حتى وهو بعيدا عنها، وسعيه إلى السيطرة على الشأن الرياضي حتى وهو خارجه، وانه لم يترك الأمور تسير وفق مجراها الديموقراطي الحقيقي.
إتهمومه بالتدخل في الانتخابات .. وأنه يسيطر على بعض النواب، ويوجههم كيفما يريد .. وهذان اتهامان أعتقد أنهما لا يعيبان الرجل ما دام يعمل في خضم العمل السياسي العام، وهما حق مشروع لأي سياسي ولأي حكومة أنها تسعى لضمان مؤيدين لها .. كما وجهت له اتهامات أخرى استطاع أن يرد عليها ويوضحها في حوارات صحفية وتلفزيونية عديدة.
والغريب في هذة الاتهامات التي كانت تطول الشيخ أحمد الفهد أنها كثرت بعد خروجه من الحكومة، ولم نسمع طوال فترة وجوده بداخل الحكومة أيا من النواب من وجه له انتقاد أو سؤال برلماني أو حتى تهديد بالاستجواب .. وكان حال أعضاء المجلس أشبه لقول مشهور للرئيس الأمريكي السابق ابراهام لنكولن ( إن الخطيئة الكبرى أن يسكت الناس في الوقت الذي ينبغي فيه الاحتجاج ).
القصد أنه كان في كل حالاته متماسكا . وقويا .. وقادرا على المواجهة، وعدم دفن رأسه في الرمال، لكنه كان دائما متواجدا وقادرا على أن يضع الأمور في مجراها الحقيقي .. وكأنه كان يستمع لصوت رئيس الوزراء البريطاني الأشهر تشيرشل وهو يقول ( حارب عدوك بالسلاح الذي يخشاه .. لا بالسلاح الذي تخشاه أنت ).
حياة الشيخ أحمد الفهد مرت بمراحل مختلفة ..
الفترة الأولى .. كان خلالها بعيدا عن الأجواء السياسية، وإن كان حاضرا بها من خلال قربه من والة الشهيد فهد الأحمد - رحمة الله - .
الفترة الثانية .. حين وجد نفسه بعد الغزو، وقد فقد والده بموقف بطولي فريد، وصارت الأنظار تتطلع إليه على أنه إبن الشهيد وخليفته، واستطاع أن يحوز على اعجاب الناس ويستقطب عاطفتهم.
الفترة الثالثة .. وهي التي أصلت فيه العمل الاجتماعي، والتطلعات السياسية من خلال قيادته للرياضة الكويتية، والتي استطاع في بداية مشواره بها أن يحقق انجازات جيدة.
الفترة الرابعة .. وهي تلك الفترة التي شهدت قمة تألق الشيخ أحمد الفهد وانطلاقته، وهي التي سبقت دخوله الحكومة بفترة وجيزة، وكان فيها نجما اجتماعيا، استطاع أن يكسب تعاطف الشعب الكويتي واعجابهم به من خلال الحوار التلفزيوني الشهير الذي أجراه مع فيصل القاسم في قناة الجزيرة، وكان وقتها مفاجأة أذهلت الكثيرين.
الفترة الخامسة .. وهي الفترة التي انظم فيها للحكومة كوزيرا للإعلام، وكانت فترة صعبة للغاية، وشهدت أحداث كثيرة أهمها الحرب الأمريكية على العراق عام 2003 وقد أبلى الشيخ أحمد الفهد فيها بلاءا حسنا، واستطاع وقتها أن يرسخ أقدامه في الحكومة الكويتية.
الفترة السادسة .. وهي الفترة الصعبة والحساسة في حياة الشيخ أحمد الفهد، والتي من خلالها انتقل من وزارة الاعلام ليصبح وزيرا للطاقة، وخلال هذة الفترة كثر الكلام وازدادت الاشاعات حوله، وحول دوره داخل المجلس، واثناء الانتخابات، وأعتقد أن وجود الشيخ أحمد الفهد بوزارة الطاقة تحديدا وارتباطها المباشر بالقضايا المالية، يعتبر من أحد الأسباب الداعمة للحملة الشرسة التي وجهت إليه، ومثلما يقول خطيب الثورة الفرنسية ميرابو ( إن جميع مشاكل السياسة تخرج من حبة القمح ).
الفترة السابعة .. هي الفترة الحالية التي خرج بها الشيخ أحمد الفهد من الحكومة، والتي خلالها يعمل على تكثيف حضوره وتواجده الاجتماعي في العديد من المناسبات الهامة .. والسعي بعدة طرق لاعادة تجميل صورته الاجتماعية . والسعي نحو الانتهاء من الاتهامات العالقة مثل قضية هالبيرتون، وقضية المفقودات النفطية .. وهاهو يعود إلى المنبع الرئيسي ، ويبدأ من جديد من أول الطريق من خلال عودته لتولي مسؤوليات القطاع الرياضي ، وهو قطاع هام وسريعا ما يمكن من خلاله أن تكون معشوق الجماهير خاصة إذا استطعت تحقيق الانجازات، واعتقد أن الشيخ أحمد الفهد سيبذل جهدا كبيرا من أجل أن يؤسس قاعدة رياضية، وأن يحقق نجاحات كبيرة تعيد الابتسام الى الناس، وتعيد له مكانته لدى الشعب والتي بلا شك خسر جزءا منها بسبب السياسة.
في عمله طبق الشيخ أحمد الفهد سياسة كسرى العادل أنوشيروان، والذي كان ملكا ساسانيا (531 ndash; 579) حيث يقول ( السياسة هي إستجلاب محبة الخاصة باكرامهم، واستعباد العامة بانصافهم ) ومما يشتهر عن الشيخ أحمد أنه كان يمد يد العون للكثيرين، وأنه كان لا يغلق بابا أمام أحدا أبدا.
يبقى الشيخ أحمد الفهد شخصية مثيرة .. سواء كان داخل الحكومة أو خارجها .. وبالتأكيد تعلمون أنه لا يمكن أن يقبل بأن يعود إلى مدرجات المتفرجين وقد أصبح رقما هاما في السياسة الكويتية... ودمتم سالمين.

[email protected]