الغزل الطافح حالياً بين كل من رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وقيادة الجيش التركي يشير، اضافة للتهرب من مواجهة القضايا الداخلية الجوهرية، إلى قرب إرتكاب القوات التركية لحماقة التوغل في اراضي كردستان الجنوبية( كردستان العراق) ومهاجة قواعد حزب العمال الكردستاني. وحتى وان كان هذا الهجوم quot;جزئياًquot; والهدف منه هو ضرب مواقع وتحصينات قوات حماية الشعب( الجناح العسكري للعمال الكردستاني) في المعاقل الشاهقة في اعالي جبال قنديل وزاغروس، ألاّ أن التوغل في حد ذاته سيترتب عليه تداعيات كبيرة وخطيرة، فضلاً عن التهديد المباشر للمكاسب الكردية في اقليم كردستان العراق.
التوغل التركي سيستدعي رداً كردياً قوياً في العمق التركي. الرد سيتناسب وقوة الضربة التركية المفترضة. والعمال الكردستاني وكما لايخفى على احد، يمتلك آلاف الأنصار في معظم المدن التركية الداخلية، ومن المفترض ان تكون الحكومة واجهزة الجيش والإستخبارات التركية على دراية بهذا الأمر. وهناك يقين تركي ثابت، حتى على مستوى الجيش وضباطه الكبار، في أن اي عملية توغل تركية في اراضي اقليم كردستان العراق لن تنفع في القضاء على قواعد الحزب الكردستاني، بل لن تنجح حتى في quot;تدميرquot; ربما 5% من قوات الحزب المتحصنة بشكل جيد، وصاحبة الخبرة الطويلة في حرب الكر والفر مع القوات التركية. ثم ان هجمات سابقة تركية في منتصف التسعينيات لم تفلح في القضاء على قوات الحزب او الحاق خسائر فادحة بها. قادة العمال الكردستاني يقولون انهم الآن افضل حالاً بكثير مما مضى. فالأتراك لوحدهم هذه المرة: أميركا تعارض تدخلهم، والقوى الكردية الجنوبية كذلك. ذلك كله بخلاف المرات الماضية، حيث كانوا يتلقون دعماً من هذين الطرفين.
ثمة احباط وخيبة امل في الجانب الكردي. فبعد ثمانية أشهر من وقف العمليات العسكرية من قبل العمال الكردستاني 1/10/2006 مازال الجيش التركي يشن المزيد من الحملات العسكرية في ولايات كردستان الشمالية ضد المقاتلين الكرد. عمليات عسكرية ضخمة وبمشاركة عشرات الآلاف من الجنود ومرتزقة (ميليشيات حماة القرى)، طالت معظم المناطق الكردية في البلاد. وتزامن مع ذلك عملية تضييق مركزة تعرض لها الزعيم الكردي الأسير عبدالله اوجلان في السجن، توجت أخيراً بتسميمه وفرض حالات عزلة مشددة عليه، داخل العزلة التي يعيش فيها منذ شباط 1999 في سجن جزيرة ايمرالي. هذا ناهيك عن حملات الاعتقال والمداهمات اليومية بحق اعضاء وناشطي حزب المجتمع الديمقراطي( الواجهة السياسية للعمال الكردستاني، والذي يسيطر على 56 بلدية كبرى) والتضييق عليه بغية منعه من كسب الإنتخابات التشريعية القادمة في مناطق كردستان الشمالية، مثل كل مرة. وتزداد وتيرة الضغوط التركية وحملات الإرهاب اليومية ضد نشطاء الحزب مع توافر معلومات تقول بامكانية ان ينجح الحزب في تصدير حوالي 40 نائباً للبرلمان التركي. وللمرء ان يتخيل مقدار الصداع وquot;وجع الرأسquot; وحجم الضجة التي سيثيرها هؤلاء تحت قبة البرلمان التركي، حيث الحديث اليومي عن quot;القضية الكرديةquot; وquot;العمال الكردستانيquot; وزعيمه quot;السيد عبدالله اوجلانquot;..!!.
الثابت ان الرد الكردي سيكون قوياً وصاعقاً في حال إرتكاب تركيا حماقة التوغل في اراضي اقليم كردستان العراق لضرب مواقع القوات الكردية الشمالية. هذا ناهيك عن ان قوات البيشمركة الجنوبية لن تقف مكتوفة الأيدي امام تدخل الجنود الأتراك في شأن الأقليم. فالكل يعلم ان من بين اهداف انقرة الإستراتيجية ضرب حكومة كردستان ومنع الحاق مدينة كركوك بالأقليم. وهناك تقارب كبير حدث في الآونة الأخيرة بين ادارة الأقليم بقيادة الرئيس مسعود البارزاني وحركة التحرر الكردستانية في كردستان الشمالية. واي محاولة تركية للتوغل، سيزيد من تقارب القوى الكردية ودفعها للتعاون والتنسيق في صد العدوان التركي والرد عليه بطريقة قوية ومؤثرة.
نائب رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم ووزير الخارجية التركي عبدالله غول يقول: quot;لقد ضاقت تركيا بعمليات العمال الكردستاني وعليها التحرك لمنع تلك العملياتquot;. والحال، ان الكرد ايضاً ضاقوا بسياسة تركيا في اجتثاثهم وحرق بلادهم وقتل شبابهم. واي مواجهة قادمة لن تكون في صالح تركيا، ولافي صالح شعبها، والسنوات 25 الماضية اظهرت ان quot;الحسم العسكريquot; خيار فاشل في مواجهة الحركة الكردية في كردستان الشمالية، وانه لامناص من الحل السلمي والتفاوض لحل القضية الكردية بالحوار بدل النار
الأرجح ان أنقرة ومع الرفض الأميركي المستمر والموقف القوي الثابت لقيادة اقليم كردستان العراق لن تجرؤ على التوغل في اراضي الأقليم وشن عملية عسكرية كبيرة ضد مواقع مقاتلي حزب العمال الكردستاني كما تأمل. ثمة رجحان لكفة التريث والإنكفاء في ميزان الربح والخسارة هنا. وواشنطن تعلم ان حجم المشاكل في العراق العربي كبير، وهي بغنى عن اشعال تركيا للجبهة العراقية الشمالية، وضد من؟. ضد اقرب حلفائها الكرد. هذا ناهيك عن انشغال الإدارة الأميركية بالملف النووي الإيراني واحتمال توجيه ضربة قاصمة لطهران. عند ذلك تتوافر هناك حاجة ماسة للحركات الإيرانية المعارضة. وهنا يكون الحديث عن حزب الحياة الحرة الكردستاني( الجناح الإيراني للعمال الكردستاني)، وهو حزب يمتلك آلاف المقاتلين، ويقاتل القوات الإيرانية في السنوات الأخيرة بضراوة.
هذا الحزب استطاع تجنيد الالاف من الشبان في مناطق كردستان الشرقية، واخترق quot;الدوجماquot; الإيرانية حينما تغلغل بنجاح كبير في مدينة كرمانشاه( كبرى المدن الكردية على الأطلاق) لكي يجند مئات المقاتلين لصفوفه. ومعلوم هنا ان السلطات الإيرانية تتضايق كثيراً من نجاح اي حركة سياسية كردية في استقطاب الشبان الكرد الشيعة لصفوفها، الأمر الذي يشكل تحدياً حقيقياً للنظام الإيراني المذهبي الهوى.
واشنطن تعلم مدى قوة ونشاط حزب الحياة الحرة الكردستاني في المنطقة، وتعلم انه يستطيع السيطرة على الأمور في مناطق كردستان الشرقية فيما لو وقعت الواقعة مع طهران (كاتب هذه السطورعلم من قيادات الحزب بوجود اتصالات اميركية معهم منذ زمن) . ولعل الأتراك يعلمون ذلك، وهم ينسقون مع الإيرانيين لضرب مواقع هذا الحزب، ويرسلون الضباط المدربين لطهران للعمل ضد التواجد العسكري لقوات شرقي كردستان( الجناح العسكري للحزب) في المناطق الحدودية التركية ـ الإيرانية، بالأضافة للتخريب الذي تحرك خيوطه أنقرة وطهران في اقليم كردستان، حيث إرسال فرق التفخيخ والإغتيالات لضرب الإستقرار والأمن هناك: وفق ماكشفته الأجهزة الأمنية في أربيل قبل ايام.
كل ذلك، فضلاً عن ان اي ضربة اميركية لطهران قد تتسبب في اسقاط نظام الملالي وظهور كردستان الشرقية(8مليون كردي) كدولة مستقلة او فيدرالية قائمة: وهو الكابوس الذي يقض مضاجع الأتراك، ويدفع بالجيش لتوطين مائة الف جندي بالقرب من الحدود، تحسباً لأي طارئ خطير، ينتهي بظهور دولة كردية..في ايران هذه المرة!!.

[email protected]