جاسم بودي

ندفن رؤوسنا في الرمال كالنعام اذا اعتبرنا ان ما يجري اليوم من ازمات سياسية في الكويت امر عادي يحصل في اي ظرف وزمان. هذا غير صحيح على الاطلاق وان كنا من حيث المبدأ نرى في كل الحراك السياسي الدائر امرا مشروعا اذا كان تحت سقف اللعبة الديموقراطية الهادفة الى الافضل فالافضل. غير صحيح لان ما حصل ويحصل ظاهره عام وباطنه خاص... وخاص جدا.

ليس سرا ان العهد الجديد رافقته ازمات متتالية ادت الى سيطرة الشارع لفترة على الخطاب السياسي والى حل لمجلس الامة والى تشكيل ثلاث حكومات في اقل من سنة والى استجواب وزير شيخ من ذرية مبارك واقصائه تاليا عن منصبه، والى التهديد باستجوابات لثلاثة وزراء وصولا الى الاستجواب المنتظر لوزير... شيخ ايضا.
لكن السر يكمن في الاهداف الحقيقية لبعض هذه الازمات، فهل هي في جوهرها متوافقة مع ما طرحه اصحابها؟ وهل اصحابها هم اصحابها الحقيقيون ام انهم وكلاء للمحركين الاساسيين؟ وهل كانت مصلحة الكويت وتطوير النظام السياسي وتعزيز الديموقراطية وتحقيق تطلعات الكويتيين وتنشيط الاقتصاد وتفعيل التنمية نصب أعين الذين فجروا الازمات؟... حتى الآن يعتقد ابطال التوتير ان السر سر، لكنه ليس كذلك بالنسبة الى غالبية الكويتيين.

لم يعد سرا يا شيوخنا الكرام ان laquo;الحفرraquo; بالباطن والظاهر يدور ليل نهار بالوكالة وبطرق غير مباشرة وبالتسريب المستور والتحريض المكشوف. لم يعد سرا ان مراكز قوى تتكون من شيوخ ونواب وموظفين وشخصيات عامة واعلاميين حول هذا الشيخ او ذاك بهدف درء أي شبهة عنه ليصبح مثل امرأة القيصر، وتوجيه كل الشبهات الى شيخ آخر او وزير لحرقه او تأخير تدرجه السياسي في المناصب.

ولم يعد سرا يا وزراءنا الاعزاء ان التضامن بينكم كلمة صارت ممجوجة لكثرة استخدامها... وسقوطها عند اول استحقاق، فكل وزير يريد الستر لنفسه مع نائب او مجموعة نواب اصواتهم عالية وحروبهم بالوكالة عن وزير او شيخ، ولا هم له سوى تثبيت موقع استراتيجي داخل السفينة للقفز منها عند اول اهتزاز او للتضحية بزميل له كي يخف الحمل.

ولم يعد سرا يا نوابنا الكرام ان اولوياتكم متعددة مختلفة متفرقة لكنها بعيدة تماما عن وظيفتي الرقابة والتشريع. عندما تتحدثون عن خطأ واضح يقف الجميع معكم، وعندما تشتتون الوقت والجهد في التركيز على اخطاء هامشية لمصالح خاصة او وفاء بالتزاماتكم لمن تعاهدتم معه في الغرف المغلقة فان التفاعل الشعبي مع ممثلي الشعب يقارب الصفر لان الكويتيين يريدون الانجاز والعمل واللحاق بمسيرة تنموية اصبحوا في آخر ركبها مقارنة بدول المنطقة.

ولم يعد سرا، وهو الاهم، ان اجندات اقطاب الحكم في كل السلطات صارت اجندات شخصية لا علاقة للتنمية المنشودة بها. هذا يريد البقاء في مركزه مهما كلف ذلك من تنازلات، وذاك يريده ان يترك منصبه مهما كلف ذلك من توترات بين السلطتين، وثالث يبرمج قطار التصعيد في كل محطة وصولا الى تصعيد اكبر يؤدي الى حل المجلس، ورابع يصب الزيت على النار في الخفاء املا في ان يكون البديل، وخامس يحاول مسك العصا من المنتصف بعدما مسكها من الطرف تحسبا لحلم يراوده بان يكون في منصب محجوز حتى الآن لاثنين غيره، وسادس يساير الليبيراليين تحسبا لمتغيرات، وسابع يساير الاسلاميين لانه يعتبرهم الحصان الاقوى في السباق، وثامن يتفرج ولا يريد القيام بأي مبادرة انتظارا لانهاك قوى الجميع، وتاسع يلتزم السلبية شعارا عملا بمقولة: laquo;ما تعرف قديري لين تجرب غيريraquo;، وعاشر يحلم بتعديلات جوهرية في صيغة الحكم تتيح له مركزا اكبر مما هو فيه حاليا.

ويا صاحب السمو الامير، لا نخالك وانت تقود بلادنا الى بر الامان بغائب عن السبب الحقيقي للازمات في دولة يفترض نظريا ان تكون قدوة للآخرين في الاستقرار والرخاء، بل نعلم انكم وجهتم رسائل ابوية واضحة المعاني في هذا الاتجاه عند لقائكم ابناء الاسرة من جهة واعضاء السلطتين من جهة اخرى. وكنا نأمل في ان يغير من تلقى الرسالة اجندته الخاصة الى اجندة اخرى اسمها laquo;الكويت اولاraquo;... وما زلنا في دائرة الامل.

ويا سمو الامير، فلتكن laquo;الكويت اولاraquo; محط الرعاية الدائمة، وليملك اقطاب السلطتين الجرأة امامكم ويكشفوا حقيقة اجنداتهم بعيدا عن الكلام المنمق والتعابير المبرمجة، فهذا واجب عليهم امام من كلفهم بالمسؤولية وهذا حق لمن كلفهم بالمسؤولية. فالحل يا صاحب السمو ليس بحل دستوري للمجلس كما يتمنى بعض الموترين، والحل ليس بترك الامور على ما هي عليه كما يتمنى ايضا بعض الموترين، انما الحل بحل الاجندات الخاصة لاقطاب كثر، والتعاهد امامكم بالعمل لخدمة الشأن العام مهما تعارض مع المصالح الخاصة سياسية كانت او وزارية او نيابية او تجارية او سلطوية او laquo;اسريةraquo;.

هو عهد جديد من رجالات الكويت فداء للكويت، ومن لا يستطيع الالتزام امامكم يا صاحب السمو... فليرحل.