احتج بعض الكتاب والمعلقين العرب على انحياز قناة quot;الجزيرةquot; القطرية اثناء تغطيتها للمواجهات بين قوات الجيش اللبناني وارهابيي جماعة quot;فتح الإسلامquot; في مخيم نهر البارد. البعض قال ان quot;الجزيرةquot; اقتحمت مخيم نهر البارد بحجة quot;نقلquot; معاناة الفلسطينيين هناك. وان الأمر كان في حقيقته اعطاء فرصة لمسلحي شاكر العبسي لنقل وجهات نظرهم واظهار انفسهم وكأنهم quot;ضحاياquot; في مقابل هجمة الجيش تلك. وقد استغل هؤلاء وجود طاقم quot;الجزيرةquot; الميداني كضيوف عندهم، وتعاملوا مع شاشتها كquot;صديقquot;، ليظهروا الجيش كquot;معتدٍquot; وانفسهم كquot;مقاتلين شرفاءquot; وquot;اصحاب قضاياquot;، وليس quot;مجموعة تكفيرية تمتهن الذبح والقتل العشوائي وتفجير النفسquot;.
ودور quot;الجزيرةquot; في المشهد اللبناني هنا يذكرنا بدورها اثناء دخول القوات الأميركية بغداد واللحظات السينمائية المشهورة تلك عند سقوط صنم الديكتاتور صدام حسين تحت بساطير العراقيين في 9/4/2003. الكل وقتها يتذكر كيف خفتت اصوات مراسلي القناة وغالبوا الدموع اثناء تعليقهم على المشهد، وهم على الهواء مباشرة.
كان ذلك بداية مشوار quot;الجزيرةquot; مع quot;الحالة العراقيةquot; والتغطية اليومية المنحازة ضد الحكومة والأغلبية لصالح القديم الصدامي/البعثي ومجموعات التفخيخ والتكفير المعتمدة اساساً على مجرمين وقتلة دوليين، تمررهم بعض دول الجوار لنحر المدنيين العراقيين جهاراً نهاراً. فشاهدنا منذ ذلك الحين شرائط تلكم المجموعات الإرهابية وهي تبث عبر quot;الجزيرةquot;، واصوات مسؤوليها وهي تلعلع من على منبرها. بينما كانت تهم quot;العمالةquot; وquot;التخوينquot; من نصيب رجالات العراق ومسؤوليه. حتى في البرامج التي تبثها القناة على اساس شعارها المعروف quot;الرأي والرأي الآخرquot; فإنها تكون quot;محسوبة بالليبرةquot;، حيث يأتي المعد بضيف يمثل quot;المقاومةquot; يكون قد اتفق معه مسبقاً، ليستعين به على هزيمة الطرف الآخر وفضحه وquot;مسح الأرض بهquot; عن طريق السباب والشتائم والصراخ الغوغائي. ومثال ذلك عشرات حلقات برامج quot;الجزيرةquot; الحوارية، وعلى رأسها برنامج (الأتجاه المعاكس) الذي يعده ويقدمه الإعلامي السوري فيصل القاسم. فهذا البرنامج وضع العراق في رأسه منذ البداية، معتمداً على عدة اسماء يقول انهم quot;كتابquot; وquot;مفكرونquot;، يحضرهم ليوسعوا المسؤولين العراقيين وقادة الأحزاب وكل من يناوئ اعمال quot;المقاومةquot; الإجرامية شتماً وقذفاً. وهنا لا انزه المسؤولين العراقيين ولا ادعو لعدم التعرض لهم بالنقد والمساءلة. بالتأكيد فيهم الكثير من الفاسدين المرتشين، كما فيهم الشرفاء المناضلين.
وآخر quot;مسطرةquot; من عينة برامج quot;الحزيرةquot; تلك كانت يوم الثلاثاء الماضي، حينما جلب القاسم المدعو فاضل الربيعي ليوسع القادة والمسؤولين العراقيين شتماً واهانة. ودخل القاسم، كعادته حينما يتعلق الموضوع بالشأن العراقي، طرفاً في القضية ليستعين بالربيعي على الكاتب الكردي فوزي اتروشي. والمراد كان كيل المزيد من الشتائم والكلام البذيء والتركيز على الكرد وقادتهم في العراق وتعريفهم كquot;خونةquot; وquot;انفصاليينquot; وquot;سراقquot; لثروات العراق. وكان واضحاً الحقد الدفين على الكرد وتخصيص كل من القائدين الكرديين مسعود البارزاني وجلال الطالباني بالشتائم والإهانات المكررة.
ولا اعرف هنا لماذا يرضى الكثير من المثقفين الكرد والعرب العراقيين بالمشاركة في برامج quot;الجزيرةquot; المطبوخة هذه، والتموقع امام ضيوف من شاكلة الربيعي ونوري المرادي وسمير عبيد وغبرهم من الغوغائيين الجدد.
وفي الحين الذي كان ضيف القاسم الربيعي يوسع القادة الكرد شتماً ويتهمهم بسرقة العراق ونهبه، ويعلن دعمه الواضح لأعمال الإرهاب التي يسميها بالمقاومة، ويدعو العراقيين لسحل مسؤولي الحكومة في الشوارع، كانت الفضائية العراقية الرسمية تبث حلقة خاصة مع الشيخ علي حاتم العلي سليمان أمير عشائر الدليم في العراق. وكان الرجل يتحدث عن تحالف عشائر الأنباء والمنطقة الغربية ضد تنظيم quot;القاعدةquot; الإرهابي، ويدعو الحكومة لإستخدام مزيد من الحزم مع المجرمين، قتلة الشعب العراقي.
قناة quot;الجزيرةquot; تتهم الحكومة العراقية بالمسؤولية عما يحدث في البلاد، وهي تصف قادة الأحزاب العراقية( الشيعية والكردية دائماً) بانهم هم من جاؤوا بالأميركان ليسقطوا نظام صدام حسين ويدخلوا العراق بالتالي في هذه الحالة. ويكرر مقدموا برامج quot;الجزيرةquot; معلومات عن quot;سقوط مئات الآلاف من القتلى المدنيينquot; منذ تحرير العراق من صدام وطغمته، وان هناك quot;اكثر من 5 مليون امراءة ثكلى وملايين الأيتام والمعاقين والمشردينquot;، والمسؤولية كلها تقع على quot;عاتق الجيش والشرطة والحكومة العراقيةquot;. لكنهم لاينطقون بالصواب وهو ان هؤلاء انما قتلوا وثكلوا وشردوا على يد المجموعات الإرهابية الظلامية التي تتقاطر من البلدان العربية وتتسرب من حدود جيران العراق بغية الإلتحاق بمجاميع القتلة في بغداد والوسط لقتل العراقيين الأبرياء. كل شخص يموت بمفخخة يقودها احد البهائم الإنتحاريين تلقي quot;الجزيرةquot; بالمسؤولية على عاتق الحكومة. كل طفل صغير أوامراءة معدمة تتقطع في إنفجار سوق شعبي، تقول quot;الجزيرةquot; ان الحكومة والمسؤولين العراقيين وقادة الأحزاب هم وراء ذلك في الأساس، لأنهم أتوا بالأميركان واسقطوا نظام صدام وكانوا السبب في دخول quot;القاعدةquot; البلاد واعمالها القتل والتفخيخ في نحور العراقيين( والتي هي هنا مقاومة مشروعة شرعاً وديناً!).
وموقف قناة quot;الجزيرةquot; هذا يشبه لحد كبير موقف معاوية بن ابي سفيان من حادثة مقتل الصحابي عمار بن ياسر في معركة صفين. فقد روي عن الاِمام الصادق أنّه قال : لمّا قتل عمّار بن ياسر ارتعدت فرائص خلق كثير ، وقالوا : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : عمّار تقتله الفئة الباغية، فدخل عمرو بن العاص على معاوية وقال : يا أمير المؤمنين قد هاج الناس واضطربوا ، قال : لماذا ؟ قال : قتل عمّار ، فماذا ؟ قال: أليس قال رسول الله صلى الله عليه وآله : تقتله الفئة الباغية ؟ فقال له معاوية : دحضت في قولك ، أنحن قتلناه ؟ إنّما قتله عليّ بن أبي طالب لمّا ألقاه بين رماحنا ، فاتصل ذلك بعليّ بن أبي طالب(ع) فقال : فإذاً رسول الله صلى الله عليه وآله هو الذي قتل حمزة لمّا ألقاه بين رماح المشركين. (راجع : الاحتجاج للطبرسي : ج 1 ص 181 ـ 182).
ويجهل المرء حقيقة موقف هذه القناة وهو يعلم بان الدولة التي تحتويها وتنفق عليها تحتضن اكبر قاعدة للجيش الأميركي في المنطقة. ولايسع المرء سوى ان يعيد ذلك إلى سياسة التحالف في السر والجعجعة في العلن، كما تفعل معظم الأنظمة العربية التوتاليتارية منذ عشرات السنين لسوق الدهماء والضحك عليهم. لكن الثابت هنا، والحال هذه، أن سياسة التحريض والتعبئة وشحن الدهماء هذه تفعل فعلاً قوياً وتتسبب في خسائر عظيمة للشعوب المتطلعة للحرية والديمقراطية، كما تقوّي الأنظمة الديكتاتورية وتعمل على تصدير خطاب الجماعات الإسلامية الإرهابية الناهضة والمنتعشة في العام العربي. وكذلك الخطاب عينه يساهم في زيادة معاناة العراقيين وتعثر المشروع التغييري في العراق وغيره، ومزيداً من البروباغندا وصب المياة في طاحونة الإرهابيين، وتصوير جرائمهم وكأنها quot;مقاومةquot; نيابة عن الأمة كلها في وجه quot;المشروع الأميركي الصليبي الحاقدquot;!.
التعليقات