أضحت هفوات وأخطاء رجال الهيئات حديث المجالس، وفاكهة السّمّار، ومادّة المتحدّثين، فرجل يموت هناك، وآخر يُذلّ هنا، وثالثة أخرى من النّساء ترمي بنفسها من أعلى شاهق في بناية مخافة quot;رجالquot; يطاردونها!!
وحيث أنّ كلّ هذه الوقائع قيد التّحقيق، ورهن الاستفسار والفحص، لابد للقلم أن يتوقّف عن إلقاء التُّهم جزافًا، ورمي الأقاويل في مهب الظّنون والتخرّصات، وللقلم أن يذكر أنّ ثمّة من يُطالب بإلغاء الهيئات، وهذا مطلب صعب، ولا ترتضيه شرائح متعدّدة من المجتمع!
ومُطالب آخر يُنادي بتحجيم دور الهيئات، وتقنين عملها، وإلزامها بالنّظام، ووجوب قبولها للنّقد خاصّة وأنّ منسوبيها يردّدون دائمًا بأنّهم quot;جهاز ضمن أجهزة الدّولة، يسري عليهم ما يسري على كلّ أجهزة الدّولة الأخرىquot;. ووفقًا لهذه القناعة quot;الهيئويّة، فإنّه لا مناص من نقدها مع ثابت الطمع في كامل قبولها، ولا محيد من تفنيد quot;تجاوزاتهاquot; مع وافر الأمن من همزات الطّعن في العقيدة، وغمزات النّقص في الإيمان من جرّاء ذاك النّقد أو هذا التّفنيد، وألا يُوصم من يكشف عورات الهيئة بأنّه يرمي إلى تضخيم أخطائها والتّركيز عليها دون باقي المرافق!!
وثالث يُطالب بدمج هذا الجهاز مع الأجهزة المُشابهة له في الهدف والأداء، وتحويله إلى quot;شرطة آدابquot;، وبذلك يتّسع ميدان عمله، ويتقوّى بالتّعاضد مع غيره..إلخ
كلّ هذه الآراء تُطرح وتُقال، ومن حقّ بعضنا على البعض أن نتناصح ونتشاور ونتقارب ونتعاون على البرّ والتّقوى، ونتحاشى عند الاختلاف فيما بيننا تفعيل quot;خاصيّةquot; الإثم والعدوان، ورمي النّاس والطّعن في عقائدهم وإسلامهم!!
في كتاب quot;فتاوى علماء البلد الحرامquot; جاءت في صفحة 922 رسالة على الشّكل الآتي: (من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الأخ المكرّم معالي الرئيس العام لهيئات الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر quot;وفّقه اللهquot;..
سلام الله عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأشفع لمعاليكم مع كتابي هذا الرّسالة التي كتبها إليّ المدعو/ ع.ع.إ المصري الجنسيّة المتضمّنة الإفادة عمّا حصل لزوجته من سوء المعاملة من بعض رجال الهيئة في جُدّة، وأرجو بعد الاطّلاع عليها، وصية الهيئة في جدّة وغيرها بالرّفق والأسلوب الحسن في إنكارهم للمنكر، ولا سيّما quot;كشف الوجه من المرأةquot;، لأنّ الله سبحانه يُعطي على الرّفق ما لا يُعطي على العنف، ولا يخفى أنّ كشف الوجه محل خلاف بين أهل العلم وشبهة، فالواجب الرّفق في إنكاره، والدّعوة إلى الحجاب بالأسلوب الحسن من دون حاجة إلى طلب الجواز أو الإقامة، أو إركابها السّيّارة إلى المكتب، ولا سيّما الغريبات من النّساء، فإنّهنّ أحقّ بالرّفق لغلبة الجهل عليهن، واعتيادهنّ الكشف في بلادهنّ إلا من رحمه الله..)!
هذه ملاحظة من المُفتي العام للسُّعوديّة الشّيخ عبدالعزيز بن باز، وهو رجل يشهد له الجميع بالصّلاح والغيرة، وها هو يكتب طالبًا من أعضاء الهيئات الرّفق وحسن الأسلوب، بعد شكوى جاءته من رجل مصري يقول إنّ الهيئة عاملته وزوجته معاملة سيّئة، وسحبت الجواز والإقامة منه...إلخ
من المعلوم أنّ هذه الملاحظة لو جاءت من أيّ كاتب لضاقت صدور الهيئة وأعضاؤها عن تحمّلها، ولطُعن في دين المُلاحظ، وأُشتكي إلى الجهات المُختصّة.. حسنًا، ماذا يقول أعضاء الهيئة والتّوجيه جاءهم، والنّقد وُجّه إليهم من أعلى السُّلطات الإسلاميّة في البلاد؟، خاصّة وأنّه ألمح ndash; رحمه الله ndash; إلى الخلاف في مسألة كشف الوجه، وعدم الحاجة إلى أخذ المُخالِفات للحجاب إلى مركز الهيئة.. وقد قال الشّيخ ابن تيمية: (لا يجوز حمل النّاس على قضيّة أُختلف فيها).
بعد كلّ هذا ألا يحقّ للمقال أن يرفع سؤالاً إلى أعضاء مجلس الشّورى مفاده: ( نشرت الصّحف أخبار عن رغبة أعضاء المجلس في استجواب وزير الثّقافة والإعلام عطفًا على كثرة ظهور المرأة في وسائل الإعلام، ألا يحقّ لنا وعلى نفس المقياس مطالبة مجلس الشّورى باستجواب أعضاء الهيئة عن حقيقة ما يحدث من وفّيات جرّاء تصرّفات ومداهمات أعضاء الهيئة خاصّة وأنّه ورد في الحديث: quot;لئن تهدم الكعبة حجرًا حجرًا أهون عند الله من أن يراق دم مسلمquot;، ألا يحقّ لنا ذلك.. أم أنّ السقيفة لا تقع إلا على الإدارات الضّعيفة؟!
والله من وراء القصد..

[email protected]