اعزل الإنقلابيين داخل حماس
العمل السياسي تحت تأثير الصدمة انتحاري. لأن الصدمة تؤدي غالباً إلى تعطيل التفكير المنطقي مطلقة العنان للدماغين الانفعالي والغريزي؛ والحال أن الفعل السياسي الجدير بهذا الاسم هو من اختصاص الدماغ الثالث، الدماغ المعرفي، الذي تكبّـله الانفعالات الطاغية. في الأزمات الكبرى يتجنب صاحب القرار السياسي أمرين. الأخطاء السياسية والأخطاء السايكولوجية. الأولى تغير ميزان القوة لصالح خصمه، والثانية تفقده تعاطف شعبه، أو الرأي العام العالمي حسب الحالات. كما عليه ان يركز على رهان أساسي: عزل خصمه داخل جمهوره. أحد المفاتيح الممكنة - وأهمها في نظري- لمحاولة الخروج من النفق المظلم، الذي أدخل إليه انقلابيو حماس الشعب الفلسطيني المهدد بالإقتتال والإنقسام، وخسران الوطن والدولة، هو عزل الإنقلابيين الأربعة داخل قيادة حماس وجمهورها وداخل الشارع الفلسطيني لتسهيل انشقاق حماس إلى جهاديين ينضمون للقاعدة، التي طالبت quot;بتمويلهم وتسليحهمquot; ومسالمين ينضمون للسلطة الوطنية الفلسطينية للبحث عن حل سياسي للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وباختصار شق حماس إلى دعاة فتنة ودعاة حوار.
تعرف ولا شك أن من قام بالإنقلاب ليس قادة حماس بل أقلية فيها لا يتجاوزون أربعة أشخاص أشباه نكرات. أشار الجنرال عمر سليمان، رئيس المخابرات المصرية العامة، :إلى حصول quot;انقلاب ناجح، داخل حماس بقيادة أربعة أشخاص على رأسهم المسؤول العسكري لكتائب القسام، أحمد الجعبري، (...) فيما أضطرت القيادة السياسية بقيادة خالد مشعل إلى اللحاق بهم بعد أن أصبح [الإنقلاب] أمراً واقعاً.(...) تعاون الجعبري سياسياً مع سعيد صيام وإعلامياً مع سامي أبو زهرة [الناطق باسم حماس] حيث شكل الثلاثة القوة السياسية الدافعة [للإنقلاب]فيما انضم إليهم محمود الزهار لاحقاً بدون التنسيق مع اسماعيل هنيه، كما يري الجنرال عمر سليمان شخصياًquot; (مراسل القدس العربي من عمان، 24/6/2007). هؤلاء الأربعة هم الذين رفضوا اتفاق مكة الذي حاول تدارك الفتنة الفلسطينية ومنع طهران من تأجيج نارها.
واضح إذن أن المغامرة الدموية المجنونة كانت من تدبير قائد كتائب القسام المتعصب دينياً والأمي سياسياً بمساعدة الثلاثة الأقصر نظراً، والأقل أهمية والأكثر أغتراراً بذهب وسيف المعز الإيراني، أحمدي نجاد. أمام هذه الوقائع التي لا تترك مجالاً للشك في عدم تواطؤ باقي قادة حماس مع الإنقلابيين quot;الذين اضطروا للحاق بهمquot; بشهادة الجنرال عمر سليمان الموثوقة، من الخطأ السياسي والسيكولوجي معاً نسبة الإنقلاب إلى كل قيادة حماس وكل قواعد وجمهور حماس، وهم الأغلبية الساحقة في غزة ويمثلون قطاعاً عريضاً في الضفة وبين فلسطيني الشتات. وضع حماس في سلة واحدة مدان أخلاقياً فالوقائع تكذبه، ووخيم العواقب سياسياً، لأن نتيجته قد تكون دفع حماس دفعاً، وانفعالات قادتها أقوى عادة من تفكيرهم، إلى التماهي مع الإنقلابيين وشعارهم، quot;أنا الغريق فما خوفي من البللquot;، والحال أن مطلوبك، أبو مازن، هو تسريع الإصطفاف داخلهم لتسريع إنشقاقهم.
من الخطأ السياسي والسيكولوجي معاً رفض الحوار مع قيادة حماس التي إلتحقت بالإنقلاب quot;مضطرةquot; خاصة وأن من دعا لهذا الحوار بين الفلسطينيين هو مصر ذات التأثير الكبير في الوضع السياسي الفلسطيني. شروطك لنجاح الحوار تطرحها على مائدة الحوار لمساعدة عقلاء حماس على الإنفصال عن سفهائها والإلتحاق بفصائل الحركة الوطنية الفلسطينية المتمسكة بمنظمة التحرير الفلسطينية إطاراً شرعياً وحيداً، قبل ظهور الدولة الفلسطينية، للفعل السياسي والدبلوماسي الفلسطيني. جنرالات الأجهزة الأمنية الفلسطينية فروا بجلودهم من الإنقلابيين فكيف تطالب قادة حماس في غزة، كاسماعيل هنيه ومستشاره السياسي د. أحمد يونس الذي أدان قبل الإنقلاب إطلاق كتائب القسام لصواريخ القسام الفلكلورية لدفع الجيش الإسرائيلي للرد عليها كالعادة بعنف لإيقاع أكبر الخسائر بين المدنيين الفلسطينيين،بالتصدي للإنقلابيين؟ هل ليكون مصيرهم مماثلاً لمصير قائد كتائب الأقصى الذي عذبه الإنقلابيون ثم رموا به من علو 20 طابق ! أبو مازن إذا أردت أن تـُطاع فسَـل ما يستطاع، كما قال عقلاء العرب.
من الخطأ السياسي والسيكولوجي معاً قبول الهدية المسمومة التي قدمها لك أيهود أولمرت، في قمة شرم الشيخ، بتحرير 250 أسيراً من فتح حصراً. والحال أن النية الخفية وراءها هي مزيد إضعافك بتقديمك لشعبك كرئيس لفتح وليس لكل الشعب الفلسطيني، وخاصة لدق إسفين بين فتح وعقلاء حماس، وبين الضفة الغربية وغزة لترسيخ انفصالهما داخل النفوس، وداخل الرؤوس قبل أن يتجسد كواقع لا رجعة فيه. المطلوب رفض الهدية إذا لم يكن الأسرى من جميع الفصائل وخاصة من حماس حتى لا يشعر هؤلاء أنهم متركون لمصيرهم فيرتمون في أحضان الإنقلابيين.والمطلوب أيضاً من أسرى فتح وقائدهم مروان البرغوثي رفض هذا العرض الإسرائيلي المفخخ. ألم يوقـّع جميع الأسرى بمن فيهم أسرى الجهاد الإسلامي وحماس على quot;وثيقة الأسرىquot;، التي حاولت قطع الطريق على الفتنة ومهدت لإتفاق مكة؟ وإذا أصر أولمرت على رفض ضم الأسرى الآخرين لقائمة المرشحين لفك الأسر، فليعلم جمهور حماس والشارع الفلسطيني بأنها مناورة إسرائيلية مفضوحة، لا علاقة لها بفتح ورئيس فتح.
لو كانت الحكومة الإسرائيلية يهمها تعزيز مكانتك في شعبك لحررت الأسرى قبل الإنتخابات التي فازت فيها حماس. هذه الانتخابات التي كانت الحكومة الإسرائيلية فيها هي الناخب الأكبر لحماس. الأخصائيون الإسرائيليون في الإتصال، الذين درسوا ردود فعل الشارع الفلسطيني الشبيهة بردود فعل كلاب الفزيولوجي الروسي بافلوف الشهيرة التي كان لعابها يسيل لمجرد دق جرس تقديم وجبة اللحم حتى ولو لم تقدم إليها الوجبة، وهكذا تبارى وزراء إسرائيل في التصريحات النارية ضد حماس وهم يعون أنها تماثل دقات الجرس لعشرات ألوف الناخبين ليصوتوا لحماس. وكل اعتقال لأحد مرشحيها كان حثاً غير مباشر على انتخابه !.
أبو مازن لا تقبل أية مبادرة إسرائيلية هدفها إظهارك أمام شعبك كمن ينفذ أجندة غير وطنية، فهذه أفضل وصفة لإعطاء الشرعية لإنقلابيي حماس وقصم ظهر الوحدة الوطنية الفلسطينية التي هي خيط الهداية للخروج من النفق المظلم الذي زجّ فيه قائد كتائب القسام وشركاؤه الثلاثة الأمة الفلسطينية وقضيتها.
إذا كان أولمرت يريد حقاً دعمك فليقدم لك انجازاً سياسياً حقيقياً واحداً كفيلاً بعزل الإنقلابيين تنظيمياً وشعبياً هو إلغاء الشرط التعجيزي في خارطة الطريق، وقف العنف وتقويض بنية الإرهاب، للإنتقال مباشرة إلى التفاوض على التسوية الدائمة على: المستوطنات والحدود والقدس الشرقية واللاجئين. وهو أكبر الظن لن يفعل لأن أجندته الحقيقية ليس فيها تعزيز موقفك، وإنما تعميق الشرخ الذي أحدثه أنقلابيو حماس في الحركة الوطنية الفلسطينية بتحويل غزة إلى إمارة محاربين لشعبهم أولاً.
التعليقات