في محاولة متكررة عبر الزمان تحاول بعض العقول المتحجرة إن تحدد العقل العربي وتقييده، وتمنعه من المتابعة والبحث وأعمال العقل، وتسعى الى أبقاء العقل مقيدا ليس له أن يبحث أو ينقب عن الخفايا والزوايا التي أريد لها إن تبقى مستترة، أويفحص تلك الروايات والأحاديث التي سجلتها السلطات لصالحها في زمن معين، وتحاول تلك العقول إن تبعد المفكرين والباحثين عن تقليب تلك القضايا والقصص التي يتم وضعها في قوالب القداسة أو الخروج عن الحدود التي تم تقييدها وتحديدها للبشر كخطوط حمراء في عدم تجاوزها.
وفي محاولة متكررة عبر الأزمنة والأمكنة تحاول بعض العقول التي تدعي المعرفة بالدين والتاريخ إن تفرض سطوتها وقوتها بالسيف تارة وبالخنجر وطلقات المسدسات تارة أخرى، تعبيرا عن عجزها وأفلاسها في مواجهة الكلمة والحقيقة ، وحين لاتجد منفذا لمواجهة المفكر أو الباحث، فأن هذه العقول تلجأ غالبا الى رمي الآخر بالكفر مستغلة سيطرتها على العقل العربي الفارغ الا من الكلمات الرنانة والعاطفية الجياشة ، واستغلال الظاهرة الصوتية التي أتسم بها العرب في تقديس رجل الدين الى درجة التأليه والعبادة ، وعدم الاعتقاد بأرتكابه الخطأ والخطايا، وانه لايصدر منه الا اليقين، ليصدر احكامه الباطلة والظالمة بحق المفكر والباحث والمؤرخ بتكفيره وأعتباره كافرا خارجا من دين الأسلام، وهو يعرف حق اليقين أن لاخروج من هذا الدين الا بالردة.
وسعت جهات لم تستطع اللحاق بركب العالم المتطور وليس لها بالمعرفة والعلم والحقائق الدامغة الى محاربة المفكر والباحث سيد محمود القمني المتسلح بالكلمة والبحث عن الحقيقة، سعت الى محاربته برميه بالألحاد والكفر والردة.
وتعتبر تلك الفتاوى التي ترمي المفكر بالردة دعوات صريحة للقتل تضع مطلقها أمام المسؤولية القانونية في مصاف التحريض على الفعل، والمشاركة الفعالة في الفعل الجرمي اذا وقع أي مكروه على حياة أو شخص المفكر والباحث سيد محمود القمني، ولايشترط فقط إن تقوم مصر بتحمل مسؤوليتها في ذلك، أن الأمر اليوم يقع على جميع البلدان المتمدنة التي تحترم الإنسان مهما كان التزامها الديني أو السياسي، ويضع المثقفين والباحثين الى موقف أنساني يتناسب مع تطور الحياة الإنسانية وموجبات البحث العلمي الرصين، ولذلك لابد من تشريع دولي يلاحق تلك العقول المتحجرة التي تعطي لنفسها الحق في أصدار الأوامر بقتل البشر.
وعقوبة المتحول من الدين الإسلامي الى دين آخر هي القتل لعجز في المقدرة على الأقناع، ولأفلاس في أيجاد طريقة لمناقشة ودحر الأفكار التي يطرحها الباحث، وهي على الأغلب لاتتعلق بالذات الالهية ولا بالمقدسات، وانما تبحث في الحقائق التي ينبغي إن تكون وفقا لحقيقتها لاتلبسها غير ثيابها ولاتصبغها الوان تبرقعها.
والدعوة الى القتل وأن كانت تصدر من جهات عرفها الشارع العربي دوما بتمسكها العقلي الجامد، والتخوف من البحث العلمي الجاد، وعدم القدرة في التصدي لتلك البحوث والدراسات، ومحاولة صد طرق البحث والتحليل التي لجأت اليها الأديان والأمم في بحوثها وتحليلاتها، ولعلة متأصلة في عقول تلك الجهات لجأت الى التحريض على ارتكاب جرائم يندى لها الجبين، راح ضحيتها علماء و مفكرين وباحثين جادين، كان فيها القتلة من الرعاع ومن الذي امتهنوا الجريمة وممن لاعلاقة للاديان بهم، وخسرت الأمة فوق خسارتها.
والمتمعن في أطلاق الفتاوى التي تصنف البحث والتحليل الى حلال وحرام، وتصنف الأعمال الى مباح ومحرم، وتقسم الناس الى مرتد وباق على الأسلام، انما تصدر من جهات لم يخولها لاالله سبحانه وتعالى ولا رسله ولا الدولة أصلا، وأنما وجدوا انفسهعم سارحين في غيهم لايردعهم رادع ولايسألهم أحد عن جرائم التحريض التي يطلقونها وتنتج أثرها.
وحيث وجد هؤلاء وهم يطلقون احكامهم القاتلة بحق الاخرين دون إن تتخذ بحقهم المنظومة الدولية أو حتى سلطاتهم الأجراءات القانونية، بزعم أنها دول أسلامية يتحدد دينها في نصوص الدساتير التي تلزم عملها القانوني، غير إن هذه الدول نفسها تخرق ليس فقط حقوق الإنسان ولا نصوصها الدستورية التي تزعم التزامها بحرية العقيدة والفكر، وليس فقط في حماية المواطن، وانما حتى في حق المساواة وفي المواطنة حيث يصبح العالم والباحث والمفكر الذي يعطي تحت سطوة رجل الدين الذي يأخذ، فيكون العالم مجني عليه والمفتي أحد الجناة.
وحيث أن انفراد اشخاص بأصدار تلك الحكام والفتاوى يعتبر تجاوزا على اختصاص القضاء، كما أن الأحكام القضائية في النظام الإسلامي إنما تُبنى على الظاهر من الأعمال أو الأقوال، لا على الباطن الذي انطوت عليه القلوب أو أسرَّته الضمائر.
وهكذا، فإننا لا نجد حتى في النصوص المتعلقة بالردة في آيات القرآن الكريم تقديرًا لعقوبة دنيوية للمرتد، وإنما نجد فيها تهديدًا متكررًا، ووعيدًا شديدًا بالعذاب الأخروي. ولا شك في أن مثل هذا الوعيد لا يرد إلا في شأن معصية لا يُستهان بها. يكفي أن الله سبحانه وتعالى قد وعد المؤمنين بمغفرة الذنوب جميعا، في الوقت الذي توعد فيه من كفروا بعد إيمانهم، ثم ازدادوا كفرًا بأنه لن يغفرَ لهم ولن يهديهم سبيلاً. فالردة في حكم القرآن الكريم معصية خطيرة الشأن وإن لم تُفرض لها آياته عقوبة دنيوية، ووفق كل ما ذكر من اين يستمد هؤلاء صفة الحاكم بأمر الله أو أمير المؤمنين في ظل وجود دول ودستور وقوانين تمنح الحقوق ونحدد الواجبات ويتساوى تحت ظلها الجميع، وتحرص على توفير حرية الفكر والرأي والمعتقد.
وإذا كان الفعل الذي يقضي بتحريض الناس من ممسوحي العقل والضمير الى ارتكاب الجريمة في قتل الإنسان، دون تحقيق أو محاكمة، أو حتى دون وجود تلك الحقائق التي تؤكد فعل الردة، بفتوى تبيح للناس فعل إجرامي في تنفيذ القتل بأي صورة، فأنه يقع ضمن الأفعال الإرهابية التي ترهب الإنسان في كل زمان ومكان.
وسيد محمود القمني أحد الكتاب والمفكرين التنويريين العرب، أسست كتاباته في قراءة التاريخ الاسلامي لمرحلة جديدة وهامة من تاريخ الفكر العربي المعاصر، أذ تمكن وعبر العديد من كتبه، من كشف المستور والمسكوت عنه في التاريخ الاسلامي او الذي يراد له ان يبقى كما هو مقدس لايمس ولا ينتقد.
ولهذا فأن المنهج الذي يعتمده القمني واضحا وصريحا لايساهم في ابقاء المستور أو المراد تغطيته من أحداث التاريخ الأسلامي والعربي، لاينسجم مع ما تريده بعض العقول، فأن المشكلة تكمن في تلك العقول التي بدت لاتنسجم مع الزمن والتطور، لأن المنهج الذي يعتمده القمني في الكتابة التاريخية هو المنهج البحثي العلمي المطلوب، وهذا المنهج لايتعارض مع الحقيقة التي تؤكد عليها كل الديانات، ومن اللافت للنظر أن يقدم المتسلطين على خناق الدين على تحريف القصد العام ليوجهوا الامور باتجاه مغاير للحقيقة، وهي طريقة سبق إن تم نجاحها في ابادة العقول العلمية واغتيال الطاقات والكفاءات المتعارضة مع مناهج التحريف والتزوير.
ولهذا فأن نظرة القمني تكمن في أن قراءة الدين من خلال التحليل الأجتماعي والتأريخي بصورة مكثفة يؤدي الي أضعاف مكوّن أساسي أو بعد جوهري في الدين وهو البعد الماورائي أو الميتافيزيقي والذي بدونه لا يصبح الدين دينا.
ويقول نحن نقرأ الدين ونتعامل معه منذ قرون بالمنطق الماورائي فهل أذا فتحنا مساحة بالمنهج التاريخي نصبح كمن يهدم الدين؟ نحن ندرس ما يمكن أن يدخل في أطار المنهج العلمي. طالما بقي الأسلام في ساحة الأعتقاد وحده يظل في مساحة الرأي والرأي الاخر مختلف حوله
ولد سيد القمنى في محافظة quot;بني سويف بتاريخ 13/3/ 1947م، وحاصل على ماجستير في الفلسفة من جامعة عين شمس، ثم حصل على درجة الدكتوراه، وله العشرات من الكتب والمؤلفات القيمة والتي نالت اعجاب القراء والنقاد والمتابعين، كما أثارت حنق المتحجرين
، ومن مميزات خطاب سيد محمود القمني انه يخاطب العقل، ويبحث بجدارة وبعقلية البحث الجاد، وأذ تتواصل البيانات التي تصدرها محاجر تلك العقول التي تعودت على اتخاذ حماية الدين والمقدسات ستارا للجرائم الخسيسة بحق العلماء، فأن العصر لم يزل يتخطى الأمم التي تقودها وتستفحل فيها مثل تلك العقليات، فيتركها تراوح في أماكنها أن لم تتراجع الى الوراء، في زمن تركض فيه الأمم نحو التمدن والحضارة والتطور وأحترام حقوق الإنسان.
لم يزل سيد محمود القمني يواجه في زماننا العربي محنة تلك العقول التي تريد اعادة مفاهيم عصور الجاهلية أو زمان أمير المؤمنين الذي يرتدي عوينات عازلة وهو يركب الحصان لاتجعله يشاهد الزمن الذي نحيا فيه.
- آخر تحديث :
التعليقات