كنت وما زلت من مشجعى نادى الزمالك، وأرجو ألا يغضب هذا بعض قرائى الأهلوية، فالخلاف فى quot;الكورةquot; لا يفسد للود قضية، وأرجو من الله أن نستطيع حل كل خلافاتنا العقائدية والسياسية بالطريقة الكروية، بدون قتل وبدون ذبح على الهوية.
وعندما كنت صبيا نشأ فى حوارى القاهرة القديمة كنا نلعب ونتمازح: من الأهلاوى؟ ومن الزمالكاوى؟ وكان الإنتماء الكروى أهم إنتماء عقائدى، وكان حزبى الأهلى والزمالك هما الحزبان الوحيدان اللذان إستحوذا كل إهتماماتنا، حتى أننى أذكر مشهد من مسرحية أصل وصورة وفيه يمثل حسن مصطفى دور رئيس تحرير جريدة من الجرائد الصفراء، وكان محمد عوض يلعب دور صحفى شاب، وكان عليه أن يذهب لمطار القاهرة ليكون فى إستقبال مهراجا هندى شهيروثرى ويأخذ معه حديثا صحفيا، وكان رئيس التحرير يعطى تعليماته للمراسل الشاب محمد عوض:
- عاوزك تسأله أسئلة مهمة.... أسئلة صعبة
- أيوة أسئلة زى إيه ياأفندم؟
- أهلاوى ولا زمالكاوى؟
(حتى المهراجا الهندى كان ولا بد أن ينتمى إلى أى من الحزيين الكبيرين الأهلى والزمالك)، ومازال الأهلى والزمالك هما الحزبان الوحيدان فى مصر بتواجدهما فى الشارع المصرى.
....
ولم أذكر أبدا أننا تعاركنا عراكا يدويا أو عنيفا لحل مشاكل خلافاتنا الكروية، وكان مشاحناتنا الكلامية هى أقصى ما كنا نصل إليه، وبما أننى كنت صبيا زمالكاويا مخلصا، فقد كانت لى عادة أنه قبل موعد مباراة الزمالك مع خصمه الودود الأهلى كنت أذهب لصلاة الجمعة وكنت أدعو الله بكل إخلاص ومن كل قلبى أن أن يفوز الزمالك على الأهلى، وكان لى صديق عزيز لى من صبية الحارة وكان يصلى معى وكنت أعتز بصداقته برغم أنه كان أهلاويا وكنت دائما أغيظه قائلا: quot; إنت ياعمر ما فيكش أى عيب إلا إنك أهلاوى quot; وكنت دائما أحاول أن أجعله يغير إنتماؤه من الأهلى إلى الزمالك ولكن يبدو أن هذا النوع من الإنتماء يجرى فى الدم.
المهم بعد صلاة الجمعة كنا نذهب لمشاهدة المباراة وإذا فاز الزمالك فى المباراة كنت أقول أن الله قد إستجاب لدعائى، وإذا فاز الأهلى كنت أقول أن الله لم يستجب لدعائى لأننى فعلت شيئا سيئا وكنت أبحث و (أدعبس) عن أى شئ سئ فعلته وسبب عقابى بهزيمة الزمالك بالرغم من دعائى المخلص، وكنت أعرف أن صديقى عمر (الأهلاوى) عندما يصلى بجانبى يقوم أيضا بالدعاء لفوز الأهلى وكان هذا يدفعنى إلى التسائل: هل من الممكن أن يكون لدعائنا أى دخل فى نتيجة المباراة، أم أن نتيجة المباراة تتوقف على عوامل كثيرة أهمها كفاءة وإتقان اللعب من جانب اللاعبين ومدى إحكام خطة المدرب وجزء لا يستهان به من الحظ أحيانا. وكنا صبية نؤمن بتدخل القضاء والقدر فى كل أمور حياتنا بما فيها مباراة الأهلى والزمالك.
....
وايضا عندما كنت صبيا وأصاب بالحمى، كانت أمى (رحمها الله) تضع راحتها على جبهتى وتقرأ بعض الأدعية والآيات القرآنية، وكان هذا يعطينى الإحساس بالراحة والحب وأننى لست وحيدا مع المرض، وكانت أسرتى لا تكتفى بقراءة القرآن لشفائى، ولكن كنا نذهب إلى الطبيب وتعاطى الأدوية التى يصفها.
....
ومؤخرا كنت فى أجازة بالقاهرة، وأخبرنى صديق أنه قد وضع إعلانا فى الجريدة لبيع قطعة أرض خارج القاهرة، وحكى لى عن أغرب مكالمة تليفونية جاءته من سيدة للإستفسار عن الأرض، وكانت كما يلى:
...
- إنتم عاملين إعلان عن بيع قطعة أرض.
- أيوة يافندم أى خدمة.
- أنا بأعالج الناس بالقرآن الكريم.
- أيوه يأفندم وده علاقته إيه بالأرض؟
- أنا ممكن بإستخدام القرآن الكريم، وبمشيئة الله أن أساعدكم فى بيع الأرض مقابل مبلغ زهيد!!
- طيب حضرتك مين؟
- أنا الحاجة نادية.. متخصصة فى العلاج بالقرآن!!
- طيب لما نحتاج حضرتك نبقى نتصل بيك.
...
ولم يصدق صديقى ما سمعته إذنه، والمثير للسخرية والشفقة والإمتعاض أن السيدة تتكلم وكأنها أصبحت دكتورة متخصصة، فمثلا يتقدم لك دكتور ويقول: أنه متخصص فى العلاج بالذرة أو متخصص فى العلاج بالدواء الكيماوى أو بأشعة الليزر، ولكن الحاجة نادية تتقدم لك وتقول لك بمنتهى الثقة:
أنا الحاجة نادية متخصصة فى العلاج بالقرآن!!
وليس هذا فحسب فقد إمتد نشاطها إلى السمسرة العقارية بإسم القرآن الكريم، والقرآن والله سبحانه تعالى منها براء.
...
وعودة أخرى إلى موضوع الأهلى والزمالك، فبعد مباراة الزمالك والأهلى الأخيرة والتى فاز الأهلى فيها بأربعة أهداف مقابل ثلاثة أهداف للزمالك، وكان الزمالك متقدما بثلاثة أهداف مقابل هدفين للأهلى عندما سجل لاعب الأهلى أسامة حسنى هدفين متتاليين فى أقل من ثلاث دقائق، مما دفع لاعب ومدرب الزمالك السابق فاروق جعفر أن يصرح فى برنامج تليفزيونى بأن لاعب الأهلى أسامة حسنى قد تمكن من تحقيق الفوز للأهلى لأنه يقرأ ويتلو القرآن بإنتظام حتى أنه سجل لنفسه شريطا للقرآن المرتل!!
وقد هزم الأهلى مرتين متتاليتين فى نهاية الموسم من الزمالك ومن الإسماعيلى فى وجود نفس اللاعب مرتل القرآن الكريم (أسامة حسنى)، ولم يشفع له القرآن المرتل، لأن القرآن الكريم هو كتاب هداية ورسالة وليس كتاب كورة أو علاج أو سمسرة عقارية.
....
وأنا حتى اليوم أدعو الله أن يوفق بناتى فى حياتهن (ولكن هذا لا يعفيهن من الجدية فى دراستهن)، وأدعو الله أن يشفى شقيقى عندما يمرض (ولكن هذا لا يعفينى من أن أخذه للطبيب وأن يحرص على تناول العلاج فى مواعيده)، وأدعو الله يخفف أحزانى (وهذا لا يعفينى من أن أحاول أن أزيل أسباب الحزن).
....
وإستغلال البسطاء بأسم القرآن الكريم هى جريمة نصب وشعوذة تعاقب عليها كل القوانين، ناهيك عن عقاب الله سبحانه وتعالى يوم الحساب.
........
[email protected]
أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلافتسبب ملاحقة قانونية
التعليقات