لا أدري كلّما قرأت في كتب الفتاوى أشعر بالإحباط والقنوط، ويستولي عليّ جيش من اليأس والخيبة.
كلّ ورقة في هذه الكتب تباعد المسافة بيني وبين ديني، وتقلّص المساحة بين اليأس وبيني!
كلّ شيء حرام، كلّ أمرٍ لا يجوز، كلّ فعل من الكبائر..!!
هنا في بريطانيا أكثر النّاس حولنا من quot;الذمّيينquot;، كما هي تسمية الفقهاء لهم، ومع الزّمان وطول المكان ترعرعت بيننا المحبة، ونمت على سيقان معرفتنا الأُلفة، مدركين أنّ التّبسّم في وجه الأخ صدقة، وأنّ الله كرّم بني آدم، والأخوّة الإنسانيّة حافلة عامرة في الدّين الإسلامي من خلال خطاب القرآن الدّائم القائل (يا أيّها الإنسان)، بقطع النّظر عن دينه ولونه وجنسيته وقبيلته.
في غمرة هذه النّشوة الإسلاميّة التي أحفل بها، وأتمرّغ في أفيائها، فتحت كتاب quot;فتاوى علماء البلد الحرامquot; لأجد السُّؤال التّالي: (ما حكم قول: quot;أخيquot; لغير المسلم؟ وكذلك قول: quot;صديق ورفيقquot;؟ وحكم الضَّحك إلى الكفّار لطلب المودّة؟ فأجاب أحد أعضاء هيئة كبار العلماء بقوله: quot;أما قول: quot; يا أخيquot; لغير المسلم حرام، ولا يجوز إلّا أن يكون أخًا من النّسب أو الرِّضاع، وذلك لأنّه إذا انتفت أخوّة النّسب والرّضاع لم يبقَ إلّا أخوّة الدِّين، والكافر ليس أخًا للمؤمن في دينه، وتذكّر قول نبيّ الله تعالى نوح: quot;ربِّ إن ابني من أهلي وإنّ وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين، قال يا نوح إنّه ليس من أهلكquot;.. سورة هود آية 45.
وأما قول: quot;صديق رفيقquot; ونحوهما فإن كانت كلمة عابرة يقصد بها نداء من جهل اسمه منهم، فهذا لا بأس به، وإن قصد بها معناها تودّدًا وتقربًّا منهم فقد قال الله تعالى: quot;لا تجد قومًا يؤمنون بالله واليوم الآخر يوآدون من حادّ الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو إخوانهم أو عشيرتهمquot;، سورة المجادلة آية 22.
فكلّ كلمات التّلطّف التي يقصد بها الموادّة لا يجوز للمؤمن أن يخاطب بها أحدًا من الكفَّار.
وكذلك الضَّحك إليهم لطلب الموادّة بينهم كما علمت من الآية الكريمة) انتهى.
حقًّا إنّ المرء ليشعر بالإحباط إزاء واجبات الإنسانيّة ولوازم الفتوى وأحكام المفتي!
حقًّا إنّني محبط من هذه الفتوى التي مرّت بالآيات ولكنّها تعامت أن تقرأ الآية الكريمة: quot; لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدّين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتُقسطوا إليهم، إنّ الله يحبّ المقسطينquot; آية 8 سورة الممتحنة.
هنا في بريطانيا عندما تعبس في الوجوه، يسألك النّاس بلهفة صفراء، وتعاطف أخضر، قائلين: (لماذا أنت غاضب يا صديقي)، وإن أبديت الحزن قالوا: (ما بك حزين؟) فماذا أقول لهم هنا؟
هل أقول إنّ أهل العلم عندنا أوصوني بعدم الضحك لكم، وإظهار التّحقير لشأنكم، وأخذكم إلى أضيق الطُّرقات؟!
هل أقول لهم إنّ العلماء عندنا لا يعترفون بالتّسامح والابتسامة، مع أنّ ديننا الحنيف شريعة سمحاء، وديانة محبّة وصفاء؟
حقًّا إنّي حزين، حزين على حالي، وحزين على تلك الفتاوى التي تقصم ظهري، وحزين على تاريخ طويل أجرجره من العداوة والبغضاء لألقيه في وجوه الذين يخالفوني لونًا وديانة وشكلاً واتّجاهاً! وإذا كنت كذلك من مظهر العبوس في وجهه وتضييق الطّريق عليه، فكيف إذًا سأدعوه إلى الإسلام، وكيف سيقبل منّي وأنا على هذا الحال من quot;اضطهادquot; آدميّته..؟!
إنّي حزين وكفى، ولا أقول إلّا: اللّهم اغفر لي ولقومي واجعلنا من الفرحين.
[email protected]
أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلافتسبب ملاحقة قانونية
التعليقات