quot;اثبت التاريخ أن كل شيء سوف يتم نسيانه خلال ستة اشهر، و عندها ستعود الأسواق إلى وضعها الطبيعيquot; اندرياس اميركامن ndash; كوميرزبنك

حتى أشهر قليلة مضت، كان حاكم الاحتياطي الفيدرالي ( البنك المركزي ) الأمريكي، quot;بان بارنا نكيquot; يصرح بان القروض العقارية الممنوحة للإفراد الذين لا يتمتعون بتاريخ ائتماني يؤكد جدارتهم للحصول على ذلك ، لا تزيد عن 50 مليار دولار، مما يعني أن عدم استخلاصها لا يمكن أن يؤدي إلى أزمة. لكن إحداث الأيام الأخيرة اثبت انه كان مخطئا.
لقد ساعدت سياسة سعر الفائدة المنخفض إلى زيادة كبيرة في هذه القروض، إذ خفض الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سعر الفائدة على الصناديق الفدرالية (قروض ليوم واحد فيما بين البنوك) إلى 1% بعد انهيار أسهم شركات التقنية في 2003. و شجع هذا على الإقراض المفرط و السيولة العالية التي غمرت الاقتصاد الأمريكي و العالمي على حد سواء، و التي كان لا بد لها أن تشهد عملية تصحيحية آجلا أم عاجلا.
بدأت العملية التصحيحية في الصناديق الأمريكية التي تستثمر في الرهن العقاري عالي الخطورة، لتشمل البنوك بعد ذلك. ثم انتقلت الأزمة إلى العالمية نتيجة بيع البنوك الأمريكية لهذه القروض إلى مؤسسات أجنبية. لهذا تبين الآن أن المبالغ المشكوك في تحصيلها تفوق 900 مليار دولار، مما يتجاوز الرقم الذي قدمه السيد برنانكي بكثير. لعل الصعوبات الأكثر أصابت القطاع المصرفي الأوروبي. تضررت البنوك في ألمانيا، التي تقوم بإصدار أوراق تجارية، و تخصص الأموال التي تجمعها بهذه الطريقة لشراء أسهم في الأسواق المالية بما فيها الأمريكية، نتيجة الأزمة. كما تورط بنك quot;بي-أن-بي باريباquot; الفرنسي الذي اضطر إلى تجميد ثلاثة صناديق استثمارية كان يديرها.
و يفسر هذا الصعوبات التي تعرضت لها البنوك الأوروبية، عند محاولتها تجديد مبلغ 18،8 مليار دولار من الأوراق النقدية قصيرة الأجل، يوم الخميس 14 أغسطس الماضي، مما دفع بالبنك المركزي الأوروبي لضخ سيولة فاقت قيمتها ما قام به الاحتياطي الأمريكي.
و تضررت أسواق الدول النامية أيضا، في دول مثل اندونيسيا و الخليج، حيث قامت صناديق الاستثمار الأجنبية بعمليات تسييل، أدت إلى تراجع القيمة السوقية لأسواق رأس المال و تراجع مؤشر أسعار الأسهم. كما سوف تتاثر بعض المصارف الخليجية التي تستدين بإصدار الصكوك في الأسواق العالمية، إذ من المحتمل إرجاء العمليات المقررة للإصدار نتيجة الصعوبات الحالية. وسوف يقع الضرر الأكبر على عدد قليل من الشركات العربية التي تستثمر في القطاع العقاري الأمريكي، مثل شركة اعمار الامراتية. و تبقى الانعكاسات السلبية على المؤسسات المالية العربية الأخرى محدودة نتيجة الحماية التي تتمتع بها، و قلة انفتاحها على الأسواق العالمية.
سوف توفر الأزمة الحالية الذريعة للتشكيك في أهمية تحرير القطاع المالي و المنافسة الأجنبية. و سترتفع الأصوات المطالبة بتقييد عمليات دخول صناديق الاستثمار العالمية إلى أسواق رأس المال العربية. لكن هذه المخاطر مبالغ فيها، إذ أن عالمية الأزمة تعني أيضا أن المخاطر موزعة على عدد كبير من المؤسسات المالية و الأسواق، مما سوف يساعد على السيطرة عليها و بخسائر محدودة نسبيا.
مع وجوب الحذر، لا نرى ما يؤكد تصريح نائب رئيس صندوق النقد الدولي، السيد جون ليبسكاي، لصحيفة quot;فاينانشيال تايمزquot; بان الاضطرابات التي شهدتها الأسواق العالمية في الفترة الأخيرة ستضر بالنمو الاقتصادي العالمي، أي بإحداث ركود اقتصادي في أمريكا تتسرب عدواه إلى مختلف مناطق العالم، للاعتبارات التالية:

أولا، كما ورد في مقال للسيد محمد العريان، رئيس وقف جامعة quot;هارفاردquot; في عدد 22-27 أغسطس، 2007 لمجلة quot; نيوزويكquot;، فان المصاعب الحالية للائتمان العقاري عالي الخطورة في أمريكا تأتي نتيجة التطورات التي عرفتها أسواق المال، و بالأساس تطوير أدوات جديدة لــ quot; المشتقات المالية quot;، و هي منجزات سوف تنعكس إيجابا على المدى الطويل بتخفيض تكلفة الوساطة المالية و توزيع أفضل المخاطر و تحسين آليات عمل الأسواق.

ثانيا، لا يوجد نقص في السيولة في العالم، بل تعيش الأسواق وفرة مما يحد من درجة تدخل البنوك المركزية، و هذا خلافا للازمتين السابقتين لأسواق رأس المال في أمريكا في 1987 و 1998، عندما أدى نقص السيولة إلى نقص كبير في الطلب على الأسهم، مما فاقم من تدهور أسعارها.

ثالثا، لم يعد الاقتصاد العالمي يعتمد بصفة أساسية على قطب واحد بالرغم من الارتباط الكبير بين مختلف الأقطاب. لذلك أشارت البيانات الأخيرة إلى ازدياد قوة الاقتصاد الألماني و ارتفاع الصادرات الصينية، و من غير المحتمل أن تغير الأزمة الحالية بصفة جوهرية من توقعات النمو العالمي الذي يعرف حاليا أعلى نسبة له في التاريخ.

كاتب المقال محلل إيلاف الاقتصادي و خبير سابق بصندوق النقد الدولي بواشنطن.
[email protected]

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية