مع بداية الألفية الجديدة، ظهرت على السطح أسواق جديدة في الخليج: أسواق الأسهم. بالرغم من أن الظاهرة لم تكن مألوفة للمواطن الخليجي، و يتوجب التعامل فيها استعمال مصطلحات صعبة، عرفت هذه الأسواق إقبالا جماهيريا أدى بحكم زيادة الطلب إلى طفرة غير مسبوقة ابتداء من 2003 و استمرت حتى 2005، حيث ارتفع مؤشر سعر الأسهم بــ 140% بالإمارات، 64% السعودية، 26% بعمان، 62% بقطر، و 21% بالبحرين. و زادت رساميل الشركات المدرجة على نسبة 200% من الناتج المحلي في السعودية، مقارنة بــ 75% في الأسواق الناشئة.

بلغ عدد المستثمرين السعوديين في وقت الذروة اكثر من 4 ملايين، كما بلغ عدد المكتتبين في إصدار شركة quot; سابكيم quot; في سبتمبر 2006 اكثر من ستة ملايين... و عرفت دولة الإمارات نفس الظاهرة حيث تحولت معظم شرائح الشعب إلى مضاربين في الأسهم، و وصل عدد المستثمرين في سوق دبي المالي بحدود أكتوبر 2005، 280 ألف مستثمر، من بينهم 34 ألف خليجي ( و 28 ألف سعودي ).
تزامن هذا مع بروز ثقافة جديدة في الخليج، حيث بدا الخليجيون يدمنون على متابعة أخبار السوق في مكاتب عملهم، بل و يتبادلون تحيات العيد مع ملاحظات حول آخر أخبار الأسهم و توقعاتهم للمستقبل !!! و لا غرابة في ذلك فــ quot; الحاجة أم التجديد quot;. و الخليجيون باعوا الغالي و الرخيص للاستثمار في الأسهم. منهم من اقترض لشراء سيارة جديدة مع تسهيلات في الدفع، لبيعها في الحال بأقل من 10% من سعرها الأصلي، ليستثمر الباقي في الأسهم. و منهم من اقترض من الأصدقاء و رهن ممتلكاته، كل هذا بعد اقتراض اكثر ما يمكن من البنوك و باسم كل أفراد العائلة.
ما كان للمقامرة أن تتواصل إلى ما نهاية. و جاءت عملية التصحيح في 2006، حيث انخفض المؤشر العام للأسهم في أسواق راس المال بنسبة 34% في الإمارات، 36% في السعودية، 38% في قطر، و 8% في الكويت، مما الحق خسائر كبرى بالمستثمرين في كل من الإمارات و قطر و السعودية، تقدر بأكثر من 500 مليار دولار. كانت العملية التصحيحية عملية حرق أصابع بكل معنى الكلمة أدت إلى دمار الوضع المالي لملايين الأفراد، فيما وصفه أحد الأكاديميين السعوديين : quot; تسوماني أدى إلى القضاء على جزء من الطبقة الوسطى quot;. و هكذا تحققت مقولة الكاتب البريطاني الشهير quot; برنارد شو quot;، عندما كتب : quot; افضل طريقة للقضاء على شخص لا يعرف كيف يدير الأموال، أن تعطيه بعضا منها quot;.
لعل الخلل الأساسي في أسواق راس المال الخليجية تتمثل في بنائها من الأول على أسس غير سليمة، لا تلبي شروط الإفصاح quot; Disclosure quot; و الشفافية quot; Transparency quot; المتعارف عليها في الأسواق العالمية. بالإضافة، أخفقت السلطات و الإعلام في الجهر بحقيقة أن الفقاعة لن تدوم، و إن الانهيار قادم لا محالة، و تم تكميم الأفواه التي أرادت التنبيه إلى ذلك، إن وجدت.
مع نهاية عملية التصحيح القاسية، بدأت عديد التوقعات بضرورة نهوض الأسواق مع بداية السنة الحالية، و التي لم تتحقق إلى حد الآن، لان المستثمر الذي أحرقت أصابعه في السابق سوف يتردد كثيرا على المغامرة بالأموال مرة أخرى، خصوصا إذا كانت هذه الأموال دين يتوجب عليه دفعه في المستقبل، و في كل الأحوال.

كاتب المقال محلل إيلاف الاقتصادي، باحث أكاديمي و خبير سابق بصندوق النقد الدولي

[email protected]