يُقدّم الجدل الفكري الدائر في المجتمعات العربية حول طبيعة اللحظة التي يعيشها العرب مناسبة لاعادة قراءة إشكالية quot;العروبة quot; وquot;الوحدة quot; حيث نشهد عودة طروحات quot;النهضويين quot; وكأنها نص كتاب مقدس يتم إسقاطه على واقعنا، فتُجرّ الأحداث برجالاتها وأبطالها وكأنها أقدارٌ لا مناص منها.
ردّة الفعل الفكرية هذه واستحضار روحها ورموزها quot;النهضويةquot; تبلورت في الآونة الأخيرة، على شكل حلول طرحت في ظل الفشل الذريع للأنظمة و تَحوّل مزاج الجماهير نحو مزيد من quot;الأصولية quot;.
وإذا كانت مسؤولية المفكر أبعد من أن تكون مجرد إلتزامٍ فكري، فإن مسوغّات العودة الى الإرث النهضوي تحت ذريعة مستقبلية، تُعد أحد أهم الأخطاء البنيوية التي يرتكبها quot;الوحدويون الجددquot;، فكون الانسان عاجز عن التفكير باستقلالية تامة عن الماضي، فإن هذا يخرجه من دائرة quot;المفكر الرؤيوي quot; الباني للمسقبل.
وهنا أتساءل مجددا عن علاقة الفكر المطروح بظروفه وزمنه: أليست الطروحات نهضوية كانت ام غيرها هي بنت واقعها وحضرتها؟؟ وهل عملية استجلاب نصوص quot;نهضوي القرن التاسع عشر والعشرينquot; الى آنتنا يُعد نهضة؟؟؟ أليس استحضار quot;نهضةquot; ماضية واستجلابها هو quot; انهيار quot; ونكوصٌ وتراجع؟؟
انها عملية لا تغدو عن إلباس الماضي لثوبٍ مستقبلي!
إنّ ماقدمه رجال quot;النهضةquot; كان quot;تقدميًّاquot; او quot;حداثيًّاquot; في ذلك الوقت وذاك الواقع، فهل من الضروري ان يَصلح لتجربَة حاضرة اختلفت شروطها وإشراطاتها، فمسألة نجاح اجتراح الحلول يرتبط قبل كلّ شيئ بالآنة ومستوى الواقع الذي ينتمي له .
وهل يمكن ان نبقى إلى ما لا نهاية أسرى quot;أسلافنا quot;؟ quot;سواء كانت quot;سلفية دينية quot; او سلفية quot;نهضوية quot;؟؟ فالنهوض الحقيقي يكون بمغادرة الماضي الى غير رجعة، والذات الحضارية لا تكون الا quot;واحدة موحدة مع آنتها quot; متجاوزة لشتى انواع التعلقات الماضوية.
ايديولوجيا الفكر القومي الى اين؟
تنوعت شروحات quot;القومية العربية quot; بتعدد مذاهبها ومدارسها، وبغض النظر عن اية تفاصيل، فإن الحد الادنى الذي تتفق عليه الحركات القومية على اختلاف مصادرها الايديولوجية والفكرية، هو ان quot;القومية العربية quot; تتمحور حول الايمان بأن العرب كلهم من محيطهم الى خليجهم يشكلون وحدة حضارية تفترض جغرافيتها إقامة منظومة تشكل وحدة سياسية في نهاية المطاف، هو مصطلح جيوبوليتيكي - دوغمائي.
وهنا اسجل النقاط التالية:
اولا:إن ايديولوجيا الفكر quot;القوميquot; تقوم على تفسيرٍ لاحق لواقعٍ كان موجودًا بالسابق، فهي تشكل شرحا quot; تراثياquot; لواقع فرضته الطبيعة الجغرافية الموجودة أصلا... بعبارة اوضح هي quot;استشراف المستقبل انطلاقا من الماضيquot;.
ثانيًا: ان العلاقة quot;التراثيةquot; بين العروبة والاسلام، والتي أدت الى وحدة سياسية سبقت قيام الكيانات القومية التي تمحورت حول العصبية quot;القوميةquot;، وطرحت بديلا عن العصبية quot;الدينية quot;، غير انها كلها في النهاية تصب في دائرة quot; الأنوية الحضاريةquot;، وتضع الشعوب وراء متراس quot;العصبياتquot;!
اذن فالقومية هي تفسير quot;عنصريquot; يستبعد quot;الاخر ممن لا ينتمي الى quot;القوميةquot; نفسها!
قهل نريد نحن العرب بناء quot;قومية عربيةquot; تواجه quot;أخرى quot;عبرية quot; او تواجه القوميات quot;المجاورةquot;؟؟ وكيف حالنا سيكون مع quot;الفرس quot; وquot;الأكراد quot; وquot;الأتراكquot; وغيرهم ممن يشاطروننا التاريخ والجغرافيا والواقع نفسه؟ فأي دولة نريد؟؟
فهل نريد بناء ملكوت السماء على الأرض ام مملكة الانسان في السماء؟؟ وهل الدولة هي السبيل الى الايمان؟؟؟ ام انها مجرد وسيلة تعاقد انسانية تعبر عن كيان اجتماعي وترقيه وتضمن حقوقه وحرياته وانسانيته؟؟
حرب quot;البترودولارquot; مع quot;الشعارquot;:
ولوتجاوزنا الملاحظات الاولى و سلمنا جدلا quot;بالعروبة quot;، فإن ذلك يجعلنا نضع مسألة غاية في الأهمية بالحسبان، وهي: هل كل العرب يريدون الوحدة؟ فالوضع خفي وحسّاس بلاشك بين quot;عرب البترودولاراتquot; وquot;عرب الشعاراتquot;، بين عرب الثورات وعرب الثروات...فعرب الثورة يرون في الوحدة العربية مشروعا ناهضَا بحق العرب quot;الفقراءquot; ولكن قد لا يكون كذلك بحق دول الخليج لا سيما بالشأن الاقتصادي الذي لا يبدو عادلا بحق الدول النفطية ؛ وهو امر طبيعي ومشروع، ومن حق هذه الدول ان ترى ان نفطها لنفسها لا للعرب أجمعين، وهي لا تريد ان تقتسمه مع احد، وان مساعداتها للدول الاخرى تكون بالقدر الذي يحقق لها مصالحها، وليس من واجباتها انقاذ خزائن العرب الفارغة.
لذلك نجد quot;صراعا سياسيا خفيا وغير معلنquot; بين هذين المحورين، فالعلاقة السورية السعودية خير دليل على ذلك، ومن قبلها العلاقات العراقية الكويتية...
فالاتهامات متبادلة وجاهزة، ففي الوقت التي تتهم فيه جهة ما انظمة أخرى بالرجعية والشمولية، يبادر الاخر بالاتهام بتصدير الارهاب ونهب الخيرات.....
علما ان كلاهما في قمع الحريات والانسان والتعسف سواء.
أخيرا هذه الرؤية:
أليس حريّ بنا السعي الى quot;الحرية quot;قبل الوحدة والى جعل الانسان أولا وقبل كل شيئ ، بهدف تحقيق قواعد تواصلية حقيقية بين الانسان واخيه الانسان؟
فالحوار والوحدة تستوجب quot;ذواتًا حرة quot; وقواعد تتجاوز إكراهات الصور النمطية، وانظمة القيم الخاصة بكل نطاق جغرافي تاريخي موصوف باسم الحضارة.
فالتحرر من الاثقال الماضوية شيئ ينبغي ان نطمح اليه، وذلك من خلال تطوير محتوى حضاري انساني يساهم في اتجاهات التطور البشري لا يكون فيه المستقبل متكونًا من مخلفات الماضي وعقده، ولا من الأحلام أضغاثها.
وعندما يصبح الانسان الحر هو موردنا الأول، نكون قد أنجزنا المرحلة الأعقد في علاقاتنا مع بعضنا البعض.
اننا كشعوب تسربلنا بالتراث والماضي الأليم مما أوقعنا في عنف دام مستديم، فالتغلب على حالة البؤس السياسي الحاضرة المتمثلة بغياب حرية الانسان عند كل الدول الموصوفة بأنها عربية ... هي محور السلوك العنفي الذي نعيشه.
البداية تكون بالكفّ عن التصفيق لاستيلاد الحكام لأنفسهم، واستساخهم لانظمتهم، واستخلافهم لابنائهم واعادة انتاج نكباتهم عبر أحزابهم او قبيلتهم او عشيرتهم او طوائفهم ومذاهبهم!
ربما، سيضطرون الى مغادرة عروشهم بحكم الوفاة! وان كانوا يستولدون ممالكهم بتوريث ابنائهم، فإن وفاة أفكارهم لا شك قريبة وولادة الوعي مستمرة! وان غدًا لناظره قريب!
[email protected]
http://marwa-kreidieh.maktoobblog.com